جاء الإسلام بعقيدته وشريعته إلى الرجال والنساء جميعًا، وليس فيه إلا القليل جدًّا من الأحكام التي تخصُّ الرجال، والقليل جدًّا من الأحكام التي تخص النساء.
لقد أكَّد الإسلام على تكريم الإنسان، وآياتُ القرآن الكريم مليئةٌ بهذا التكريم تصريحًا أو مفهومًا، وأحاديثُ النبي – صلى الله عليه وسلم – تفيض بهذه المعاني، ومن القرآن والسنة استنبط علماءُ الإسلام أحكامًا كثيرةً، تُقَنِّنُ وتنظم وتطبِّق تكريمَ الإنسان سلوكًا عمليًّا واقعيًّا، وليس مُجرَّد تقعيد نظري.
إلى ذلك تَلفتُ نَظَرَ قارئ القرآن إشاراتُه المتكررة إلى كون البشرية مخلوقةً من صنفين وجنسين، هما: الذكر والأنثى.
وهذه المعلومة بَدَهيَّة، ولكن القرآن لا يُقدِّمها مجرَّد معلومة؛ بل يذكرها في سياقاتٍ تُفيد – وبكلِّ وضوحٍ – مساواةَ الله – تعالى – بين الجنسين في الكرامة.
من ذلك الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
وقوله – تعالى – واصفًا نفسه الكريمة: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [النجم: 45].
فهذا التذكير بالخلق من الجنسين دون ذكرٍ لمفاضلةٍ بينهما يُفيد أنهما على درجةٍ واحدةٍ من القَدْرِ عند الله – تعالى.
بل إن القرآن الكريم يذكر أن الله خلق آدمَ – عليه السلام – ومن جَسَدِ آدم – وبالتحديد من ضِلَعٍ في صدره – خُلِقت الأمُّ الأولى حوَّاء، فيقول مخاطبًا الناسَ بعظمةٍ وحنان: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1].
وهذه الزوجية مما امتنَّ الله – عز وجل – به على البَشَر، وذكَّرهم بها كثيرًا، من ذلك ما قال لهم: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: 72].
وقال في خطاب ملؤه العاطفة: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
نعم، إن علاقة الزوجية من آيات الله، فكِلا الزوجين سَكَنٌ يأوي إليه قلبُ الآخَر، والعلاقة الحقيقية قائمةٌ على الحب والرحمة، لا على مجرد قضاء الشهوة، وليست قائمةً أبدًا على البطش والقهر.
وإن عظمة وروعة هذه العلاقة الزوجية دليلٌ جليٌّ على عظمة هذا الخالق، وبديع صنعه، وعجائب خلقه.
ولذلك اعتبر القرآن رباطَ الزواج وعقدَ القِران من أعظم العهود والمواثيق؛ فقال بحق الزوجات: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21].
ولأجل هذا التساوي في الإنسانية، وما يتعلق بها من تكريم؛ يُعلن النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – قانونًا خالدًا بقوله: «إن النساءَ شقائقُ الرجال»؛ “جامع الترمذي”.
ولقد جاء الإسلام بعقيدته وشريعته إلى الرجال والنساء جميعًا، وليس فيه إلا القليل جدًّا من الأحكام التي تخصُّ الرجال، والقليل جدًّا من الأحكام التي تخص النساء.
ولقد وُجِدَ هذا المقدارُ الضئيل من الأحكام الخاصة؛ مراعاةً لتكامل وجود الجنسَين، فكما أنه لا يمكن إلغاءُ كون البشر جنسَين، فكذلك لا يمكن إلغاء وجود دَورَين متكاملَيْن لهما.
تمامًا كما أن هنالك تكامُلاً بين دور الوالدين والأبناء، والغني والفقير، والحاكم والمحكوم، ذلك التكامل الذي اقتضى وجودَ أحكام مخصوصةٍ محدودةٍ لكل من الأصناف.
إنَّ إلزام الرجل بالإنفاق على المرأة، وارتداء المرأة المسلمةِ للحجاب – مثالان حيَّانِ عن خصوصياتٍ تشريعية قليلةٍ خُص بها الرجال والنساء، بحكم تكامُلِ دورِ الجنسين في الحياة.
أما الأصل الأصيلُ في الإسلام، فالبشر جميعًا سواسيةٌ أمام الله – تعالى -: {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الواقعة: 49، 50].
ولقد صرَّح القرآن بأن الجزاء في الآخرة يتساوى فيه الذَّكر والأنثى؛ فقال الله – تعالى -: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 195].
وقال: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 124].
وقال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
وقال: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر: 40].
وفي آية جليلة من آيات كتاب الله يقول الله الرحيم الحكيم: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].
وكما قصَّ القرآن الكريم على المؤمنين قصصَ الأنبياء الكرام، والرجال الصالحين، فلقد ذَكَر شيئًا من أخبار فُضلَياتِ النساء ومؤمناتهنَّ، تأتي على رأسهنَّ السيدةُ مريم العذراء والدة نبيِّ الله الكريم السيد المسيح – عليه السلام – التي سُمِّيت سورةٌ من سور القرآن الكريم باسمها، وفيها حكى الله قصة حملِها المعجز العجيب بنبي الله عيسى.
وذَكَر القرآنُ كذلك قصة أمِّها (حنة زوجة عمران)، وكيف نذرَتْها لعبادة الله منذ حملت بها.
وذكر أيضًا قصة والدة النبي موسى – عليه السلام – وقصة المرأة الصالحة آسية زوجة فرعون.
كلُّ ذلك تأكيدٌ من القرآن على أن الإيمان والصلاح لا علاقة له بذكورة أو أنوثة، وتصحيحٌ منه لظنِّ من قد يَظُنُّ مُخطئًا أن الأنوثة حائلٌ دون بلوغ مراتب التقوى العالية، وأن النساء لا يصلنَ إلى ما يَصِلُهُ الرجالُ من رضوان الله – تعالى.
Source link