بدأ في الأيام الماضية التسويق لأصنام وتماثيل؛ لوضعها في مائدة الإفطار الرمضاني، وأنها مما تُزين به تلك الموائد وتجمّل بها، وتحدث أهل العلم في بيان حرمة ذلك، وأنها من مداخل الشيطان،
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد بدأ في الأيام الماضية التسويق لأصنام وتماثيل؛ لوضعها في مائدة الإفطار الرمضاني، وأنها مما تُزين به تلك الموائد وتجمّل بها، وتحدث أهل العلم في بيان حرمة ذلك، وأنها من مداخل الشيطان، وأخذ مَن يحابي ويدافع عن ذلك بأن الناس قد بلغوا من العلم والإدارك ما يمنعهم من اتخاذها أربابا من دون الله تعالى، وهذه شبهة شيطانية ألقاها إبليس على الأمم الماضية -كما سيأتي بيانه-، ولا زال يحييها ويلقيها على الناس بترويج من شياطين الإنس، ففي حديث أبي ذر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: «يَا أَبَا ذَرٍّ، هَلْ تَعَوَّذْتَ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ» ؟ قال قلت: يا نبي الله وهل للإنس شياطين؟ قال: «نَعَمْ، شَرٌّ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ»[1]. وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام113] وما عُبدت الأصنام إلا بعد ربطها بالعبادة والصالحين من عباد الله -تعالى-، فإحضار مثل هذه التماثيل على موائد الإفطار في رمضان سترسخ في عقول الناشئة أنها من أعمال القُرب التي يُتقرب بها إلى الله -تعالى-، لذا كان لزاما بيان الحكم الشرعي المتعلق باقتنائها وبيعها وتهاديها ونحو ذلك.
بداية عبادة الأصنام:
عن عياض المجاشعي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ذات يوم في خطبته «أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ، مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ، إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا»[2].
وقد ذكر الله تعالى عن أبي الأنبياء نوح -عليه الصلاة والسلام- شكواه من قومه بقوله: {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا} [نوح24]، وهذه الأسماء التي وردت في هذه الآيات هي كما قال ترجمان القرآن ابن عَباس -رضي الله عنهما-: “أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ، أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ”[3] ، فتأمل كيف استغل الشيطان وفاة هؤلاء الصالحين بخطة طويلة الأمد؛ لتعبد هذه الأنصاب من دون الله -تعالى-، وقد تحقق مراده، بينما مَن صنعها لم يُرد في ظنه إلا خيرا.
أول مَن أحضر الأصنام لجزيرة العرب: كانت جزيرة العرب سالمة من عبادة الأصنام، وكانت على ملة أبينا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- حتى أغرى إبليس أحد رجالاتها وسيدا من ساداتها -عَمْراً الخزاعي-بجلب صنم من هذه الأصنام من البلقاء لمكة لما رأى الناس هناك يعبدونها من دون الله -تعالى- ويستنصرون بها ويستنزلون المطر بها، فطلب منهم واحدا منها فأعطوه صنما اسمه (هبل) فحمله إلى مكة ودعا الناس لعبادته فما زال بهم حتى عبده بعضهم وأبى آخرون[4].
أما عاقبته ومنزلته عند الله فقد روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَرَأَيْتُ عَمْرًا يَجُرُّ قُصْبَهُ[5]، وَهْوَ أَوَّلُ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ»[6] ، وعمرو هذا كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إِبْرَاهِيمَ عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفٍ أَبُو خُزَاعَةَ»[7]. «وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ حَمَلَ الْعَرَبَ عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ» [8].
من علامات الساعة عبادة أقوام للأصنام في جزيرة العرب؛ قال أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الخَلَصَةِ» وَذُو الخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الجَاهِلِيَّةِ” [9].
الأمر بإتلاف التماثيل: فقد جاءت الأدلة المتظافرة على حرمة اقتنائها؛ عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة، وحول البيت ستون وثلاث مائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده، ويقول: «جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ، إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» «جَاءَ الحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ البَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ»[10]. وبعث أصحابه لإتلافها فعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ «أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ»[11].
كما جاء الوعيد الشديد لمن يعود لصناعة التماثيل: فعَنْ أمير المؤمنين عَلِي -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنازة فقال: «أَيُّكُمْ يَنْطَلِقُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلا يَدَعُ بِهَا وَثَنًا إِلا كَسَرَهُ، وَلا قَبْرًا إِلا سَوَّاهُ، وَلا صُورَةً إِلا لَطَّخَهَا» ؟[12] فقال رجل: أنا يا رسول الله. فانطلق، فهاب أهلَ المدينة، فرجع، فقال علي: أنا أنطلق يا رسول الله. قال: «فَانْطَلِقْ» فانطلق ثم رجع، فقال: يا رسول الله، لم أدع بها وثنا إلا كسرته، ولا قبرا إلا سويته، ولا صورة إلا لطختها. ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ عَادَ لِصَنْعَةِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» [13].
لا تُجمل مائدة الإفطار بمعصية الله -تعالى- فلا يتقرب إليه بما نهى عنه فعبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- لبس ثوبين معصفرين يتجمل بهما فلما رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أَأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا» ؟ قلت: أغسلهما، قال: «بَلْ أَحْرِقْهُمَا»[14]، وهذا حسم لمادة الشر؛ لكون لبس ذلك مما يختص به النساء دون الرجال[15]، وهذا في اللبس فكيف بما يتخذه المشركون آلهة من دون الله -تعالى-.
