هل تستخدم عقلك جيدًا؟ هل أنت من النوع الخامل أم المفكر؟ عِشْ معي بعض الوقت مع هذا الاختبار الذي يساعدك على تحديد شخصك، إن صدقت مع نفسك أثناء الاختيار.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فنعمة العقل من أجلِّ نعم الله على الإنسان بعد الهداية للإسلام، ومن أعظم مميزات تلك النعمة التفكر والتدبر في ملكوت الله وخلقه؛ ليستدل الإنسان بهذه النعمة على عظمة الخالق سبحانه؛ فينقاد طوعًا، وحبًّا لهذا الخالق العظيم.
وقد وردت عدة آيات في القرآن الكريم تبين هذه النعمة، وامتنان الله بها على الإنسان؛ فقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 190، 191].
وقال تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية: 17 – 20]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21، 22]، والآيات كثيرة في هذا الباب.
وكذلك وردت أحاديث في السنة النبوية على صاحبها أفضل صلاة وأتم تسليم، تدعو إلى التفكر والتدبر؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ((كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخبروني بشجرةٍ تشبه – أو: كالرجل المسلم – لا يتحاتُّ ورقها، ولا، ولا، ولا، تؤتي أكلها كل حينٍ، قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان، فكرهت أن أتكلم، فلما لم يقولوا شيئًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي النخلة»، فلما قمنا، قلت لعمر: يا أبتاه، والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة، فقال: ما منعك أن تكلم؟ قال: لم أرَكُمْ تكلمون، فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئًا، قال عمر: لأن تكون قلتها، أحب إليَّ من كذا وكذا))؛ (رواه البخاري).
وكذلك وجَّه الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته رضي الله عنهم إلى التفكر والاستدلال العقلي فيما يستجد من الأمور التي لم يَرِدْ فيها حكمًا من القرآن أو السنة، ويوصيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد بالرأي، وهو إعمال التفكير، بل ويرغِّبهم في ذلك بالثواب في الآخرة؛ فعن عمرو بن العاص أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إذا حكم الحاكم فاجتهد، ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد، ثم أخطأ، فله أجر»؛ (رواه البخاري).
وعندما أخذ المسلمون بهذا النهج الذي حثَّ عليه القرآن الكريم والسنة النبوية كتطبيق عملي، سادوا العالم أحقابًا متتالية في شتى المجالات والفنون، وفُتحت الجامعات، وأقبلت الوفود من الغرب والشرق تنهل من رياض حضارة المسلمين العلمية والمادية والتجريبية، وما كانت تلك القيادة للحضارة الإنسانية حقبة طويلة من القرون، إلا من خلال توظيفهم لنعمة التدبر والتفكر السليم، وتوظيفها التوظيف الراشد؛ ومن ثَمَّ فإن من أسباب تخلف المسلمين عن ركْبِ الأمم اليوم، هو ضعف مجال التدبر والتأمل والتفكر لِما يحيط بهم من أمور دينهم ودنياهم؛ فأصبح الواحد منهم لا يبحث في الغالب إلا عما هو جاهز ومباشر في كثير من أمور حياتهم الدنيوية، فكيف بأمور حياتهم الأخروية؟! مما جعل الكثير من أفراد المجتمع المسلم يعيش خمولًا وكسلًا فكريًّا، بعيدًا عن البحث والاكتشاف، من خلال تعرضهم لتربية مقصودة أو غير مقصودة.
لذا رأيت أن أطرح هذا الموضوع؛ لنساهم معًا في توظيف نعمة التفكر والتواصي بتدريب هذه الملكة لدى كل واحد منا؛ فالقرآن الكريم والسنة النبوية تولَّت الاهتمام بهذا المجال، وحث القرآن ودَعَتِ السنة لتوظيف ملكة التفكر والتدبر لدى المسلم، وقد ذكرتُ بعض الآيات في هذا المجال المهم، وكذلك أكدت السنة النبوية عمليًّا على هذا المجال من خلال تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لصحابته الكرام رضي الله عنهم.
