أحكام الجمعة ملخّصة من كتاب زاد المعاد ابن قيّم الجوزية رحمه الله

قال صلى الله عليه وسلم: «من أفضل أيامكم يوم الجمعة. فيه خُلِقَ آدم، وفيه قُبِض، وفيه النَّفخة، وفيه الصَّعقة. فأكثرِوا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ».

من الأحاديث الثابتة في فضل يوم الجمعة:
 ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«نحن الآخِرون السابقون يوم القيامة، بَيْدَ أنهم أوتوا الكتاب مِن قبلِنا. ثم هذا يومهم الذي فَرَض الله عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله له؛ فالناسُ لنا فيه تَبَع: اليهود غدًا والنصارى بعد غد».

 وفي المسند والسنن من حديث أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من أفضل أيامكم يوم الجمعة. فيه خُلِقَ آدم، وفيه قُبِض، وفيه النَّفخة، وفيه الصَّعقة. فأكثرِوا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ».

 وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خيرُ يومٍ طلعت فيه الشمس يوم الجمعة. فيه خُلِقَ آدم، وفيه أُدخِلَ الجنة، وفيه أُخرِجَ منها. ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة».

 وفي صحيح ابن حبان من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم أفضل من يوم الجمعة. وما من دابّة إلا وهي تفزع ليوم الجمعة إلا هذين الثقلين من الجنِّ والإنس».

في مبدأ الجمعة (أوّل من صلّى الجمعة):
 كان أسعدُ بن زُرارة أول من جمع بالمدينة قبل مقدَم النبي صلى الله عليه وسلم في هَزْمٍ من حَرَّة بني بَياضة.
 ثم لما قدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فصلَّاها في المسجد الذي في بطن الوادي، وكانت هذه أول جمعة صلَّاها بالمدينة، وذلك قبل تأسيس مسجده.

مسألة: أيهما أفضل: يوم الجمعة، أو يوم عرفة؟
والصواب: أنّ يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم عرفة ويوم النحر أفضل أيام العام، وكذلك ليلة القدر وليلة الجمعة.

 خصائص يوم الجمعة:
 الخاصَّة الأولى: كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي (الم تنزيل) و (هل أتى على الإنسان).
وكان النبي يقرأ بهما لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها، فإنهما اشتملتا على خلق آدم وعلى ذكر المعاد وحشر الخليقة، فكان في قراءتهما تذكير للأمة بما كان فيه ويكون.

 الخاصَّة الثانية: استحباب كثرة الصلاة فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وفي ليلته،
لقوله: أكثِروا من الصلاة عليَّ يومَ الجمعة وليلةَ الجمعة.

 الخاصَّة الثالثة: صلاة الجمعة التي هي من آكد فروض الإسلام، ومن أعظم مجامع المسلمين.

 الخاصَّة الرابعة: الأمر بالاغتسال في يومها، وهو أمر مؤكَّد جدًّا.

 الخاصَّة الخامسة: التطيُّب فيه. وهو أفضل فيه من التطيُّب في غيره من أيام الأسبوع.

 الخاصَّة السادسة: السِّواك فيه. وله مزية على السِّواك في غيره.

 الخاصَّة السابعة: التبكير إلى الصلاة.

 الخاصَّة الثامنة: أن يشتغل بالصلاة والذكر والقراءة حتى يخرج الإمام.

 الخاصَّة التاسعة: الإنصات للخطبة إذا سمعها وجوبًا في أصحِّ القولين.

 الخاصَّة العاشرة: قراءة سورة الكهف في يومها.
فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطَع له نورٌ من تحت قدمه إلى عَنانِ السماء يضيء به يوم القيامة، وغُفِر له ما بين الجمعتين». (زيادة يوم الجمعة تفرّدَ بها هشيم بن بشير).

 الحادية عشر: أنه لا يُكره فعلُ الصلاة فيه وقت الزوال عند الشافعي ومن وافقه، وهو اختيار شيخنا أبي العباس.
للحديث الذي رواه البخاري قال صلى الله عليه وسلم:
«لا يغتسل رجلٌ يوم الجمعة، ويتطهَّر ما استطاع من طُهرٍ، ويدَّهِن من دُهْنه، أو يمسُّ من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرِّق بين اثنين، ثم يصلِّي ما كُتِبَ له، ثم يُنْصِت إذا تكلَّم الإمام = إلا غُفِر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى».

 الثانية عشر: قراءة (سورة الجمعة) و (المنافقون) أو (سبِّح) و (الغاشية) في صلاة الجمعة،
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهنَّ في الجمعة. كما في مسلم. وفيه أيضًا: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيها بـ(الجمعة) و (هل أتاك حديث الغاشية)، ثبت عنه ذلك.

