منذ حوالي ساعة
فمن أراد الفهم، فليغرس قدميه على أرض الصبر، وليألف التكرار، وليُدمن الوقوف على المعنى حتى يتشرّبه، فإن التمهل طريق التمكّن، ومن أحبّ الرسوخ احتمل البطء.
في زمنٍ بات فيه “الإنجاز السريع” شعارًا، تسلّلت عدوى العجلة إلى ميدانٍ لا يُثمر إلا بالصبر: القراءة، وغدت “القراءة السريعة” – على نفعها في مواضعها – بوابة توهم عند كثير من طلاب العلم، فحسبوا أن المرور العابر على السطور كافٍ لتحصيل المعنى، واكتساب الفهم، وبناء الوعي.
لكنّ الحقيقة أن هذا الضرب من القراءة، إذا استُعمل على الدوام، وصار دَيْدن المرء، أورثه سطحية في الإدراك، وهشاشة في البناء العلمي، وربما أغراه بظنٍّ زائف أنه بلغ، ولم يبلغ.
ولعلّ أضرّ ما فيها: أنها تقتل ملكة التحليل، وتُضعف روح التأمل، وتُميت لذة التكرار، تلك اللذة التي لا يعرفها إلا من ذاقها، وهي عند أهل الرسوخ مفتاح التثبيت، وسُلّم التمكين.
إن القراءة العابرة ليست بذاتها خطأ، ولكن الخطأ أن تتحوّل إلى نمطٍ دائم، وأن يعتاد الإنسان أن يقرأ ليجتاز، لا ليغوص، ليعرف الاسم، لا ليفهم المعنى، ليجمع العناوين، لا ليبني التصوّر.
وغالب الظن أن هذا الميل للقراءة السريعة ما نشأ إلا من وحشة التكرار، وقلة الصبر على المعاودة، واستعجال النتائج، وكلها خصال لا تُنشئ عالمًا، ولا تُنضج عقلًا.
فمن أراد الفهم، فليغرس قدميه على أرض الصبر، وليألف التكرار، وليُدمن الوقوف على المعنى حتى يتشرّبه، فإن التمهل طريق التمكّن، ومن أحبّ الرسوخ احتمل البطء.
Source link