مما لا ريب فيه أن شمائل النبي ﷺ وأخلاقه العظيمة من الكثرة بمكان، ونعرض هنا الشمائل التي يحتاجها كل معلّم يودّ أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في أداء مهمته التعليمية والتربوية:
الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فإن مهمة النبي والرسول محمد صلى الله عليه وسلم هي تعليم أمته ودلالتهم على الخير، قال الله تعالى: {هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}، فيُعد التعليم من أعظم المهمات على الإطلاق، ومن الأسباب التي لا تكاد تُحصى ولا تعد، فهو حاجة الفرد والمجتمع، والأمة في حاجة إلى الأخلاق الحسنة والآداب الرفيعة والقيم العالية، ولن يتحقق ذلك إلا بالعودة إلى النبع الصافي، والدواء الشافي والعلم الكافي، وإلى التعلم من خير معلّم، إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى في سورة آل عمران: {لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِنْ قَبْلُ لَفِى ضَلالٍ مُّبِينٍ}، وقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم المعلم إلينا للهداية والرشاد، يقول سبحانه تعالى في سورة الشورى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، وقال الله تعالى في سورة الأنفال: {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، فوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة وأمان من عذاب الله، فإذا ذهب الأمان الأول بقي الأمان الثاني إلى يوم القيامة، فهذه دعوة إلى الأمة بوجوب التوبة والاستغفار من الذنوب والمعاصي والعودة إلى الله سبحانه وتعالى.
النبى صلى الله عليه وسلم أعظم معلم ومرب:
يُعدّ كتاب ( الرسول المعلّم صلى الله عليه وسلم ) للشيخ: عبد الفتاح أبي غدة أحسن كتاب معاصر، تحدث عن مهمة التعليم التي زاولها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث جمع فيه أكثر من أربعين وسيلة من الوسائل التعليمية التى استعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعليم أصحابه.
يقول الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله: إن القرآن الكريم يثبت معلمية رسول الله صلى الله عليه وسلم بنص صريح، حيث قال الله تعالى في سورة الجمعة: {هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}، كما أثبتت السنة النبوية الشريفة هذه الصفة والمهمة العظيمة مهمة التعليم في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك خرج يوماً على أصحابه فوجدهم يقرؤون القرآن ويتعلمون. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثنى معلماً وميسراً» [1] ، يقول معاوية بن الحكم رضي الله عنه: ما رأيت معلّماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه [2] ، وفي رواية أبي داود: فما رأيت معلماً قط أرفق من رسول الله صلى الله عليه وسلم [3] .
عند ما نلقي نظرةً على تاريخ البشرية كلها وبالخصوص على المعلمين الكبار الذين ذاع صيتهم في الحاضر والماضي، سواء قبله أو بعده، ولا يوجد أي معلّم أو مربّ في التاريخ تخرج على يديه عدد أكثر وأوفر من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، لقد تخرج على يديه عدد غفير من الأصحاب والأتباع. هناك سؤال: كيف كانوا قبله ؟ وكيف أصبحوا بعده ؟ إن كل واحد منهم دليل ناطق على عظمة هذا المعلّم الفريد كما ذكر الإمام القرافي في كتابه الفروق: لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه، لكفوه لإثبات نبوته.
أساليب النبي صلى الله عليه وسلم التربوية:
مما لا ريب فيه أن شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه العظيمة من الكثرة بمكان، ونعرض هنا الشمائل التي يحتاجها كل معلّم يودّ أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في أداء مهمته التعليمية والتربوية:
- الحرص على طلب العلم.
- الحرص على تبليغ العلم.
- تقدير المعلم والعالم ورفع منزلتهما.
- وصية النبي صلى الله عليه وسلم لطلاب العلم والرفق بهم.
- الإخلاص لله تعالى.
- التعليم بالسيرة الحسنة والخلق العظيم.
- تعليمه صلى الله عليه وسلم الشرائع بالتدريج: عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا.
- رعايته صلى الله عليه وسلم في التعليم الاعتدال والبعد عن الإملال: وكان صلى الله عليه وسلم يتعهّد أوقات أصحابه وأحوالهم في تذكيرهم وتعليمهم، لئلا يملوا، وكان يراعي في ذلك القصد والاعتدال.
- إجابته صلى الله عليه وسلم السائل عما سأل عنه، أو بأكثر مما سأل عنه، أو إلى غير ما سأل عنه.
- تعليمه صلى الله عليه وسلم بالسكوت والإقرار على ما حدث أمامه.
- امتحانه صلى الله عليه وسلم العالم بشيئ من العلم، ليقابله بالثناء عليه إذا أصاب.
- تأكيده صلى الله عليه وسلم التعليم بالقسم.