 الثالثة عشر: أنه يوم عيد متكرِّر في الأسبوع،
لحديث أبي لُبابة بن عبد المنذر عند ابن ماجه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ يوم الجمعة سيِّد الأيام وأعظمها عند الله. وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر…» الخ. (انظر السلسلة الضعيفة).

 الرابعة عشر: أنه يُستحَبُّ للرجل أن يلبس فيه أحسن ثيابه التي يقدر عليها،
لحديث أبي أيوب في المسند قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من اغتسل يوم الجمعة، ومسَّ من طيبٍ إن كان له، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد، فيركع إن بدا له، ولم يؤذِ أحدًا، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلِّي = كانت كفارةً لما بينهما».

 الخامسة عشر: أنه يستحَبُّ فيه تجمير المسجد،
فقد ذكر سعيد بن منصور عن نُعَيْم بن عبد الله المُجْمِر أن عمر بن الخطاب أمر أن يُجْمِر المسجدَ مسجدَ المدينة كلَّ يوم جمعة حين ينتصف النهار. قلت – أي ابن القيّم -: ولذلك سُمِّي نُعيمًا المُجْمِر.

 السادسة عشر: أنه لا يجوز السفر في يومها لمن تلزمه الجمعة قبل فعلها بعد دخول وقتها.
وأما قبله ففيه خلاف بين المذاهب الأربعة.

 السابعة عشر: أنَّ للماشي إلى الجمعة بكلِّ خطوة أجرَ سنةٍ صيامِها وقيامِها.
لحديث أوس بن أوس فال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من غسَّل واغتسل يوم الجمعة، وبكَّر وابتكر، ودنا من الإمام فأنصت = كان له بكلِّ خطوة يخطوها صيامُ سنة وقيامُها، وذلك على الله يسير».

 الثامنة عشر: أنه يوم تكفير السيئات.
فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن سلمان قال: قال لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
«أتدري ما يوم الجمعة» ؟. قلت: هو اليوم الذي جمع الله فيه أباكم. قال: «لكنِّي أدري ما يوم الجمعة. لا يتطهَّر الرجل، فيُحسِن طهوره، ثم يأتي الجمعة، فيُنصِت حتى يقضي الإمام صلاته = إلا كان كفارةً لما بينه وبين الجمعة المقبلة، ما اجتُنِبت المَقْتلة».

 التاسعة عشر: أنَّ جهنَّم تُسْجَر كلَّ يوم إلا يوم الجمعة.
لحديث أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
«إنَّ جهنّم تُسْجَر إلا يوم الجمعة». (وهو ضعيف).
قال ابن القيم: وسرُّ ذلك – والله أعلم – أنه أفضل الأيام عند الله ويقع فيه من العبادات والطاعات والدعوات والابتهال إلى الله سبحانه ما يمنع من سَجْر جهنَّم فيه. وهذا الحديث، الظاهر أنَّ المراد منه سَجْر جهنّم في الدنيا، وأنها توقد كلَّ يوم إلا يوم الجمعة. وأما يوم القيامة، فإنَّها لا يفتُر عذابها، ولا يُخفَّف عن أهلها.

 العشرون: أن فيه ساعة الإجابة،
وهي الساعة التي لا يُسأل الله فيها شيئًا إلا أعطاه.
لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إنَّ في الجمعة لساعةٌ لا يوافقها مسلمٌ وهو قائم يصلِّي يسأل الله عز وجَّل شيئًا إلا أعطاه إياه».

وقد اختلف العلماء في وقت هذه الساعة على أحد عشر قولًا، وأرجح هذه الأقوال: قولان تضمَّنتهما الأحاديث الثابتة، وأحدهما أرجح من الآخر.

القول الأول: إنها ما بين جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة. للحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي بردة بن أبي موسى: أنَّ عبد الله بن عمر قال له: أسمعت أباك يحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة؟ قال: نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تُقضى الصلاة».

القول الثاني: إنها بعد العصر. وهذا أرجح القولين، وحجة هذا القول ما رواه أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ في الجمعة ساعةً لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاه إياه، وهي بعد العصر.

قال ابن القيم: وهذا القول هو قول أكثر السلف، وعليه أكثر الأحاديث. ويليه القول بأنها ساعة الصلاة.

الحادية والعشرون: أنَّ فيه صلاة الجمعة التي خُصَّت من بين سائر الصلوات المفروضات بخصائص لا توجد في غيرها: من الاجتماع، والعدد المخصوص، واشتراط الإقامة والاستيطان، والجهر فيها بالقراءة. وقد جاء من التشديد فيها ما لم يأت نظيره إلا في صلاة العصر.

