لا تيئسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين، وحقائق اليوم أحلام الأمس، وأحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد.
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وبعد:
لقد ابتليت الأمة بنكبات كثيرة علي مر الدهور والأزمان حتى إلي يومنا هذا… وأشد أنواع النكبات التي قد تبتلي بها أمة أن يتسرب اليأس إلي القلوب وتتفرغ القلوب من الأمل، عباد الله، ما أحوجَنا ونحن في هذا الزمن، زمن الفتن والغموض إلى الأمل. فمن يدري؟! ربما كانت هذه المصائب بابًا إلى خير مجهول، ورب محنة في طيها منحة، أوليس قد قال الله: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة: 216]؟! {…. فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].
الأمل: هو توقع حدوث شيء طيب في المستقبل مستبعد حصوله، وانشراح النفس في وقت الضيق والأزمات. وهو عبادة الوقت.
الأمل للأمة كالروح للجسد:
فلولا الأمل ما بني بان، ولا غرس غارس، ولولا الأمل لما تحققت كل الإنجازات التي وصلت إليها البشرية. وذلك لأن المخترع لم يتمكن غالبا من تحقيق انجازه من أول مرة. أديسون بعدما أخطأ 999 مرة نجح في صنع أول مصباح كهربائي.
وإلا فما يدفع الزارع الي الكد والعرق ويرمي بحبات البذور في الطين؟ إنه أمله في الحصاد وجني الثمار.
وما الذي يغري التاجر بالأسفار والمخاطر ومفارقة الأهل والأوطان؟ إنه الأمل في الربح.
وما الذي يدفع الطالب إلي الجد والمثابرة والسهر والمذاكرة؟ إنه أمله في النجاح.
وما الذي يحفز الجندي إلي الاستبسال في القتال والصبر علي قسوة الحرب؟ إنه أمله في إحدى الحسنيين إما نصر وإما شهادة.
وما الذي يجعل المريض يتجرع الدواء المرير وربما في ببعض الأحيان أن يقطع من جسده في عملية جراحية؟إنه أمله في العافية.
وما الدافع الذي يجعل المؤمن يسلك سلوكا تكرهه نفسه وبه يخالف هواه ويطيع ربه؟ إنه أمله في مرضاة خالقه والجنة.
فالأمل قوة دافعة تشرح الصدر وتبعث النشاط في الروح والبدن، واليأس يولد الإحباط فيؤدي إلي الفشل.
اليأس توأم الكفر:
لأنه سوء ظن بالله قال الله تعالى: {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].
وفي معركة أحد يقول ربنا عن طائفة اليائسين {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 154] فالذين تهمهم أنفسهم فهم في قلق وفي أرجحة يحسون أنهم مضيعون ولم تطمئن قلوبهم إلى أن ما أصابهم إنما هو ابتلاء للتمحيص وليس تخلياً من الله عن أوليائه لأعدائه ولا غلبة للكفر والشر والباطل فهم الطائفة ذوو الإيمان المزعزع ولم تكتمل في قلوبهم حقيقة الإيمان، وهم لا يعرفون الله على حقيقته فهم يظنون بالله غير الحق كما تظن الجاهلية. ومن الظن غير الحق بالله أن يتصوروا أنه سبحانه مضيع جنده ودينه.
وحكم علي اليائسين بالبوار فقال تعالي: {بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا} [الفتح: 12]
يقول الشهيد سيد قطب: وهكذا يوقفهم عرايا مكشوفين، وجهاً لوجه أمام ما أضمروا من نية، وما ستروا من تقدير، وما ظنوا بالله من السوء. وقد ظنوا أن الرسول ومن معه من المؤمنين ذاهبون إلى حتفهم، فلا يرجعون إلى أهليهم بالمدينة؛ وقالوا: يذهب إلى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة، وقتلوا أصحابه فيقاتلهم! يشيرون إلى أحد والأحزاب ولم يحسبوا حساباً لرعاية الله وحمايته للصادقين المتجردين من عباده.
لقد ظنوا ظنهم، وزين هذا الظن في قلوبهم، حتى لم يروا غيره، ولم يفكروا في سواه. وكان هذا هو ظن السوء بالله، الناشئ من أن قلوبهم بور. وهو تعبير عجيب موح. فالأرض البور ميتة جرداء. وكذلك قلوبهم. وكذلك هم بكل كيانهم. بور. لا حياة ولا خصب ولا إثمار. وما يكون القلب إذ يخلو من حسن الظن بالله؟ لأنه انقطع عن الاتصال بروح الله؟ يكون بوراً. ميتاً أجرد نهايته إلى البوار والدمار.(في ظلال القرآن).
والقنوط صفة أهل الضلال قال رب العزة سبحانه: {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ} [الحجر: 56].
فالتشاؤم والطيرة شرك بالله تعالى، فالمؤمن يثق بموعود الله تعالى فلا يحزن ولا يضيق صدره بل يعلم أنَّ الغلبة لابد لأهل الإيمان.
روى البخاري وأبو داود والنسائي وأحمد عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِى ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو لَنَا. (فَجَلَسَ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ -زيادة عند أبي داود وأحمد) فَقَالَ «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِى الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».
فالصحابة رضوان الله ضٌربوا وعُذِّبوا وأُوذوا وضُيِّق عليهم في أرزاقهم وحُوصروا في شعب أبي طالب حتى أكلوا أوارق الأشجار وتقيّحت شفاههم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وكانوا قبل البعثة أو إن شئت فقل قبل حدوث ثورة الإسلام علي الكفر والطغيان كانوا يعيشون ويأكلون ويشربون ولم تمر بهم هذه الأزمات ولم يمروا بهذه القلاقل وأياًّ كانت العيشة فالمهم أنهم كانوا يعيشون، وليست المدة هينة لقد صبروا ثلاث عشرة سنة في العهد المكي، فالنفوس قد ملت وسئمت الاضطرابات والتضييق، فمن يوم أن قامت ثورتك يا رسول الله لم نر يوم راحة فلتطلب من السماء التدخل الفوري لحل الأزمة هكذا لسان حالهم ينطق.
(فَجَلَسَ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ) غضب صلي الله عليه وسلم لتسرب اليأس إلي قلوبهم، وحتى لو طالت المدة وانعدمت الأسباب وانقطع شعاع النور وبدت الدنيا ظلاما، ولذلك قال فيما رواه مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ. فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ». قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لاَ أَدْرِى أَهْلَكَهُمْ بِالنَّصْبِ أَوْ أَهْلَكُهُمْ بِالرَّفْعِ. وقَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ مَالِكٌ إِذَا قَالَ ذَلِكَ تَحَزُّناً لِمَا يَرَى فِى النَّاسِ – يَعْنِى فِى أَمْرِ دِينِهِمْ – فَلاَ أَرَى بِهِ بَأْساً وَإِذَا قَالَ ذَلِكَ عُجْباً بِنَفْسِهِ وَتَصَاغُراً لِلنَّاسِ فَهُوَ الْمَكْرُوهُ الَّذِى نُهِىَ عَنْهُ.
إن اليأس داء خطير، العاجزون عن الإصلاح والمأجورون وأصحاب المصالح والمُعَوِّقون يزرعونه بين أفراد الأمة خدمة مجانية لأعدائها.
وإن أعداء الإصلاح والمرعوبين من تطبيق شرع الله لأن أيديهم أول أيد بطشت وأول أيد سرقت فيخشون أن تكون أول أيد تقطع فيحاولون زراعة اليأس في قلوبنا حتى نيأس ونقنط من رحمة الله في تغيير أحوالنا وحتى يقول الناس (ولا يوم من أيام المخلوع).
«قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ» لقد كان للحكام والرؤساء والزعماء جنود البطش والطغيان وزبانية السجون فلقد حصنوا أنفسهم بأجهزة لأمن دولتهم عفوا لأمن سلطانهم. ومع أجهزة أمنهم أجهزة لتسويق جرمهم وتزيين أباطيلهم أجهزة إعلامية مأجورة.
والخطير أن هناك بعض الناس يذعن للدين ما دام فيه خير له ومنفعة وإلا انقلب عليه وانسل من تحت عباءته {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج: 11].
{لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 46-52].
