أيها المؤمنون، إن أردتم سعادة في القلب وانشراحًا في الصدر، فعليكم بصلاة الفجر.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه؛ أما بعد:
في الساعة الخامسة فجرًا، في هذا الوقت البديع المبارك، يدوِّي في سماء الكون النداء الخالد؛ نداء الأذان لصلاة الفجر، فتهتف الأرض كلها: الله أكبر، الله أكبر، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، وتكون صلاة الفجر فاتحة اليوم في حياة المسلم، وكأنما هي شكرٌ لله على نعمة الإصباح بعد الإظلام، ونعمة الحياة بعد الممات؛ فالنوم هو الموتة الصغرى.
أيها المؤمنون، تحدثنا في الجمعة الماضية عن صلاة الفجر، والتحذير من التهاون فيها، وبيان خطورة ذلك وعقوبته، وها نحن اليوم نتحدث عن جانب آخرَ مشرقٍ عن صلاة الفجر؛ ألا وهو: جانب الفضائل والأجور والدرجات لمن حافظ عليها في المساجد حيث يُنادَى بها كل يوم.
أيها المؤمنون، أهل صلاة الفجر فئة مباركة وُفِّقت للخير، لَبَّوا أمر ربهم مستشعرين الأجور والفضائل، خائفين وَجِلين، إنهم الرجال حقًّا الذين قال الله عنهم: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 36 – 38]، فيا أهل صلاة الفجر، أبشروا بالأجور العظام، والحسنات والخيرات، فربكم كريم رحيم عظيم الفضل والثناء.
أبشروا يا أهل صلاة الفجر بشهود ملائكة الرحمن؛ فلقد قال سبحانه: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]؛ قال ابن كثير رحمه الله: “يعني: صلاة الفجر”.
وعند البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرُجُ الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلُّون وأتيناهم وهم يصلُّون»، فيا من صليت الفجر في جماعة، هنيئًا لك؛ فسيُرفع اسمك مع أولئك النفر، وستشهد لك الملائكة؛ فأبشر بكل خير.
أبشروا يا أهل صلاة الفجر بأجر قيام الليل كله؛ فلقد روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صلَّى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة، فكأنما صلى الليل كله»، الله أكبر، تصلي الفجر في دقائق معدودات، ثم يُكتَب لك أجر قيام الليل، وأنت كنت نائمًا على فراشك، إنه فضل عظيم من رب كريم، فأين المشمرون؟
أبشروا يا أهل صلاة الفجر بـأجر عظيم لا يعلمه إلا الله؛ فقد أخرج البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( «(ولو يعلمون ما في العَتَمَة – [أي: العشاء] – والصبح لأتَوهما ولو حبوًا»؛ أي: ولو يعلم الناس ما في هاتين الصلاتين من عظيم الأجر، ثم لم يستطيعوا أن يحضروا إليها على أقدامهم بسبب عذر ما، لأتَوا وهم يحبون كما يحبو الصغير؛ حتى لا يفوتهم الأجر؛ لذلك كان ابن مسعود يقول: “ولقد كان الرجل يُؤتى به يُهادَى بين الرَّجُلَيْنِ حتى يُقام في الصف”؛ أي: من شدة المرض لا يستطيع أن يقف في الصف بمفرده، فيستند على الرجلين، ومع ذلك لا يترك الجماعة؛ لأنه يعلم عظم الأجر فيها.
أبشروا يا أهل صلاة الفجر بالنور التام يوم القيامة؛ قال رسول الله: «بشِّر المشَّائين في الظُّلَمِ إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة»؛ (رواه ابن ماجه بسند حسن).
أبشروا يا أهل صلاة الفجر، فأنتم في ذمة الله وحفظه؛ فقد قال النبي قال: «من صلى الصبح في جماعة، فهو في ذمة الله تعالى»؛ أي: في حفظه ورعايته؛ (رواه ابن ماجه بسند صحيح)، فاذهب إلى أي مكان شئتَ يا من صليت الفجر في جماعة ولا تخَفْ؛ فأنت في حفظ لا ملك من ملوك الدنيا، كلا والله، بلفي حفظ ملك الملوك جل وعلا.
أبشروا يا أهل صلاة الفجر بأعظم نعيم في الجنان وهو رؤية الرحمن؛ ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أما إنكم سترَون ربكم كما ترون القمر لا تضامُّون في رؤيته – أي: لا يصيبكم الضيم وهو المشقة والتعب – فإن استطعتم ألَّا تُغلَبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فافعلوا – يعني: صلاة العصر والفجر – ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130].
أبشروا يا أهل صلاة الفجر بالوعد من الله بدخول الجنان وبالنجاة من النار؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى البَرْدَيْنِ، دخل الجنة»؛ (رواه البخاري ومسلم)، والبردان هما: الصبح والعصر، وقال صلى الله عليه وسلم: «لن يَلِجَ النار أحدٌ صلَّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها»؛ يعني: الفجر والعصر؛ (رواه مسلم).
أبشروا يا أهل صلاة الفجر بنشاط أبدانكم وطِيب نفوسكم؛ فقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يعقِد الشيطان علي قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عُقَدٍ، يضرب على مكان كل عقدة: عليك ليلٌ طويلٌ فارْقُدْ، فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة؛ فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان».
أبشروا يا أهل صلاة الفجر بصلاةٍ سُنَّتُها خيرٌ من الدنيا وما فيها؛ فلقد أخرج مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها»، والمقصود ليست الفريضة بل السنة القبلية، فسنة الفجر خير من الدنيا وما فيها من قصور وأموال ودور وملذات، فإذا كان هذا الفضل للسنة، فكيف بالفريضة نفسها، لا شك أنها أعظم أجرًا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238].
وبعد ما سمعتَ يا عبدالله عن هذه الفضائل العظام، التي واحدة منها والله لكافية لأن تستيقظ وتقوم لتصلي مع المسلمين، فهل ستتركها بعد ذلك؟ وهل ستحرم نفسك كل هذه الأجور؟
فيا أهل صلاة الفجر، اثبتوا على ما أنتم عليه، واحتسبوا الأجر عند ربكم، وجاهدوا وثابروا حتى تصِلوا الجنة بإذن الله.
أيها المؤمنون، إن أردتم سعادة في القلب وانشراحًا في الصدر، فعليكم بصلاة الفجر.
____________________________________________________________
الكاتب: د. سامي بشير حافظ
Source link