والآن هيا بنا لنعيش معًا في رحاب التفكير من خلال تمرين بسيط منشِّط للعقل؛ ليحدد كل منا تقريبًا مدى استخدامه لمجال التفكير، وهذا التمرين بعنوان:
هل تستخدم عقلك جيدًا؟
هل أنت من النوع الخامل أم المفكِّر؟
بشرط الصدق مع نفسك في الإجابة من خلال اختيار الإجابة المناسبة لك، دون الرجوع والاطلاع على نموذج الإجابة المرفق مع هذا المقال؛ فالصدق مع النفس شرط ضروري إذا أردنا أن نصل إلى تقييم صادق، يمكن من خلاله تنمية ذواتنا.
وهذا الاختبار المقدَّم في هذا التمرين حفظًا للحقوق استفدتُه من مجلة (حياة)، العدد:42، شوال 1424هـ، السنة الرابعة، مع تعديل في بعض الألفاظ، والصيغ؛ لتناسب المقام.
فهيا بنا أيها القرَّاء الكرام إلى هذا التمرين؛ فلعله أن يساهم إلى حد ما في تحقيق الهدف من طرح هذا المقال.
• هل تستخدم عقلك جيدًا؟ هل أنت من النوع الخامل أم المفكر؟ عِشْ معي بعض الوقت مع هذا الاختبار الذي يساعدك على تحديد شخصك، إن صدقت مع نفسك أثناء الاختيار.
السؤال الأول: كيف كانت – ولا تزال – علاقتك مع الرياضيات؟
أ– لا تذكرني بها… لا أحبها أبدًا.
ب- لا بأس عادية… لا أكرهها.
ج- جيدة ولله الحمد… فأنا أحب الرياضيات.
السؤال الثاني: هل تحب القراءة؟
أ- نعم… أحبها كثيرًا.
ب- يعني… أحيانًا.
ج- كلا… لا أطيق القراءة أبدًا.
السؤال الثالث: ذكر أمامك صديقك لغزًا… هل تفكر فيه وتطلب منه الانتظار حتى تكتشفه، أم أنك تسأل بسرعة عن الإجابة؟
أ- أحاول أن أفكِّرَ فيه قليلًا… ثم أطلب منه الإجابة إذا لم أعرفه.
ب- ألح في طلب الإجابة بسرعة، فأنا لا أتحمل التفكير.
ج- آخذ الأمر على محمل التحدي وأطلب منه الانتظار حتى أفكر فيه، وأحاول عدة مرات… أما إذا يئست فأطلب منه الحل.
السؤال الرابع: رأيتَ قلمًا عجيبًا يستطيع أن يقف رأسيًّا، وبتوازن على الطاولة… هل تتساءل في نفسك عن سر ذلك، وكيفية عمله، وتفكر في ذلك؟
أ– أقلِّب فيه، وأقلب، وأفكر في سر عمله حتى أعرف.
ب- بصراحة… لن أسأل عن ذلك.
ج- أتساءل في سري عن سر عمله، لكن لا أتعب نفسي كثيرًا في التفكير في ذلك.
السؤال الخامس: هل تحب حل مسائل الذكاء التي تحتاج إلى تفكير وحلٍّ على الورقة؟
أ– كلا لا أطيقها.
ب- نعم أشعر باللذة والحماس لحل مثل تلك المسائل.
ج – أحيانًا فقط أتحمس لها.
السؤال السادس: إذا روى لك أحد زملائك قصة مثيرة، هل تخمن عادة في سرك أو تتوقع نهايتها؟
أ- أحيانًا.
ب- كلا… لا أحاول أتوقع النهاية.
ج- نعم… في أحيان كثيرة أخمن حصول أحداث قريبة مما سيقوله.
السؤال السابع: إذا اشتريت قطعة أثاث صغيرة (كرسيًّا أو درجًا) هل يمكن أن تقوم بتركيبها بنفسك حسب النشرة المرفقة؟
أ– نعم أحب ذلك، وأشعر بالمتعة في تركيبها.
ب- أحيانًا… إذا كان كل شيء واضحًا.
ج- كلا… لا أحب أن أتعب نفسي في التركيب أبدًا.
السؤال الثامن: إذا اشتريت جهازًا إلكترونيًّا جديدًا (جهازَ مترجم – جوالًا جديدًا – ميكروويف – فاكس…؛ إلخ)، هل تجد صعوبة في استخدامه، ومعرفة كيفية تشغيله؟
أ– نعم أجد صعوبة… وأبحث عن شخص يشرح لي طريقة عمله بالتفصيل.