فآيات الله بينة واضحة هادية لكل خير وشريعته نفع كلها خير كلها مصلحة كلها عدل كلها ولكن المنافقين يُظْهرون الإيمان ويتشدقون بالوطنية وحب الوطن وهم لا يحبون إلا ذواتهم ومصالحهم ولا يدينون بدين الحق إلا إذا كانت فيه لهم مصلحة دنيوية خاصة وما هذا إلا مرض القلوب وعدم الثقة في الله وفي دينه.
ولكن في المقابل دائما من يضحون بدمائهم وأجسادهم وأرواحهم وأولادهم استبقاء للحق ونصرة للدين. فيوضع المنشار علي رؤوسهم ليشقهم نصفين وتقطِّع أمشاط الحديد من لحومهم وأجسادهم ولا يبالون، والأشد من ذلك: القتل المعنوي أن يشيع الباطل والنفاق علي الحق والمصلحين أكاذيب ليظهرهم في صورة العملاء والخونة والأنانيين ومن يعقدون الصفقات، ويروِّجُون ذلك ويسوِّقونه بإعلامهم المضلِّل الذي يؤثر في العامة البسطاء الطيبين تأثير السحر.
وما دفعهم لذلك إلا حبهم لله ولدينه ولأوطانهم ونصرة للحق وثقة في وعده وأملا في أن تحيى من بعدهم الأجيال حياة طيبة بثمرة تضحياتهم.
ولو لم يضحِّ هؤلاء ما وصل الخير والحق والدين لكم يا أصحاب رسول الله ولو لم يضحِّ الصحابة ومن تبعهم علي طريق الجهاد ما وصل إلينا خير ولا حق ولا دين فلنصبر ولنضحِّ ولنأمل في غد مشرق بنور الحق معطَّر بعبير الإسلام.
داء الاستعجال: «وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ،وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» فالنصر قادم لا محالة ودين الله غالب لا ريب في ذلك ولقد تحقق وعد الله لرسوله صلي الله عليه وسلم.
ولكنكم تستعجلون، تستعجلون النصر تستعجلون الخير وكأنكم تريدون ثمرة بدون زرع شجرة ورعايتها، أو عسلا بدون وخذ أو لسع من نحلة، إن الاستعجال داء خطير، وهو موصل جيد لليأس والقنوط.
قال أبو القاسم الشابي:
ولا بد لليل أن ينجلــــــــي *** ولابد للقيد أن ينكســـــــر
ومن يتهيب صعود الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحفر
وإذا كانت النفوس كبـــارا *** تعبت في مرادها الأجسـام
الأمل توأم الإيمان:
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
هذا خطاب الله لعباده فإذا كنت عبدا من عباد الله فهذا النداء يخصك فلا يتسرب اليأس إلي قلبك فيدخل معه الكفر والعياذ بالله.
الأمل صفة الأنبياء:
إبراهيم عليه السلام:
{وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ*إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ*قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ*قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ *قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: 51-56] إنه الخطاب لرسول الله صلي الله عليه وسلم يعلم أصحابه المضطهدين والملاحقين أن ينبئهم عن خبر إبراهيم يوم أن جاءته الملائكة مبشرين بغلام عليم فتعجب إبراهيم من قدرة الله أبعد الكبر والزوجة العاقر يكون الولد؟ كيف ذلك؟إن قلبه مملوء بالأمل وهذا ما دفعه للدعاء،حتى بعد ما بلغ الثمانين من العمر يطلب الولد {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100] ولكنه يسأل عن السبب والكيفية فكان الرد {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ} فوعد الله حق وقدرة الله حق وإرادة الله حق واعلم أن هذا الكون يسير بقدرة مقتدر لا يحتاج إلي سبب ليُوجد المسَبَّب، والكون يسير بتدبير الله، بعلم الله، بحكمة الله، بلطف الله {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} فلم يتسرب اليأس يوما إلي قلبه لأنه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون. الضالون عن طريق الله، الذين لا يستروحون روحه، ولا يحسون رحمته، ولا يستشعرون رأفته وبره ورعايته.
فأما القلب الندي بالإيمان، المتصل بالرحمن، فلا ييأس ولا يقنط مهما أحاطت به الشدائد، ومهما ادْلَهَمَّت حوله الخطوب، ومهما غام الجو وتلبَّد، وغاب وجه الأمل في ظلال الحاضر وثقل هذا الواقع الظاهر.. فإن رحمة الله قريب من قلوب المؤمنين المهتدين.
