السخرية بالنفس! – منصور بن محمد المقرن

كان يسخر مـمـّن يُعفي لحيته طاعةً لربه؛ فلمّا أعفى لاعبٌ شهيرٌ لحيته، أعفى لحيته بلا تردّد. وفتاة كانت تسخر ممن تلبس القفازات حياءً؛ فلما قادت السيارة لبست القفازات حتى لا تُسوِّد الشمسُ يديها. وشابٌ كان يعيب على من يُقصِّر ثيابه؛ فلما ظهرت موضة تقصير البناطيل بين مغنين ومشاهير سارع إلى التشبه بهم.

 

كان يسخر مـمـّن يُعفي لحيته طاعةً لربه؛ فلمّا أعفى لاعبٌ شهيرٌ لحيته، أعفى لحيته بلا تردّد. وفتاة كانت تسخر ممن تلبس القفازات حياءً؛ فلما قادت السيارة لبست القفازات حتى لا تُسوِّد الشمسُ يديها. وشابٌ كان يعيب على من يُقصِّر ثيابه؛ فلما ظهرت موضة تقصير البناطيل بين مغنين ومشاهير سارع إلى التشبه بهم.

أيها السادة .. هذه الحالات وأمثالها تُوحي بأن مكانة الموضة وسلوك المشاهير – عند هؤلاء الأشخاص ونحوهم – أعلى بكثير من مكانة الدين والالتزام بأحكامه، كما أنها تُعطي انطباعاً عنهم أن قناعاتهم وقرارتهم تخضع لغيرهم وتتبعهم، فهم ليسوا أهل إرادة مستقلة ورأي خاص، بل هم أتباعٌ لكل شهير، ولو كان بعيداً عن الدين وقيم المجتمع، وهم كذلك منقادون بلا تفكير لأي موضة جديدة فلا يستطيعون الفكاك من سطوتها. قال ابن مسعود رضي الله عنه: (لا يكُنْ أحَدُكمْ إمَّعَة، يقول: أنا مع الناس، إن أحْسنَ الناسُ أحسنتُ، وإن أساؤوا أسأتُ، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم إن أحسنَ الناسُ أن تُحْسِنُوا، وإن أساؤوا أن لا تَظلِمُوا).  

والسؤال الأهم هنا: كيف وصل هؤلاء إلى هذه الحالة من تغييب عقولهم، وسلب إرادتهم، ومصادرة حرياتهم من الآخرين؟!

قد يكون أحد الأسباب: الاغترارَ بالأكثرية، والاستسلام لضغط سلوكها وأفكارها، واعتبار كثرتهم دليلاً على الصواب، أو اتخاذها ملاذاً آمناً يخفف من تأنيب الضمير عند اتباع السلوكيات والأفكار الخاطئة، وقد ورد في القرآن التحذير من اتباع الأكثرية، فقال الله تعالى: {(وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ)} ، وقال سبحانه { (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)} ، وفي المقابل فإن لفظ “الأقلية” في القرآن يرد للثناء عليها، قال الله تعالى: { (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)} ، وقال سبحانه عن قوم نوح عليه السلام: (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ)، وقد فقه ابن مسعود رضي الله عنه هذا المعنى، ونبذ (سلوك القطيع)، فقال كلمته المشهورة: “الجماعة ما وافق الحق، وإن كنتَ وحدك“.

وقد يكون من أسباب هذه الحالة أيضاً: الرغبة في اتقاء سخرية الأكثرية الخاطئة عند مخالفتهم، وهذا السبب -وإن كان أثراً من آثار السبب السابق- إلا أنه يشي باهتزاز الثقة بالنفس، وضعف القناعة بخطر مجاراة الأكثرية الخاطئة، وكذلك بضعف العلم بوجوب الالتزام بالأحكام الشرعية مهما قلّ عدد الملتزمين بها.

وعموماً، وفي كل الأحوال، فإن تعزيز الانتماء إلى الإسلام، والاعتزاز به، وتعظيم الله تعالى ومحبته، والخوف منه، وتذكر لقائه وحسابه سبحانه؛ وتربية النفس على كل ذلك؛ يُثمر لدى العبد –بلا ريب- تقديم محبوبات الله عز وجل على محبوباته ومحبوبات الناس، مهما كانت أحواله، أو أحوال من حوله.

كتبه/ منصور بن محمد الـمقرن


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خياران لا ثالث لهما: لك .. أو عليك – سالم محمد

منذ حوالي ساعة يا لله! ما أعجب هذا القبس النبوي القصير، وما أوسع ما يحمله …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *