«المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» .” فكم يتسع معنى كلمة الأذى؟ وكم يمتد عموم كلمة الناس؟ وكم يحتاج الصبر من معاناة؟
لم يعد يفجأه شيء! ولم يعد يسمح لخذلان الخاذلين، أو تثبيط المثبطين، أو صدود المحبطين، بأن يعكر صفو حلمه الجميل، أو يقطع حبل أمله البعيد!
عندما كان يلعب الكرة صغيرا، كان والده الذي يرقبه بحسه المرهف، وينظر إليه بعين الزمن البعيد، يلحظ أنه أكثر الأولاد ركضاً، وأكثرهم حرصاً، فيسأله وكأنّه يحذّره من وهج العاطفة، أو فرط الثقة، أو قابل الأيام: ألا تلتقط أنفاسك؟ لم كل هذا؟ لم لا تستريح قليلا مثلهم؟
لقد أصبح أكثر معرفة بعيوبه، وصراحة مع نفسه، وأكثر وعيا بقراءتها، وأصبحت نفسه أكثر وضوحا معه: إنه مسرف الإحساس، جارف العاطفة، جيّاش الشعور، صادق المُهجة، يأخذ العلاقات بمحمل جدّ، قد يعتبره كثيرون تنازلا، أو سذاجة مفرطة، أو فرصة للاستغلال. إنه يرسم من خياله الذي يتمناه، واقعا يريد العيش فيه، ولا يريد أن يواجه حقيقة أنه مجرّد خيال غير صحيح، غير مُعاش، غير ملموس، إلا في ذلك الخيال. نعم، إنه واهم، والخيال أوهام!
لقد أصبح أكثر فهما للحديث النبوي الشريف: “ «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» .” فكم يتسع معنى كلمة الأذى؟ وكم يمتد عموم كلمة الناس؟ وكم يحتاج الصبر من معاناة؟
إنه يحتسب ما دام قادرا على الصبر والمكابدة! فإن لم يعد للصبر معنى، ولمكابدة الناس فائدة، ففيم يُحزن فؤاده، أو يُعنت نفسه؟ فنفسه التي بين جنبيه أولى ألا يقتلها حرصا على من لا يحرص عليه، ولا يتردد في إيذائه، أو يتورع عن تكدير حياته.
إنّ الصبر على الأذى، لا يعني حطم الإنسان نفسه، أو منح قدْر غير مستَحق لمن لا يستحق.
Source link