{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود: 71-73].
يقول سيد قطب: وكانت عقيماً لم تلد وقد أصبحت عجوزاً. ففاجأتها البشرى بإسحاق. وهي بشرى مضاعفة بأن سيكون لإسحاق عقبٌ من بعده هو يعقوب. والمرأة وبخاصة العقيم يهتز كيانها كله لمثل هذه البشرى، والمفاجأة بها تهزها وتربكها وهو عجيب حقاً. فالمرأة ينقطع طمثها عادة في سن معينة فلا تحمل. ولكن لا شيء بالقياس إلى قدرة الله عجيب: ولا عجب من أمر الله. فالعادة حين تجري بأمر لا يكون معنى هذا أنها سنة لا تتبدل. (في ظلال القرآن).
يعقوب عليه السلام:
يفقد ابنه بنيامين متَّهَما بالسرقة فيكون رد فعله {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} كلمته ذاتها يوم فقد يوسف. ولكنه في هذه المرة يضيف إليها هذا الأمل أن يرد الله عليه يوسف وأخاه فيرد ابنه الآخر المتخلف هناك {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} الذي يعلم حاله، ويعلم ما وراء هذه الأحداث والامتحانات، ويأتي بكل أمر في وقته المناسب، عندما تتحقق حكمته في ترتيب الأسباب والنتائج.
هذا الشعاع من أين جاء إلى قلب هذا الرجل الشيخ؟ إنه الرجاء في الله، والاتصال الوثيق به، والشعور بوجوده ورحمته. ذلك الشعور الذي يتجلى في قلوب الصفوة المختارة، فيصبح عندها أصدق وأعمق من الواقع المحسوس الذي تلمسه الأيدي وتراه الأبصار.
{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} وهي صورة مؤثرة للوالد المفجوع.
يحس أنه منفرد بهمه، وحيد بمصابه، لا تشاركه هذه القلوب التي حوله ولا تجاوبه، فينفرد في معزل، يندب فجيعته في ولده الحبيب يوسف الذي لم ينسه، ولم تهوّن من مصيبته السنون، والذي تذكره به نكبته الجديدة في أخيه الأصغر فتغلبه على صبره الجميل: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} ويكظم الرجل حزنه ويتجلد فيؤثِّر هذا الكظم في أعصابه حتى تبيض عيناه حزناً وكمداً: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} ويبلغ الحقد بقلوب بنيه ألا يرحموا ما به، وأن يلسع قلوبهم حنينه ليوسف وحزنه عليه ذلك الحزن الكامد الكظيم، فلا يسرون عنه، ولا يعزونه، ولا يعللونه بالرجاء، بل يريدون ليطمسوا في قلبه الشعاع الأخير: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}..وهي كلمة حانقة مستنكرة.
تالله تظل تذكر يوسف، ويهدك الحزن عليه، حتى تذوب حزناً أو تهلك أسى بلا جدوى. فيوسف ميئوس منه قد ذهب ولن يعود! ويرد عليهم الرجل بأن يتركوه لربه، فهو لا يشكو لأحد من خلقه وهو على صلة بربه غير صلتهم، ويعلم من حقيقته ما لا يعلمون: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} فإذا أصابك مكروه فقل يا الله وإذا وقعت بك واقعة فقل يا الله وإذا مرضت فقل يا الله يا الله يا الله…
وفي هذه الكلمات يتجلى الشعور بحقيقة الألوهية في هذا القلب الموصول؛ كما تتجلى هذه الحقيقة ذاتها بجلالها الغامر، ولَأْلائِها الباهر.إن هذا الواقع الظاهر الميئِّس من يوسف، وهذا المدى الطويل الذي يقطع الرجاء من حياته فضلاً على عودته إلى أبيه، واستنكار بنيه لهذا التطلع بعد هذا الأمد الطويل في وجه هذا الواقع الثقيل.. إن هذا كله لا يؤثر شيئاً في شعور الرجل الصالح بربه.
فهو يعلم من حقيقة ربه ومن شأنه ما لا يعلم هؤلاء المحجوبون عن تلك الحقيقة بذلك الواقع الصغير المنظور!وهذه قيمة الإيمان بالله، ومعرفته سبحانه هذا اللون من المعرفة. معرفة التجلي والشهود وملابسة قدرته وقدره، وملامسة رحمته ورعايته، وإدراك شأن الألوهية مع العبيد الصالحين.