ب- كلا… فغالبًا أقرأ النشرة المرفقة أو أحاول، وأجرب حتى أتأكد من معرفتي لكيفية استخدامه تمامًا بإذن الله.
ج- في بعض الأجهزة أحاول حتى أتمكن منها، والبعض لا أعرف وأخاف أن أجرب فأسأل من يمكنه مساعدتي.
السؤال التاسع: اقْتَنى أخوك حيوانًا أليفًا (سلحفاة أو أسماكًا)، هل تحب أن تتأمل حركة هذا الحيوان، وكيفية أسلوب حياته، وكيفية تصرفه في مختلف الحالات؟
أ- في بعض المرات… أستمتع بمراقبة حركاته فقط.
ب- أحب ذلك كثيرًا… فأراقب كيفية تصرفه لو قدمت له طعامًا، أو لو وضعت له لعبة معينة وهكذا.
ج- لا أهتم، ولا أستمتع به كثيرًا.
السؤال العاشر: هل تحب جو المسابقات (الأسئلة الثقافية)؟
أ- كلا لا أحبها كثيرًا… أشعر أنها تحرجني وتشعرني بالغباء.
ب- أحيانًا حسب جو المسابقة.
ج- يا سلام أحبها جدًّا؛ لأنها تشعرني بالحماس.
نموذج جدول إجابات الأسئلة:
• من (20 – 30) عقلك مصباح مضيء، وتحب التفكير وتشغل عقلك، ولديك حماس للبحث والاستكشاف ومعرفة المجهول، فلا تهمل هذه الميزة فيك، فهي من صفات المبدعين، لا تترك الغبار يتراكم يومًا على عقلك النظيف، لَمِّعه باستمرار ونوِّره بالعلوم والمعارف من خلال القراءة المنوعة المفيدة، وحل المسائل، والاطلاع على كل مفيد ونافع؛ لتطوير ذاتك بإذن الله.
• من (11 – 19) عقلك يعمل لكنه بحاجة للمزيد من الوقود، فأنت لديك اهتمام بالمعرفة والتفكير، لكنك كسول، ولا تمتلك الحماس للاستمرار في تطوير ذاتك، لديك عقل نظيف، ويمكن أن يعمل بشكل أفضل بكثير، لكنك تهمله وتترك الغبار يتراكم عليه أحيانًا بإهمالك؛ لتطوير ذاتك بالقراءة والاطلاع، والسؤال، والتجربة المفيدة، فمعدن عقلك جيد ويستحق المحافظة عليه، أنت لديك رغبة في تعلم المزيد والاكتشاف وتقديم المفيد، لكن هناك أشياء تحبطك وتمنعك من تطوير ذاتك ونفسك، واستخدام مهارة التفكير لديك.
• أقل من (11): يا ألله! منذ متى وعقلك مُطفَأ هكذا؟ للأسف لا تهتم بعقلك، لقد أهملته وتركت استخدامه لفترة طويلة حتى علاه الصدأ… لماذا؟
لماذا تعتقد أن التفكير والثقافة هي من صفات العلماء والمعقدين فقط؟
لماذا لا تحاول الاطلاع على ما يجرى حولك وتفكر فيه؟
لماذا لا تطور ذاتك بالقراءة والاطلاع ومعرفة كل جديد ومفيد؟
انتبه، إن بُغْضَك لأي شيء يحتاج إلى التفكير سيجعل عقلك يتوقف عن العمل؛ لذا حاول أن تقوم بإشغاله من جديد من خلال القراءة والاطلاع، وحل الألغاز والمسائل، والتفكير فيما يجري حولك باستمرار، ستجد صعوبة في البداية، لكن بعد فترة ستعوِّد عضلات مخك على هذه التمارين، وتنشط؛ فتشعر بالفخر والسرور والسعادة.
ركز مرة أخرى على القراءة والاطلاع، ومصاحبة الصحبة الصالحة المثقفة التي تساعدك على التفكير فيما يدور حولك.
_________________________________________________
الكاتب: د. عوض بن حمد الحسني
Source link