منذ حوالي ساعة
التفكير كالتَّعليم، تراكمي، كلُّ مهارة تُبنى على السَّابقة وتعتمد عليْها المهارة اللاحقة، فإن تشرَّب الأطفال هذه المهارات منذ الصِّغَر فحتمًا ستكبر معهم رُويدًا رُويدًا..
ولأنَّ ديننا دين التَّفكِير والتفكُّر؛ لِذا فسأستعْرِض أهمَّ ثَلاث مهارات في التَّفكير، والَّتي من شأنِها أن تجعَل مِن الفَرد عُضوًا ذَا “وزن” معنَوي في مُجتَمعه.
بدايةً، ما أسبَاب استحقاق التَّفكير ومهاراته هذا الاهْتمام؟
أولاً: كثرة دعوة القُرآن في مواطنَ شتَّى للتفكير؛ قال تَعالى: { {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} } [البقرة: 219]، وقال تعالى: { {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} } [الذاريات: 21].
ثانيًا: ميّزنا الله عن سائر مَخلوقات الكَون بنعمةِ العقل.
ثالثًا: الرَّسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – قُدوتنا، وقد اهتمَّ بالعقل وتَنميته، فمن جُملة اهتمامه – عليْه الصَّلاة والسَّلام – قوله: (( «طلبُ العِلم فريضَة على كُل مُسلم» )).
وقوله أيضًا – صلَّى الله عليْه وسلَّم – للحَسن بن عليٍّ عندما أَخذ تمرة: (( «كخ كخ، ارمِ بها؛ أما عَلِمتَ أنَّا لا نأكُل الصَّدقة» ؟!)).
لِمَ برَّر له؟ لأنَّ العقل له حُقوق، ومن ضِمن تلك الحُقوق: احترام عقل الإنسان وإن كان طفلاً.
من هذه المُنطلقات نبدأ الاستِعْراض:
أوَّلاً: مَا الفرق بين التَّفكير ومَهارات التَّفكير؟
بالمثال يتَّضح المقال:
التَّفكير: المشْي.
مهَارات التَّفكير: بالمشْي الرِّياضي الصَّحيح، الجري لمسافَات طويلة، تسلُّق الجِبال.
حسنًا، سأقوم الآن بِعرض المهارات الثَّلاث، يعقُب ذلك تَمارين لكيفيَّة تعلُّم الطِّفل لهذه المهارات “النَّظريَّة”.
المهارة الأولى: الطَّلاقة (تعتني بالكَمّ – العدد).
المهارة الثَّانية: المُرونة (تعتني بالكَيف – التَّنوع).
المهارة الثالثة: الأصالة (تعتني بالجِدَّة – المتَّفرد والنَادر).
على المُربِّي أن يركِّز في البداية على مهَارة (الطَّلاقة)، فيقبل أفْكار الطِّفْل جميعَها وإن كانت مُتشابهة، وبعد “تفتُّح” ذهن الطفل وإمكانه لتوْليد أفكار كثيرة، يحرص المربِّي على تنويه الطفل بأنَّ بعض أفكاره متشابهة، فعليه أن يفكر في أمور متنوِّعة ومختلفة، فيتعلم بذلك مرونة التفكير وهي المهارة الثانية، وبعد إتْقان الطِّفْل للمهارة الثَّانية في التَّفكير (المرونة)، ينتقل المربِّي ليركِّز على الأفكار الجَديدة والنَّادرة، والَّتي لا يصِل إليْها العقل بسهولة (الأصالة).
مع العِلم بأنَّ كلَّ مهارة تَحتاج من شَهرين لـ ثلاثة أشهُر – تقريبًا – ليُتقنها الطفل.
تمارين الأساليب اللَّفظيَّة:
عُمر الطِّفل: من 6 – 10 سنوات.
كيفية تقديم النشاط: يُطلب من الطِّفل أن يكتب أكبر عدد مُمكن من الكلِمات، بحيث يكون الحرف الأوَّل في كلِّ كَلمة (واو)، والأخير (دال)، مثل: ورود، ودّ، وجد.
كيفية التَّصحيح: جميع إجابات الطفل مقبولة (إن كان الطفل في طور تعلُّم مهارة الطَّلاقة).
ثم تُستَبعد الإجابات المُتشابهة والمُشتقَّة، مثلاً إذا كتب الطفل (ورود، ورد) تُحسب الكلِمتان بِنقطة واحدة لأنَّهما مُتماثلَتين في المعنى، (إن كان الطفل مُتقنًا لمهارة المُرونة).
جميع الأنشطة تُصحَّح بنفس الطَّريقة[1].
تمارين الأساليب الشَّكليَّة:
عُمر الطِّفل: من 4 / 5 – 10 سنوات.
كيفية تقديم النشاط: يُطلب من الطِّفل أن يرسُم أكبر عدد من الأشْكال، بشرط أن يكون الخطَّان المُتَوازيان جُزءًا من كلِّ شكْل.
(ومثال ذلك أن يجعل الخطَّين جذع شجرة، مسطرة، طَريقًا ..)
تمارين الأساليب الفِكريَّة:
عُمر الطِّفل: من 5 – 10 سنوات.
اسم النّشاط: تمرين الكَأس والمَاء.
كيفية تقديم النشاط: يُطلب من الطفل أن يتخيَّل أنَّ هُناك وعاءً مصنوعًا من أي مادَّة (زجاج، معدن، ..) وبداخل الوعاء ماء، كيف يمكن للطِّفْل إخراج الماء بأكثر من طريقة؟
بعض الحلول: زرْع نبتة بداخل الوعاء، وضْع إسفنج لامتصاص الماء، سكْب الماء، كسر الكوب، تعريضه للحرارة، …
تمارين الأساليب الحركيَّة:
عُمر الطِّفل: من 5 – 10 سنوات.
اسم النّشاط: الحركَة بين الجِدارين.
كيفية تقديم النشاط: يُطلب من الطِّفْل أن يفكِّر بأكثرَ من طريقة في كيفيَّة انتِقاله من الجدار الأوَّل للجدار الذي يقابله.
بعض الحلول: عبر المشْي، الزَّحف، الشقلبة أو القفز، الحبْو، عن طريق وضع الطفل في فِراش ويسحبه الطَّرف الآخر حتَّى يصِل، ..
ما الفائِدة المرجُوَّة من تعلميهم ذلك منذ الصغر؟
أهمّ تلك الفوائد هِي إمكانيَّة توليد حلول للموضُوع الواحد، وإلغَاء قانون المُستحيل من قواميس عَالمهم.
فقد اعتاد الكثير منَّا الاعتِماد على مبدأ الاستحالة، فلا هو قادرٌ على التَّفكيِر في صُلب الموضوع، أو هُو قادر على ذلك بيْد أنَّ التفكير مَحصور في صندوقٍ واحد.
فالتفكير كالتَّعليم، تراكمي، كلُّ مهارة تُبنى على السَّابقة وتعتمد عليْها المهارة اللاحقة، فإن تشرَّب الأطفال هذه المهارات منذ الصِّغَر فحتمًا ستكبر معهم رُويدًا رُويدًا، وبذلك سيتمُّ القضاء على الكثير من اعتبارات المُجتمع، والتي تُؤمن بأنَّ هُناك “مشاكل” ليس لها مَنافذ “للتنفس”.
ــــــــــــــــــــــ
[1] التَّمارين السابقة مقتبسة من حضوري لدوْرة مُمارس في تعليم التَّفكير للأطفال، للدكتور صالح الزهراني.
__________________________________________________
الكاتب: إيناس حسين مليباري
Source link