إن هذه الكلمات: {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} تجلو هذه الحقيقة بما لا تملك كلماتنا نحن أن تجلوها وتعرض مذاقاً يعرفه من ذاق مثله، فيدرك ماذا تعني هذه الكلمات في نفس العبد الصالح يعقوب… والقلب الذي ذاق هذا المذاق لا تبلغ الشدائد منه مهما بلغت إلا أن يتعمق اللمس والمشاهدة والمذاق!
ثم يوجههم يعقوب إلى تلمس يوسف وأخيه، وألا ييأسوا من رحمة الله، في العثور عليهما، فإن رحمة الله واسعة وفرجه دائماً منظور {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} فيا للقلب الموصول !!! تحسسوا بحواسكم، في لطف وبصر وصبر على البحث. ودون يأس من الله وفرجه ورحمته. وكلمة {رَوْحِ} أدق دلالة وأكثر شفافية ففيها ظل الاسترواح من الكرب الخانق بما ينسم على الأرواح من روْح الله الندي.
{إنه لا ييأس من روْح الله إلا القوم الكافرون} فأما المؤمنون الموصولة قلوبهم بالله، الندية أرواحهم بروْحه، الشاعرون بنفحاته المحيية الرخية، فإنهم لا ييأسون من روْح الله ولو أحاط بهم الكرب، واشتد بهم الضيق. وإن المؤمن لفي روح من ظلال إيمانه، وفي أنس من صلته بربه، وفي طمأنينة من ثقته بمولاه، وهو في مضايق ومخانق الكروب.. (في ظلال القرآن بتصرف) [يوسف: 83-87].
{وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} ريح يوسف! كل شيء إلا هذا. فما يخطر على بال أحد أن يوسف بعد في الأحياء بعد هذا الأمد الطويل. وأن له ريحاً يشمها هذا الشيخ الكليل! إني لأجد ريح يوسف. لولا أن تقولوا شيخ خرف {لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} لصدقتم معي ما أجده من ريح الغائب البعيد.
كيف وجد يعقوب ريح يوسف منذ أن فصلت العير؟ ومن أين فصلت؟ يقول بعض المفسرين: إنها منذ فصلت من مصر، وأنه شم رائحة القميص من هذا المدى البعيد. ولكن هذا لا دلالة عليه. فربما كان المقصود لما فصلت العير عند مفارق الطرق في أرض كنعان، واتجهت إلى محلِّة يعقوب على مدى محدود. ونحن بهذا لا ننكر أن خارقة من الخوارق يمكن أن تقع لنبي كيعقوب من ناحية نبي كيوسف.
كل ما هنالك أننا نحب أن نقف عند حدود مدلول النص القرآني أو رواية ذات سند صحيح. وفي هذا لم ترد رواية ذات سند صحيح. ودلالة النص لا تعطي هذا المدى الذي يريده المفسرون!
ولكن المحيطين بيعقوب لم يكن لهم ما له عند ربه، فلم يجدوا ما وجد من رائحة يوسف: {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} في ضلالك بيوسف، وضلالك بانتظاره وقد ذهب مذهب الذي لا يعود. ويسمون الثقة في القادر المقتدر الذي علي كل شيء قدير والذي إذا أراد شيئا إنما يقول له كن فيكون يسمون الأمل ضلال ومن يثق في الله وفي شرعة ودينه ويدعو الناس إلي ذلك أنه يدغدغ مشاعر الناس ويخدرهم بالأوهام فالأمل والثقة في الله عند من لا يعرفون الله ضلال، ولكن المفاجأة البعيدة تقع، وتتبعها مفاجأة أخرى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} مفاجأة القميص.
وهو دليل على يوسف وقرب لقياه. ومفاجأة ارتداد البصر بعد ما ابيضت عيناه، وهنا يذكر يعقوب حقيقة ما يعلمه من ربه. تلك التي حدثهم بها من قبل فلم يفهموه: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ}. (في ظلال القرآن بتصرف) [يوسف: 94-98].