لذا فالواجب على الوالدين منع دخول هذه التماثيل لبيوتهم فقد أخبر نبيكم -صلى الله عليه وسلم-أنْ «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا»[16].
كما ينبغي على الجهات الرقابية في الجمارك ووزارة التجارة وغيرها منع دخولها للبلاد، ومصادرة ما يباع منها؛ لمخالفتها للشريعة الإسلامية.
أما بيعها فحرام، وثمنها سحت[17]؛ فــ”تحريم بيع الأصنام، وهو أعظم تحريما وإثما، وأشد منافاة للإسلام من بيع الخمر والميتة والخنزير”[18]؛ عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عام الفتح وهو بمكة: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ، وَالمَيْتَةِ وَالخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ»[19]، وقال: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ»[20]، لذا على تجارنا أن يتقوا الله تعالى فينا، ولا يفسدوا على المسلمين دينهم، وأُذكرهم بقوله -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ فُجَّارًا، إِلاَّ مَنْ اتَّقَى اللَّهَ، وَبَرَّ، وَصَدَقَ»[21].
وأختم بأنه لم يرخص من الدمى إلا بألعاب البنات الصغار على تفصيل في ذلك فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: « كنت ألعب بالبنات[22] عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان لي صواحب يلعبن معي، «فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه، فيسربهن إلي فيلعبن معي»[23]، وذلك “لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن”[24].
اللهم بلغنا رمضان، وأعنا على صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا، وتقبله منا، وبارك لنا فيه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] رواه أحمد (22288) والنسائي (5507) والطبري في التفسير 9/500 واللفظ له
[2] رواه مسلم (2865)
[3] البخاري (4920)
[4] انظر: سيرة ابن هشام 1/72 البداية والنهاية 3/187 التوضيح لابن الملقن 20/75 فتح الباري 6/549
[5] أي أمعاءه. المنهاج شرح صحيح مسلم للنووي 6/208 فتح الباري 1/173 التيسير للمناوي 2/26
[6] البخاري (4624)، قال ابن المسيب: “والسائبة التي كانت تسيب فلا يحمل عليها شيء”ا.هـ. شرح مشكل الآثار للطحاوي 4/119
[7] أخرجه ابن أبي عاصم في الأوائل (190) والطبراني في الأوسط (201) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، ومن حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- رواه الطبراني في الأوائل (19) والحاكم (8789) وقال: “صحيح على شرط مسلم”ا.هـ ووافقه الذهبي. قال الألباني: “هذا إسناد حسن”ا.هـ
[8] ورواه الحاكم (8788) من حديث أُبي بن كعب -رضي الله عنه- وقال: “صحيح الإسناد ولم يخرجاه”ا.هـ ووافقه الذهبي.
[9] البخاري (7116) ومسلم (2906)
[10] رواه البخاري (4720).
[11] مسلم (969)
[12] وروى عبد الله في زوائده على المسند (1176) عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلا من الأنصار أن يسوي كل قبر، وأن يلطخ كل صنم.
[13] رواه أحمد (657) وأبو يعلى (506) قال المنذري: “إسناده جيد إن شاء الله”ا.هـ الترغيب والترهيب 4/44
[14] رواه مسلم (2077)
[15] انظر: كشف المشكل 4/124
[16] البخاري (893) ومسلم (1829) من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما.
[17] القبس لابن العربي/792 المجموع شرح المهذب 9/256 روضة الطالبين 3/354 الكافي لابن قدامة 2/6 مجموع الفتاوى 22/141 الإعلام بفوائد عمدة الأحكام 7/197 مجموع فتاوى ابن باز 19/45 فتاوى اللجنة الدائمة 13/112
[18] زاد المعاد 5/675
[19] البخاري (2236) ومسلم (1581) قال الترمذي بعد روايته (1297) : “والعمل على هذا عند أهل العلم”ا.هـ، وقال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: “اشتملت هذه الكلمات الجوامع على تحريم ثلاثة أجناس: مشارب تفسد العقول، ومطاعم تفسد الطباع وتغذي غذاء خبيثا؛ وأعيان تفسد الأديان، وتدعو إلى الفتنة والشرك”ا.هـ زاد المعاد 5/661
[20] رواه أحمد (2678) والدارقطني (2815) وصححه ابن حبان (4938) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
[21] رواه الدارمي (2580) والترمذي (1210) وقال: “حسن صحيح”ا.هـ، وصححه ابن حبان (4910) من حديث رفاعة الأنصاري -رضي الله عنه-.
[22] ” البنات: لعب يلعب بهن صغار الجواري”ا.هـ شرح المشكل لابن الجوزي 4/321
[23] رواه البخاري (6130) ومسلم (2440) قال ابن بطال -رحمه الله تعالى-: “والذى يراد من الحديث: الرخصة في اللُعب التي تلعب بها الجواري، وهى البنات فجاءت فيها الرخصة وهي تماثيل”ا.هـ شرح صحيح البخاري 9/304 ، وقال الخطابي -رحمه الله تعالى-: “اللعب بالبنات ليس كالتلهي بسائر الصور التي جاء فيها الوعيد”ا.هـ أعلام الحديث 3/2201، وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: “واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات، واللعب من أجل لعب البنات بهن، وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات؛ لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن”ا.هـ فتح الباري 10/527 عمدة القاري 22/170 وانظر: المحلى 9/230
[24] فتح الباري 10/527.
____________________________________________________
الكاتب: نايف بن أحمد الحمد
Source link