فيا أيُّها السائرُ إلى الله، إن شئتَ اختصارَ الطريق، فاعتنِ بهاتين الركيزتين، واجعلْ صلاتَك حياةَ قلبِك، وقرآنَك زادَ روحِك، ثم لا تُبالِ ما فاتكَ من الدنيا؛ فإنك معهما على وعدِ الله الحقّ: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}.
الصلاةُ والقرآن ركيزتان عظيمتان يحرص الشيطانُ كلَّ الحِرص أن يقطع صِلةَ العبدِ بهما، أو يُضعِفَ أثرَهما في قلبه؛ فهما عالَمان يفرُّ منهما الشيطان كما يفرُّ الجبانُ من السيفِ المسلول، ولذا يُعمِل حِيلَه لصرف العبد عنهما بما أُوتي من مكرٍ وخديعة؛ لأنه يعلم أنهما معِينُ الهداية ومنبعُ الرُّشد والنور ومصبُّ الخير، وفيهما حياةُ القلوب ودوامُ الصلةِ بعلاّمِ الغيوب.
فالصلاةُ لبُّ الدينِ وروحُه، والبابُ المفتوحُ بين العبدِ وربِّه؛ فيها يفيضُ النور، ومنها تنبعُ الطمأنينة.
هي ساعةُ اللقاء التي يفتح فيها الملكُ الكريمُ أبوابَ السماء، وينظر إلى قلبِ عبدِه: أفيها خشوعُه أم غفلتُه؟ أفيها إخلاصُه أم صورتُه؟ فما سَعِدَ بصلاتِه إلا من عقلَها، وجعلها قُرَّةَ عينِه وراحةَ قلبِه، وأقبلَ عليها بكُلِّيَّتِه. ولذا يُلقي الشيطانُ وساوسَه فيها، ويلاحقُ المصلّي في محرابِه، ويشوِّشُ عليه، وينثر بين يديه همومَه؛ لئلّا يذوقَ طَعمَها ولا يقطفَ ثمرتَها؛ حتى يخرجَ منها بقلبٍ غافلٍ وجَنانٍ مشغول، فيفقدَ أثرَها وبركتَها. وقد قال الصادقُ المصدوقُ ﷺ: « «ليس لك من صلاتِك إلا ما عقلتَ» ».
فما أعظم أن تكونَ الصلاةُ قُرَّةَ عينِك، وموعدَ أُنسِك، وموضعَ خشوعِك؛ ترفعُها إلى ربِّك طيّبةً مباركةً، فيرضى عنها ويُثيبك عليها.
وأمّا القرآنُ فهو حبلُ الله المتين، طَرَفُه عند الله، وطَرَفُه بين يدي العبد؛ من تمسّكَ به ارتفع، ومن أعرضَ عنه سقط. هو الميثاقُ المبين، الهادي إلى الكمال، والدالُّ على الرشاد، والجامعُ بين صلاحِ المعاشِ والمعاد.
آياتُه تُذيبُ القسوةَ من القلب كما تُذيبُ الشمسُ الجليدَ، وتنفخُ في الروحِ من أنوارِها ما يردُّها إلى فطرتِها الأولى. ومن تمسّك به وعمل به سعدَ في الدارين، وغمرتْه البركاتُ في كلِّ زمانٍ ومكان. ولذا يجتهدُ الشيطانُ أن يحولَ بينك وبين هذا الكتاب العظيم؛ فإذا قرأتَه شغَلك، وإن تدبَّرتَه لبَّس عليك، ليصُدَّك عن تدبّره؛ حتى لا ترى مرآتك فيه، ولا تسمع نداءَ الله من خلاله.
وإذا اجتمع القرآنُ والصلاةُ في جوفِ الليل، كانت أنوارُ الهدايةِ أتمَّ وأوضح؛ وكنتَ كمن أقام ساعةً في محرابِ الجنةِ على الأرض، يُبصِرُ عيوبَ نفسِه، ويغسلُها بآياتِ الله، ويستشعرُ أنَّه بين يدي مولاه في مقامِ تطهيرٍ واصطفاء. فقيامُ الليل مرآةُ المرءِ، تُبصِّرُه عيوبَه، وتعملُ آياتُ الكتاب في تطهيرِها وتهذيبِها حتى تعودَ إلى فطرتِها الأولى.
فأحسِن يا صاح صِلتك بالصلاةِ والقرآن، وأعطِهما من قلبِك وحضورِك ما يليقُ بهما، واجعلْ لهما في يومِك نصيبًا لا ينقطعُ وأثرًا لا يُمحى؛ وحينَها سترى قلبَك قد أزهَر، وحياتَك قد تغيَّرت، وأيامَك قد غمرَتها السكينةُ والبركة.
فيا أيُّها السائرُ إلى الله، إن شئتَ اختصارَ الطريق، فاعتنِ بهاتين الركيزتين، واجعلْ صلاتَك حياةَ قلبِك، وقرآنَك زادَ روحِك، ثم لا تُبالِ ما فاتكَ من الدنيا؛ فإنك معهما على وعدِ الله الحقّ: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}.
______________________________________________
الكاتب: طلال الحسّان
Source link