ووقت أن يقع وعد الله، ويصدّق أولياءَه، ويتحقق موعود الله علي لسان أوليائه، ما أجمله من شعور،! إنه أعظم انتصار وأبلغ فرح وأروع سعادة، وكأني أري بعيني رأسي دين الله يقام وشريعته تحكم، ويعم الرخاء وتنتشر الأمانة ويفيض الخير وتأتي الدول الغير إسلامية تتعلم منا ومن قرآننا سبل العيش السعيد وإعجاز قرآننا إنه إعجاز جديد إعجاز تشريعاته، ولقد لاح هذا من قريب فها هي دول الغرب لندن وفرنسا… تطبق الاقتصاد الإسلامي ويقول خبراؤها أن حل مشكلاتهم الاقتصادية في الفائدة الصفرية أي في تطبيق شرع الله في تحريم وتجريم الربا، فالله أكبر انتصر دين الله.
موسى عليه السلام: ولد بالأمل ويعيش بالأمل منذ كان رضيعا في اليم {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 7].
ويخرج مطاردا إلي مدين {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ} [القصص: 22] {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24].
حتى يخرج من مصر بأمر الله وفي كنفه وتحت رعايته، ويتبعهم فرعون وجنوده، إن موسى وقومه أمام البحر ليس معهم سفين ولا هم يملكون خوضه وما هم بمسلَّحين. وقد قاربهم فرعون بجنوده شاكي السلاح يطلبونهم ولا يرحمون! وقالت دلائل الحال كلها: أن لا مفر والبحر أمامهم والعدو خلفهم فظن أتباع موسي الغرق وأصابهم اليأس والشؤم {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} وبلغ الكرب مداه، وإن هي إلا دقائق تمر ثم يهجم الموت ولا مناص ولا معين !
ولكن موسى الذي تلقى الوحي من ربه، لا يشك لحظة وملء قلبه الثقة بربه، واليقين بعونه، والتأكد من النجاة، وإن كان لا يدري كيف تكون، ولكن حاشا لنبي من أولي العزم أي يقربه اليأس والقنوط، فما كان يمتلك خطة نجاة وما كان يعرف طريقا للهرب من بطش فرعون ولكن إن كان قد فقد الأسباب فمعه رب الأسباب، وإن كان بلا حول ولا قوه فحول الله وقوته تحيطانه من كل جانب فهو إذا بأمله وبثقته في ربه يملك النجاة والفوز المبين علي فرعون وجنوده {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} كيف يا موسي لا أدري ولكن ما دام ربي معي فثم الهداية والنجاة {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 61-63] ولولا انتفاضة موسي وقلبه الذي ينبض بالأمل والثقة لأدركهم فرعون بسبب شؤمهم، فكن أيها الداعية المؤمن موسي قومك تحيطهم بثقتك وتبشرهم بالأمل وتزرع في قلوبهم الإيمان بربهم.
محمد صلي الله عليه وسلم: روى البخاري ومسلم أَنَّ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – زَوْجَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ «لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِى عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِى إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِى، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِى، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِى، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِى فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِى مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَىَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ، –فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم- بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً» وقد تحق ما أراد صلي الله عليه وسلم فكان سيف الله المسلول وجند الله الذي ملأ الدنيا عدلا وعمَّ الأرض حرية وإسلاما وعبَّد الأرض لله من أصلاب هؤلاء، فكان خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل وعمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب وغيرهم.
في طريق الهجرة: روى البخاري ومسلم عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ – رضى الله عنه – إِلَى أَبِى فِى مَنْزِلِهِ، فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلاً فَقَالَ لِعَازِبٍ ابْعَثِ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِى. قَالَ فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ، وَخَرَجَ أَبِى يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبِى يَا أَبَا بَكْرٍ حَدِّثْنِى كَيْفَ صَنَعْتُمَا حِينَ سَرَيْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ نَعَمْ أَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا، وَمِنَ الْغَدِ حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، وَخَلاَ الطَّرِيقُ لاَ يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ، فَرُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ، لَهَا ظِلٌّ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَنَزَلْنَا عِنْدَهُ، وَسَوَّيْتُ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم مَكَاناً بِيَدِى يَنَامُ عَلَيْهِ، وَبَسَطْتُ فِيهِ فَرْوَةً، وَقُلْتُ نَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ.