 الثانية والعشرون: أنَّ فيه الخطبة التي مقصودها الثناء على الله وتمجيده، والشهادة له بالوحدانية، ولرسوله بالرسالة، وتذكيرُ العباد بأيامه، وتحذيرُهم من بأسه ونِقَمه، ووصيَّتُهم بما يقرِّبهم إليه وإلى جنَّاته، ونهيهم عما يقرِّبهم من سخطه وناره.

 الثالثة والعشرون: أنه اليوم الذي يستحَبُّ التفرُّغُ فيه للعبادة، وله على سائر الأيام مزيَّةٌ بأنواع العبادات واجبةٍ ومستحبّةٍ.

 الرابعة والعشرون: أنه لمّا كان في الأسبوع كالعيد في العام، وكان العيد مشتملًا على صلاة وقربان، وكان يومُ الجمعة يومَ صلاة = جعل الله سبحانه التعجيل فيه إلى المسجد بدلًا من القربان وقائمًا مقامه، فيجتمع للرائح فيه إلى المسجد الصلاة والقربان،
كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«مَنْ راح في الساعة الأولى فكأنما قرَّب بدَنةً، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرَّب بقرةً، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرَّب كبشًا».

واختلف الفقهاء في هذه الساعات على قولين:

أحدهما: أنها من أول النهار. وهذا هو المعروف في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما.

والثاني: أنها أجزاء من الساعة السادسة بعد الزوال. وهذا هو المعروف في مذهب مالك، واختاره بعض الشافعية.

 الخامسة والعشرون: أنَّ للصدقة فيه مزية عليها في سائر الأيام. والصدقة فيه بالنسبة إلى سائر أيام الأسبوع كالصدقة في شهر رمضان بالنسبة إلى سائر الشهور.

يقول ابن القيم: وسمعتُ شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إذا كان الله أمرَنا بالصدقة بين يدي مناجاة رسوله فالصدقةُ بين يدي مناجاته عزَّ وجلَّ أولى بالفضيلة.

 السادسة والعشرون: أنه يومُ تجلِّي الله عز وجل لأوليائه المؤمنين في الجنة وزيارتهم له، فيكون أقربُهم منه أقربَهم من الإمام، وأسبقُهم إلى الزيارة أسبقَهم إلى الجمعة.

 السابعة والعشرون: أنه قد فُسِّر (الشاهد) الذي أقسم الله به في كتابه بيوم الجمعة. ونُقل هذا عن أبي هريرة.

 الثامنة والعشرون: أنه اليوم الذي تفزع فيه السماوات والأرض والجبال والبحار والخلائق كلُّها إلا شياطين الإنس والجنّ.
كما في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم أفضل من يوم الجمعة. وما من دابَّة إلا وهي تفزع ليوم الجمعة إلا هذين الثقلين من الجنّ والإنس».

 التاسعة والعشرون: أنه اليوم الذي ادَّخره الله لهذه الأمة، وأضلَّ عنه أهلَ الكتاب قبلهم،
كما في الصحيح من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«ما طلعت الشمس ولا غربت على يومٍ خيرٍ من يوم الجمعة». هدانا الله له وضلَّ الناسُ عنه، فالناس لنا تَبَعٌ. هو لنا، ولليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد.

 الثلاثون: أنه خِيرة الله عزَّ وجلَّ من أيام الأسبوع، كما أنَّ شهر رمضان خِيرته من شهور العام، وليلة القدر خِيرته من الليالي، ومكة خِيرته من الأرض، ومحمد صلى الله عليه وسلم خِيرته من خلقه.

 الحادية والثلاثون: أن الموتى تدنو أرواحهم من قبورهم وتُوافيها في يوم الجمعة، فيعرفون زُوَّارَهم ومن يمرُّ بهم ويسلِّم عليهم ويلقاهم في ذلك اليوم أكثرَ من معرفتهم بهم في غيرهم من الأيام، فهو يومٌ تلتقي فيه الأحياء والأموات.

قلتُ: وهذا كلام ليس له أصلٌ لا من الكتاب ولا من السُنّة، وإنما ما نقله ابن القيم بعضًا من الآثار من كتاب المنامات لابن أبي الدنيا.

 الثانية والثلاثون: أنه يُكره إفرادُ يوم الجمعة بالصوم.
لما في الصحيحين عن محمد بن عباد قال: سألتُ جابرًا: أنهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم. وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يصومنَّ أحدُكم يومَ الجمعة إلا يومًا قبله أو بعده».

 الثالثة والثلاثون: إنه يوم اجتماع الناس وتذكيرهم بالمبدأ والمعاد.
ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجر يوم الجمعة بسورتي (الم تنزيل السجدة) و (هل أتى على الإنسان)، لما اشتملت عليه هاتان السورتان مما كان ويكون يوم الجمعة من المبدأ والمعاد وحشر الخلائق وبعثهم من القبور إلى الجنة والنار، لا لأجل السجدة كما يظنُّه مَن نقَص علمه ومعرفته.