- تكراره صلى الله عليه وسلم القول ثلاثاً لتأكيد مضمونه.
- تعليمه صلى الله عليه وسلم بالوعظ والتذكير.
- تعليمه صلى الله عليه وسلم بالترغيب والترهيب.
- تعليمه صلى الله عليه وسلم بالقصص وأخبار الماضين.
- اهتمامه صلى الله عليه وسلم بتعليم النساء ووعظهن.
- التعليم بذاتيته الشريفة صلى الله عليه وسلم.
الرفق واللطف:
قال النبى صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق، يحب الرفق في الأمر كله» [4] ، وفي صحيح مسلم: إن الرفق لا يكون في شيئ إلا شانه ولا ينزع من شيئ إلا شانه [5] . ويقول أنس خادم النبى صلى الله عليه وسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن خلقا فأرسلنى يوماً لحاجة، فقلت: لا والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم. فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله قد قبض بقفاي من ورائي. قال: فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: «يا أنيس ! أذهبت حيث أمرتك ؟» قال: قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول الله ! ومن رفقه صلى الله عليه وسلم ما ذكره عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب حيث قال: ثم مسح على رأسي ثلاثاً [6] .
التواضع:
مما ينبغي على المعلم أن يتواضع لطلابه، فيرعى حال ضعيفهم، وقد يخصه بمزيد بيان وشرح ووقت. قال أبو رفاعة: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب قال، قلت: يا رسول الله ! رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدرى ما دينه ؟ قال: فأقبل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إلي، فأتى بكرسي حسبت قوائمه حديداً، قال فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته، فأتم آخرها [7] .
التريث في الإجابة عن السؤال:
قال الله تعالى في سورة الإسراء: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}، وكذلك جاء في الحديث، سأل جابر بن عبد الله فقال: يا رسول الله ! كيف أصنع في مالي ؟ كيف أقضي في مالي ؟ فلم يجبني بشيئ حتى نزلت آية المواريث [8] . وكذلك جاء في الحديث جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ! أي البلدان شر ؟ فقال: لا أدري حتى أسأل ربي، فلما أتاه جبريل عليه السلام قال: يا جبريل ! أي البلدان شر ؟ [9] .
كيفية التعامل مع المخطئين والمقصرين:
ولما كان القصور والخطأ والجهل أمراً معهوداً في الأبناء والطلاب فإننا نتساءل كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أمثال هذه الأحوال، وفي هذه الأمثلة نقرأ الإجابة ونستلهم المنهج. تقول عائشة رضي الله عنها: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده ولا امرأةً ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله [10] . لما تخلف كعب بن مالك عن غزوة تبوك، ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوته جاءه كعب فيقول: فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب. وبينما هو في المسجد دخل أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزرموه، دعوه فتركوه حتى بال. ثم إن رسول الله دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيئ من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن [11] . وفي رواية الترمذي أنه قال لأصحابه: «إنما بُعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين».
وقصة الشباب الذي جاء يستأذن رسول الله بالزنا فزجره الصحابة رضي الله عنهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادنه»، فدنا منه قريباً، قال فجلس قال: «أتحبه لأمك؟» قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونهم لأمهاتهم، –قال- أفتحبه لابنتك» ؟ «اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه» [12] .
وختاماً أقول كان النبي صلى الله عليه وسلم معلماً مؤدباً ومهذباً ولا يوجد في الدنيا كنظيره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ماهراً في كل فن، وكان أسلوب تعليمه وكيفيته ممثلاً، لأن كان خلقه خلقاً عظيماً، لذلك يجب على كل معلّم أن يتخذ أسلوب تعليمه كأسلوب النبي صلى الله عليه وسلم ومنهج تعليمه النبي صلى الله عليه وسلم.
____________________________________________________
* جامعة علي جراه الاسلامية، أترا برديش ( الهند ).
[1] رواه مسلم برقم 537. [2] رواه مسلم برقم 537. [3] رواه أبو داود برقم 931. [4] رواه البخاري برقم 6927 من حديث عائشة رضي الله عنها. [5] رواه مسلم برقم 2594. [6] رواه أحمد في المسند برقم 1763. [7] رواه مسلم برقم 876 من حديث أبي رفاعة. [8] رواه البخاري برقم 6723 من حديث جابر، ونحوه في مسلم برقم 1616. [9] رواه أحمد في المسند برقم 16302 من حديث جبير بن مطعم. [10] رواه مسلم برقم 2328 من حديث عائشة رضي الله عنه. [11] رواه مسلم برقم 285 من حديث أنس. [12] رواه أحمد برقم 21708 من حديث أبي أمامة كأ.____________________________
المصدر: البعث الإسلامي
المصدر: الأخ واجد الحسن
Source link