فَنَامَ وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِى أَرَدْنَا فَقُلْتُ لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلاَمُ فَقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ.
قُلْتُ أَفِى غَنَمِكَ لَبَنٌ قَالَ نَعَمُ. قُلْتُ أَفَتَحْلُبُ قَالَ نَعَمْ. فَأَخَذَ شَاةً. فَقُلْتُ انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ التُّرَابِ وَالشَّعَرِ وَالْقَذَى. قَالَ فَرَأَيْتُ الْبَرَاءَ يَضْرِبُ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى يَنْفُضُ، فَحَلَبَ فِى قَعْبٍ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِى إِدَاوَةٌ حَمَلْتُهَا لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم يَرْتَوِى مِنْهَا، يَشْرَبُ وَيَتَوَضَّأُ، فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ، فَوَافَقْتُهُ حِينَ اسْتَيْقَظَ، فَصَبَبْتُ مِنَ الْمَاءِ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَقُلْتُ اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ – قَالَ – فَشَرِبَ، حَتَّى رَضِيتُ ثُمَّ قَالَ «أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ». قُلْتُ بَلَى – قَالَ – فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا مَالَتِ الشَّمْشُ، وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، فَقُلْتُ أُتِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَقَالَ «لاَ تَحْزَنْ، إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا». فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا – أُرَى فِى جَلَدٍ مِنَ الأَرْضِ، شَكَّ زُهَيْرٌ – فَقَالَ إِنِّى أُرَاكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَىَّ فَادْعُوَا لِى، فَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ. فَدَعَا لَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَنَجَا فَجَعَلَ لاَ يَلْقَى أَحَداً إِلاَّ قَالَ كَفَيْتُكُمْ مَا هُنَا. فَلاَ يَلْقَى أَحَداً إِلاَّ رَدَّهُ. قَالَ وَوَفَى لَنَا.
إن الله عز وجل قص علي نبيه قصصا من السابقين قصة فرعون وقارون وكيف نجي الله نبيه موسى عليه السلام هذا في مكة فسورة القصص مكية وبعد هذا وقد انتهى القصص وانتهت التعقيبات المباشرة على ذلك القصص.
الآن يتوجه الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خلفه القلة المسلمة وهو مخرج من بلده، مطارد من قومه، وهو في طريقه إلى المدينة لم يبلغها بعد، فقد كان بالجحفة قريباً من مكة، قريبا من الخطر، يتعلق قلبه وبصره ببلده الذي يحبه، والذي يعز عليه فراقه، لولا أن دعوته أعز عليه من بلده وموطن صباه، ومهد ذكرياته، ومقر أهله. يتوجه الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في موقفه ذاك: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [القصص: 85]
فما هو بتاركك للمشركين، وقد فرض عليك القرآن وكلفك الدعوة. ما هو بتاركك للمشركين يخرجونك من بلدك الحبيب إليك، ويستبدون بك وبدعوتك، ويفتنون المؤمنين من حولك. إنما فرض عليك القرآن لينصرك به في الموعد الذي قدره، وفي الوقت الذي فرضه؛ وإنك اليوم لمخرج منه مطارد، ولكنك غداً منصور إليه عائد.
وهكذا شاءت حكمة الله أن ينزل على عبده هذا الوعد الأكيد في ذلك الظرف المكروب، ليمضي صلى الله عليه وسلم في طريقه آمناً واثقاً، مطمئناً إلى وعد الله الذي يعلم صدقه، ولا يستريب لحظة فيه.
وإن وعد الله لقائم لكل السالكين في الطريق؛ وإنه ما من أحد يؤذى في سبيل الله، فيصبر ويستيقن إلا نصره الله في وجه الطغيان في النهاية، وتولى عنه المعركة حين يبذل ما في وسعه، ويخلي عاتقه، ويؤدي واجبه. {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} ولقد رد موسى من قبل إلى الأرض التي خرج منها هارباً مطارداً. رده فأنقذ به المستضعفين من قومه، ودمر به فرعون وملأه، وكانت العاقبة للمهتدين.. فامض إذن في طريقك، ودع أمر الحكم فيما بينك وبين قومك لله الذي فرض عليك القرآن.
وكان النبي صلي الله عليه وسلم في أحلك الظروف يبث الأمل في نفوس أصحابه ففيما روى البخاري عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ، فَشَكَا قَطْعَ السَّبِيلِ. فَقَالَ «يَا عَدِىُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ». قُلْتُ لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا.
قَالَ «فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ، حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ، لاَ تَخَافُ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ» – قُلْتُ فِيمَا بَيْنِى وَبَيْنَ نَفْسِى فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلاَدَ «وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى». قُلْتُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ قَالَ «كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ»، «وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ، فَلاَ يَجِدُ أَحَداً يَقْبَلُهُ مِنْهُ، وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ. فَيَقُولَنَّ أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولاً فَيُبَلِّغَكَ فَيَقُولُ بَلَى. فَيَقُولُ أَلَمْ أُعْطِكَ مَالاً وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ فَيَقُولُ بَلَى. فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ جَهَنَّمَ، وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ جَهَنَّمَ».
قَالَ عَدِىٌّ سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقَّةِ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ». قَالَ عَدِىٌّ فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ، لاَ تَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِىُّ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم «يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ».
وفي رواية الإمام أحمد «أَمَا إِنِّى أَعْلَمُ مَا الَّذِى يَمْنَعُكَ مِنَ الإِسْلاَمِ تَقُولُ إِنَّمَا اتَّبَعَهُ ضَعَفَةُ النَّاسِ وَمَنْ لاَ قُوَّةَ لَهُ وَقَدْ رَمَتْهُمُ الْعَرَبُ أَتَعْرِفُ الْحِيرَةَ». قُلْتُ لَمْ أَرَهَا وَقَدْ سَمِعْتُ بِهَا قَالَ «فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فِى غَيْرِ جِوَارِ أَحَدٍ وَلَيَفْتَحَنَّ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ». قَالَ قُلْتُ كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ. قَالَ «نَعَمْ كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ وَلَيُبْذَلَنَّ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ». قَالَ عَدِىُّ بْنُ حَاتِمٍ فَهَذِهِ الظَّعِينَةُ تَخْرُجُ مِنَ الْحِيرَةِ فَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ فِى غَيْرِ جِوَارٍ وَلَقَدْ كُنْتُ فِيمَنْ فَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَكُونَنَّ الثَّالِثَةُ لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَهَا.
المبشرات من القرآن:
{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22].
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51].
{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21].
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].
الأمل والواقع المعاصر: في القرن العشرين وقعت حربان عالميتان وكانت الثانية منهما أشد من الأولي ودفع ثمن الثانية اليابان وألمانيا فضربت اليابان بالقنابل النووية وألمانيا تم شطرها إلي غربية وشرقية ودمرت البنية التحتية نهائيا ولكن بالأمل أصبحت اليابان في خاتمة القرن العشرين من أقوى الدول اقتصاديا علي مستوى العالم وتوحدت ألمانيا وأصبحت من أولي الدول صناعيا واقتصاديا.
روى البخاري ومسلم وأحمد واللفظ له عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى فَلْيَظُنَّ بِى مَا شَاءَ». فلنظن بالله خيرا ونصرا وتمكين ورفعة.
لا تيئسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين، وحقائق اليوم أحلام الأمس، وأحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد. ولا زال في الوقت متسع، ولا زالت عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم المؤمنة رغم طغيان مظاهر الفساد. والضعيف لا يظل ضعيفاً طول حياته، والقوي لا تدوم قوته أبد الآبدين: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5].
والله أسأل أن يحيى موات هذه الأمة، وأسأله سبحانه أن من أراد بهذه الأمة خيرا أن يوفقه إلي كل خير، وأن يسدد خطاه، وأن يهديه طريق الرشاد وأن يحقق للثورة أهدافها ويرزقنا خيرها ويكفينا شرها ونعوذ به سبحانه وتعالي من شرور أعداء الحق والخير وندرأ بك في نحورهم إنك علي ما تشاء قدير وبالإجابة جدير وأنت نعم المولي ونعم النصير {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
والصلاة والسلام على من:
عظمت جميع خصاله صلوا عليه وآله
_____________________________________________________
الكاتب: أبو أنس عبدالوهاب عمارة
Source link