منذ حوالي ساعة
إنَّ مِن فضل الله سبحانه وتعالى علينا نحن المسلمين – أنْ أَرسَل فينا خاتمَ الأنبياء والمرسلين؛ محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي سيتَّبعه كلُّ الأنبياء يوم القيامة، ويُحشرون تحت لوائه…
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومَن اتَّبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
أما بعد:
فإنَّ مِن فضل الله سبحانه وتعالى علينا نحن المسلمين – أنْ أَرسَل فينا خاتمَ الأنبياء والمرسلين؛ محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي سيتَّبعه كلُّ الأنبياء يوم القيامة، ويُحشرون تحت لوائه؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «أنا سيِّد وَلَدِ آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما مِن نبي يومئذ آدم فمَن سِواه إلا تحت لوائي»[1]، وهو الذي لا تُفتح الجَنَّةُ إلا لمن يسلُك دربَه، ويتَّبع منهجه؛ قال صلى الله عليه وسلم: «آتِي باب الجَنَّة فأسْتَفْتِح، فيقول الخازنُ: مَن أنتَ؟ فأقول: محمدٌ، فيقول: بك أُمرتُ ألَّا أَفتَح لأحدٍ قَبْلَك»[2].
حُبُّ النبي صلى الله عليه وسلم مِن الإيمان:
قال صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤْمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه مِن وَلَدِهِ ووالِدِه، والناسِ أجمعين»[3].
فالمؤمن الحقيقي هو الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أَحَبَّ إليه مِن الناس أجمعين، حتى والده وولده.
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله: “ومِن حقِّه صلى الله عليه وسلم: أن يكُون أحبَّ إلى المؤمنِ مِن نفسِه وولده وجميع الخلْق؛ كما دلَّ على ذلك قوله سبحانه: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24]”[4].
وقال الشيخ السعدي رحمه الله: “هذه الآية الكريمة أعظَم دليلٍ على وجوب محبَّة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى تقديمها على محبَّةِ كلِّ شيءٍ، وعلى الوعيد الشديد، والمقْتِ الأكيد على مَن كان شيءٌ مِن المذكورات أحبَّ إليه مِن الله ورسوله وجهادٍ في سبيله، وعلامةُ ذلك أنه إذا عُرض عليه أمران:
أحدهما: يحبُّه اللهُ ورسوله، وليس لنفسِه فيها هوى.
والآخر: تحبُّه نفسُه وتشتهيه، ولكنه يُفَوِّت عليه محبوبًا لله ورسوله أو يُنقصه، فإنَّه إنْ قدَّم ما تهواه نفسُه على ما يحبُّه اللهُ، دلَّ على أنه ظالمٌ تاركٌ لما يجب عليه”[5].
بل لا يكون المؤمنُ كاملَ الإيمانِ حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم أحبَّ إليه مِن نفسِه، فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، لأنتَ أحبُّ إليَّ مِن كلِّ شيءٍ إلا مِن نفسي؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا والذي نفسي بيده، حتى أكُون أحبَّ إليك مِن نفسك»، فقال عمر: فإنه الآن لأنتَ أحبُّ إلىَّ مِن نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الآن يا عمر»[6].
أنتَ مع مَن تحبُّ:
كلٌّ منا أيها المسلمون يتمنَّى أن يدخل الجَنَّة، والطريق إلى هذا الفوز هو أن نحبَّه صلى الله عليه وسلم، فقد جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الساعة، فقال: «وماذا أعددتَ لها» ؟ قال: لا شيء، إلا أني أحبُّ اللهَ ورسولَه صلى الله عليه وسلم، فقال: «أنتَ مع مَنْ أحببتَ»[7].
نماذج مِن محبَّة النبي صلى الله عليه وسلم:
سُئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف كان حُبُّكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: “كان أحبَّ إلينا مِن أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمَّهاتنا، ومِن الماء البارد على الظمأ”[8]، لهذه الدرجة كان الصحابة يحبُّون النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وفيما يلي سأذكر لكم بعضَ المواقف المعبِّرة عن هذا الحُبِّ، وما هي حصْر، بل غيْضٌ مِن فيْض.
في غزوة أحد:
أصيبت امرأةٌ مِن بني دينار باستشهاد زوجها وأخيها وأبيها، فلما بَلَغَها خبرُ استشهادِهم، قالت: “ما فعَل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قيل: خيرٌ يا أمَّ فلان، هو بحمْد الله كما تحبِّين، قالت: أَرُونِيهِ حتى أنظر إليه، فأُشِيرَ إليها حتى إذا رأتْه قالت: كلُّ مصيبةٍ بَعدَك جَلَلٌ يا رسول الله[9]، (جلل؛ أي: صغير)”.
في صُلح الحديبية:
ذهب رجلٌ مِن قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم لِيُناقِشَه في شروط الصُّلح، وبينما هو هناك رأى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رجع إلى قريش قال: “والله لقد وفدتُ على الملوك – على قيصر وكسرى والنجاشي – فوالله ما رأيتُ ملِكًا يُعَظِّمه أصحابُه ما يُعَظِّم أصحابُ محمدٍ محمدًا، والله إنْ تَنَخَّم نخامةً إلا وقعَت في كفَّ رجلٍ منهم، فَدَلكَ بها وجهَه وجِلْده، وإذا أمَرهم أمْرًا ابتَدَروا أمْرَه، وإذا توضَّأ كادوا يَقْتَتِلون على وَضُوئه، وإذا تكلَّم خفضوا أصواتهم عنه، وما يُحِدُّونَ النظرَ إليه تعظيمًا له”[10]، (ابتدَروا أمره؛ أي: سارعوا وتسابقوا في تنفيذه).
خُبيب رضي الله عنه يفدي النبيَّ صلى الله عليه وسلم والسيف على رقبته:
في الآونة الأخيرة تجرَّأ بعض الكفار على النبي صلى الله عليه وسلم، وحاولوا النَّيلَ مِن احترامه الذي أَجْمَع عليه القاصي والداني، فارتفَعَت نداءاتُ عامَّةِ المسلمين، الملتزم منهم وغير الملتزم مُنَادين: فِداك أبي وأمِّي يا رسول الله، وإلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أحلى هذه الكلمة وما أعظَمَها، حين تخرج في وقت الشدة، والسيف مصلَّت على الرِّقاب! فها هو خُبيب رضي الله عنه حين أسره مُشرِكو قريش، وصلبوه، يُناشدونه، أتحبُّ أنَّ محمدًا مكانك؟ فقال: “لا والله العظيم، ما أحبُّ أن يَفديَني بشوكةٍ يُشاكُها في قدمه”[11].
بواعث محبَّة النبي صلى الله عليه وسلم:
إنَّ لمحبَّة النبي صلى الله عليه وسلم بواعثَ وأسبابًا جَعَلَتْنا نحرص على محبَّته كلَّ الحرص؛ منها:
1- تعظيم محبَّة الله عز وجل، فمحبَّة النبي صلى الله عليه وسلم تابعةٌ لمحبَّة الله عز وجل.
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم سيِّدُ وَلَدِ آدم، وخاتم المرسلين.
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبلِّغ لشرع الله عز وجل.
4- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان رؤوفًا ورحيمًا بأمَّته في كلِّ ما شرعه.
5- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ناصحًا لأمَّته، صابرًا في الدعوة إلى الله عز وجل.
6- أن النبي صلى الله عليه وسلم تميَّز بالخُلُق الراقي العظيم.
7- أن لحبِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أجرًا عظيمًا في الدنيا والآخرة.
ثمرات محبَّة النبي صلى الله عليه وسلم:
إنَّ لمحبَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم ثمراتٍ كثيرةً وعظيمةً، وإنما نذكر منها هنا ثمرتين:
الثمرة الأولى: أن هذه المحبَّة عونٌ على الطاعة، والإكْثار مِن العبادة.
الثمرة الثانية: أن هذه المحبَّة سببٌ للفوز بالجَنَّة، والنجاة من النار.
علامات محبَّة النبي صلى الله عليه وسلم:
إنَّ للمحبَّة علاماتٍ تدلُّ على صدْقها، مَن لم تَظهَر عليه هذه العلامات، كانت محبَّتُه كاذبةً غير صحيحة، ولمحبَّة النبي صلى الله عليه وسلم علاماتٌ هي:
1- أن نقدِّم محبَّته صلى الله عليه وسلم على محبَّة الخَلْق.
2- أن نتَّبع سُنَّتَه صلى الله عليه وسلم، ولا نعترض عليها، ولا نستهزئ بها.
3- أن نهتمَّ بقراءة سيرته العَطِرة صلى الله عليه وسلم، ونسير على هديها.
4- أن نُكْثر ذِكْرَه بالألسِنة والقلوب، ونُكْثِر من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم.
5- أن نحبَّ الصالحين والداعين إلى سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم والعاملين بها، وعلى رأسهم الصحابة.
6- الشوق لرؤيته صلى الله عليه وسلم ومُصَاحَبَتِه؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «مِن أشدِّ أُمَّتي لي حُبًّا ناسٌ يكُونون بعدي، يودُّ أحدُهم لو رآني بأهله وماله»[12].
الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم:
أمَرَنا اللهُ سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بأن نصلي ونسلِّم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، وهذه الصلاة والسلام على النبي، هي أداءٌ لأقلِّ القليلِ مِن حقِّه صلى الله عليه وسلم على المسلمين.
وقد اشتُهِرَت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعدَّة صيَغ تجْمَع بين الصلاة والسلام، فمنها صيغتان مختصرتان كَثُرَ ذكْر السلف الصالح والعلماء المعاصرين لهما، هما: (صلى الله عليه وسلم، وعليه الصلاة والسلام).
من فضائل الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم:
جاء في فضل الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة نذكر منها:
1- قال صلى الله عليه وسلم: «مَن صلَّى عليَّ صلاةً، صلَّى اللهُ عليه بها عشرًا»[13].
2- قال صلى الله عليه وسلم: «مَن صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً، صلَّى الله عليه عشرَ صلوات، وحُطَّت عنه عشرُ خطيئات، ورُفعت له عشرُ درجات»[14].
3- قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صلَّى عليَّ حين يُصبح عشرًا، وحين يُمسي عشرًا، أدركتْه شفاعتي يوم القيامة»[15].
خطورة ترْك الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم:
وكما جاءت أحاديث في فضل الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، جاءت أيضًا أحاديث تحذِّر مِن ترْكها، منها:
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رَغِمَ أنفُ رجلٍ ذُكِرْتُ عنده، فلم يُصَلِّ عليَّ»[16]، ورغم أنف: يعني: لصق بالتراب؛ أي: صار ذليلًا حقيرًا.
2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البخيلُ مَن ذُكِرْتُ عنده، فلم يُصَلِّ عليَّ»[17].
3- قال صلى الله عليه وسلم: «ما جلَس قومٌ مجلِسًا، لم يذكروا الله فيه، ولم يصلُّوا على نبيِّهم، إلا كان عليهم تِرةٌ، فإنْ شاء عذَّبهم، وإنْ شاء غَفَرَ لهم»[18]، والتِّرة: الحسرة والندامة.
الأوقات والمواضع التي أمرنا فيها بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
1- الصلاة والسلام عليه في تشهُّد الصلاة.
2- الصلاة والسلام عليه في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية.
3- الصلاة والسلام عليه في الخطب والعيدين والاستسقاء… إلخ.
4- الصلاة والسلام عليه بعد إجابة المؤذن وعند الإقامة.
5- الصلاة والسلام عليه عند الدعاء.
6- الصلاة والسلام عليه عند دخول المسجد والخروج منه.
7- الصلاة والسلام عليه عند ذكره صلى الله عليه وسلم.
الصلاة والسلام عليه والإكثار منه يوم الجمعة وليلتها.
[1] أخرجه أحمد، (3/ 2، رقم 11000)، والترمذي، (5/ 308، رقم 3148)، وقال: حسَن صحيح، وابن ماجة، (2/ 1440، رقم 4308)، عن أبي سعيد رضي الله عنه.
[2] أخرجه مسلم، (1/ 188، رقم 197)، من حديث أنس، رضي الله عنه.
[3] أخرجه البخاري (1/ 14، رقم 15)، ومسلم (1/ 67، رقم 44)، من حديث أنس، رضي الله عنه.
[4] تقريب الصارم المسلول؛ صلاح الصاوي، (1/ 259).
[5] تفسير السعدي، (1/ 332).
[6] أخرجه البخاري، (6 / 2445، رقم 6257).
[7] أخرجه البخاري، (3 / 1349، رقم 3485)، ومسلم، ( 8 / 42، رقم 6803).
[8] “نثر الدر في المحاضرات”، (1 / 204)، وكتاب الشفا، (2 / 20)، “وروضة المحبين ونزهة المشتاقين”، (1/ 418).
[9] “السيرة النبوية“؛ لابن هشام، (4/ 50)، “وتاريخ الطبري”، (2/ 74)، و”دلائل النبوة”؛ للبيهقي، (3 / 302).
[10] أخرجه البخاري، (2 / 974، رقم 2581).
[11] أخرج القصة كاملةً الطبرانيُّ في معجمه الكبير، (5/ 261، رقم 5284).
[12] أخرجه مسلم، (4/ 2178، رقم 2832).
[13] أخرجه مسلم، (1/ 288، رقم 384).
[14] أخرجه أحمد، (3/ 102، رقم 12017)، والبخاري في “الأدب المفرد”، (1 / 224، رقم 643)، والنسائي في الكبرى، (6/ 21، رقم 9891)، وابن حبان، (3/ 185، رقم 904)، والحاكم، (1/ 735، رقم 2018)، وقال: صحيح الإسناد، والبيهقي في “شُعَب الإيمان”، (2 / 210، رقم 1554)، والضياء، (5/ 244، رقم 1870).
[15] أخرجه الطبراني، كما في “مجمع الزوائد”، (10 / 120)، قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين، وإسناد أحدهما جيِّد، ورجاله وُثِّقوا ، وحسَّنه الألبانيُّ في “صحيح الجامع”، (6357).
[16] أخرجه أحمد، (2 / 254، رقم 7444)، والترمذي، (5 / 550، رقم 3545)، وقال: حسَن غريب، وابن حِبَّان، (3/ 189 ، رقم 908) ، والحاكم، (1/ 734، رقم 2016).
[17] أخرجه أحمد، (1/ 201، رقم 1736)، والنسائي في “الكبرى”، (5 / 34، رقم 8100) ، وأبو يعلى، (12/ 147، رقم 6776)، وابن حِبَّان، (3/ 189، رقم 909)، والطبراني، (3/ 127، رقم 2885)، والحاكم، (1/ 734، رقم 2015)، والبيهقي في “شُعب الإيمان”، (2/ 213، رقم 1566)، والضياء، (2/ 46، رقم 424).
[18] أخرجه الترمذي، (5/ 461، رقم 3380)، وقال : حسَن صحيح.
_______________________________________________________
الكاتب: محمد الطايع
Source link