 وكذلك كانت خطبه صلى الله عليه وسلم إنما هي تقرير لأصول الإيمان، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه، وذكر الجنة والنار وما أعدَّ الله لأوليائه وأهل طاعته، وما أعدَّ لأعدائه وأهل معصيته. فتمتلئ القلوب من خطبه إيمانًا وتوحيدًا ومعرفةً بالله وأيامه.

هديه صلى الله عليه وسلم في خطبه:

 كان صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتدَّ غضبه حتى كأنه مُنذِر جيش؛ يقول: «صبّحكم ومسَّاكم». ويقول: «بُعِثتُ أنا والساعة كهاتين» ويقرُن بين إصبعيه السَّبَّابة والوسطى.

 وكان يقول في خُطَبه بعد التحميد والثناء والتشهد: «أما بعد».

 وكان يُقصِّر الخطبة ويطيل الصلاة، ويُكثِر الذكر، ويقصد الكلمات الجوامع. وكان يقول: «إنَّ طولَ صلاة الرجل وقِصَرَ خطبته مَئِنَّةٌ من فقهه».

 وكان يعلِّم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام وشرائعه، ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرَض له أمرٌ أو نهيٌ، كما أمر الداخلَ وهو يخطب أن يصلِّي ركعتين، ونهى المتخطِّيَ لرقاب الناس عن ذلك، وأمَرَه بالجلوس.

 وكان يقطع خطبته للحاجة تَعْرِض له، أو السؤال لأحد من أصحابه فيجيبه، ثم يعود إلى خطبته، فيُتِمُّها.

 وكان ربما نزل عن المنبر للحاجة، ثم يعود فيُتِمُّها، كما نزل لأجل الحسن والحسين، فأخذهما، ثم رقي بهما المنبرَ، فأتمَّ الخطبة.

 وكان يدعو الرجل في خطبته: تعال يا فلان، اجلس يا فلان، صلِّ يا فلان.

 وكان يأمرهم في خطبته بمقتضى الحال. فإذا رأى بينهم ذا فاقة وحاجةٍ أمَرَهم بالصدقة، وحضَّهم عليها.

 وكان يشير بإصبعه السَّبَّابة في خطبته عند ذكر الله ودعائه.

 وكان يستسقي بهم إذا قحَط المطر في خطبته.

 وكان يُمهِل يوم الجمعة حتى يجتمع الناس، فإذا اجتمعوا خرَج إليهم وحده من غير شاويشٍ يصيح بين يديه، ولا لُبْسِ طَلَيسان ولا طَرْحَة ولا سَواد.

 فإذا دخل المسجدَ سلَّم عليهم. فإذا صعِدَ المنبرَ استقبل الناسَ بوجهه وسلَّم عليهم. ولم يدعُ مستقبلَ القبلة. ثم يجلس، ويأخذ بلال في الأذان، فإذا فرغ منه قام النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فخطَب من غير فصل بين الأذان والخطبة، لا بإيراد خبرٍ ولا غيره.

 ولم يكن يأخذ بيده سيفًا ولا غيره. وإنما كان يعتمد على قوس أو عصًا قبل أن يتخذ المنبر.

 وكان يقوم فيخطب، ثم يجلس جلسةً خفيفةً، ثم يقوم فيخطب الثانية. فإذا فرغ منها أخذ بلال في الإقامة.

 وكان يأمر الناسَ بالدنوِّ منه، ويأمرهم بالإنصات، ويخبرهم أنَّ الرجل إذا قال لصاحبه: أنصِتْ، فقد لغا. ويقول: من لغا فلا جمعة له.

 وكان إذا فرغ بلال من الأذان أخذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الخطبة، ولم يقم أحد يركع ركعتين البتة، ولم يكن إلا أذان واحد. وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد لا سنّة لها قبلها. وهذا أصحُّ قولي العلماء، وعليه تدل السنَّة.

 وكان صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى الجمعة دخل إلى منزله، فصلَّى ركعتين سنَّتها، وأمر من صلّاها أن يصلِّي بعدها أربعًا.

فقال شيخنا أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: إن صلَّى في المسجد صلَّى أربعًا، وإن صلَّى في بيته صلَّى ركعتين. قلت – أي ابن القيّم –  : وعلى هذا تدلّ الأحاديث. ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلَّى أحدكم الجمعة فليصلِّ بعدها أربع ركعات». وفي الصحيحين عن ابن عمر أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي بعد الجمعة ركعتين في بيته.

تمّ التلخيص
والله وليُّ التوفيق

______________________________________________________
الكاتب: أ.وضاح بن هادي


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

الشدة والفرح – علي بن عبد العزيز الشبل

«إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» جاءت هٰذِه الكلمة دلالةً عَلَىٰ ما في قلوب المؤمنين، من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *