فن تربية الأبناء بالمشاورة – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة

التربية بالمشاورة للأبناء تنمي روح المشاركة بين أبناء البيت الواحد، وتقوي العلاقات، فيصير كل فرد في الأسرة له مكانته ودوره الذي لا يمكن أن يقوم به غيره من أفراد أسرته.

تعد تربية الأبناء ورعايتهم على اختلاف أنماط التربية: التعبدية، والصحية، والاجتماعية، من أهم المسؤوليات التي ينبغي أن يرعاها الآباء.

ومن ثَّم فالتربية بالمشاورة للأبناء تنمي روح المشاركة بين أبناء البيت الواحد، وتقوي العلاقات، فيصير كل فرد في الأسرة له مكانته ودوره الذي لا يمكن أن يقوم به غيره من أفراد أسرته، خاصة إذا قامت لبنات الأسرة وأعمدتها على تبادل الحوار بالمشاورة والمناقشة

فمما لا شك فيه أن الابن حينما يعطيه والده اهتمامًا وسط الأسرة، فيشعر الابن بقيمته وأهمية وجوده، كما أن ذلك وسيلة قيِّمة لغرس نشأة الأبناء على تحملهم المسؤولية منذ صغرهم، واعتمادهم على النفس، خاصة في التعامل مع ما قد يقابلهم مستقبلًا، وقد حثَّ القرآن على المشاورة، في قوله: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159]، وأولى الناس بتطبيق هذه اللمسة الإنسانية الحانية هم أبناؤنا وأهلونا، فحينما يشاور الرجل أبناءه وزوجته، يشعرون جميعهم بأن له مكانة ودورًا فاعلًا وسط أسرته.

 

ولذلك حثَّ القرآن الكريم على المشاورة، فبيَّن أنها من صفات المؤمنين؛ قال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]، فمشاورة الأبناء ثراء للأفكار وتبادل للخبرات، وتقوية للأواصر، وتقريب للقلوب وتأليفها، وتعاون على احترام الكبير للصغير، وتكامل في الآراء.

 

ومن المواقف العملية للتربية بالمشاورة ما ورد في السنة النبوية عن نبي الله داود وابنه سليمان عليهما السلام؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب، فذهب بابن إحداهما، فقالت لصاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود عليه السلام، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود -عليهما السلام- فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى» ، قال أبو هريرة: والله إن سمعت بالسكين قط إلا يومئذٍ، وما كنا نقول إلا المدية[1].

 

وهذا يبين أهمية مشاورة الآباء للأبناء؛ فقد يكون لدى الابن رأي يغيب عن خاطر والده، فوقتها لا تكتمل وجهات النظر وتتضح إلا بالمشاورة، وقد أكَّد الله هذه الواقعة في كتابه الكريم، بقوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79]، لكن نبَّه ربنا -عز وجل- على لفت انتباه الابن أن يحترم أباه؛ فليس معنى أن وجهة نظر الابن تحقق حدوثها ألا يحترم والديه أو ينشز عن طاعتهما، فقد قال الله تعالى بعد ذكر فعل سليمان: {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79] ليبن مكانة والده داود عليه السلام، فعلى الأبناء أن يتواضعوا مع آبائهم إذا صحَّت آراؤهم وتحقَّقت.

 

ومن خلال الآية القرآنية والحديث النبوي عن نبي الله داود وابنه سليمان -عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام- يتضح أن الولد قد فهم شيئًا لم ينتبه إليه أبوه، وهذه لفتة نباهة وذكاء من نبي الله سليمان -عليه السلام- في تمهُّله، وقد ساعده على نجاحه في توضيح القضية والده داود -عليه السلام- حينما أتاح فرصة المشاورة؛ إذ جعل المتقاضيين يعرضان مشكلتهما على ابنه سليمان عليهما السلام.

 

وبهذا نخلص إلى نقاط عدة في تربية أبنائنا على المشاورة:

1 – أن نتخيَّر من أبنائنا للمشاورة من هو أكثر فطنةً وحكمةً ورأيًا، فليس كل الأبناء ذا عقلية واحدة.

2 – مشاورتهم فيما يخصهم، خاصة في تخيُّر ألعابهم وملابسهم وغيرها.

3 – تعليمهم آداب التعامل مع الكبير، فليست المشاورة تنازلًا عن احترام الكبير.

4 – ألا يحتكر الأب أو الأم آراء أبنائهما، فينبغي أن يسمحا لأبنائهم بإبداء وجهات أنظارهم في مساحة من الودِّ والاحترام؛ فالأوامر والنواهي لا تُولِّد إلا أطفالًا عنيدة عنيفة.

5 – تنمية روح التعاون بين أفراد الأسرة؛ فثمار المشاورة سترى واقعًا عمليًّا في تعامل الوالدين مع أبنائهم فيما بينهم وبين إخوتهم ووالديهم.

 

ثمرات فن التربية بالمشاورة:

1 – امتثالًا لأمر الله وفعل رسول الله.

2 – تنمية روح المشاركة بين الأبناء والآباء.

3 – علاج الانطوائية.

4 – إثبات الذات للطفل بوجوده وسط أسرته.

5 – التواضع بين الصغير والكبير.

6 – عدم احتكار الآراء، مما يكون مانعًا من وجود مشكلة العناد (الأوامر والنواهي).

7 – تقوية العلاقة بين أبناء الأسرة ونشر روح الحب والتعاون.

8 – توزيع الأدوار.

9 – تنمية نمط الإبداع في التفكير.

10 – توليد طفل قيادي، لا انقيادي.

11 – تدريب الطفل على تحمل المسؤولية بمشاورته في أمور تهيِّئه للمستقبل.

12 – القدرة على مواجهة تحديات المستقبل، مما اكتسبه من خبرات مشاورة والديه.

13 – تقريب للقلوب وتأليفها بين أبناء الأسرة.

14 – غرس قيمة احترام الكبير للصغير، مما يكون وسيلة عملية لبِرِّ الأبناء والآباء معًا.

15 – تكامل في الآراء.

16 – استدراك أمور قد يسهو عنها الكبير أو الصغير.

17 – تنويع الأفكار بتعدُّد وجهات النظر.

18 – تسديد الآراء وتقويمها بعد أخذ المشاورة، مما يكون وسيلةً لتنمية العصف الذهني.


[1] صحيح البخاري: رقم (6769)، ج 8/ 194.
________________________________________________
الكاتب: د. محمد حسانين إمام حسانين


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

الفترة المكية دروس وعبر – طريق الإسلام

فقد كانت هذه الفترة ـ خصوصا السنين الأولى منها ـ فترة إعداد وتجهيز للمسلمين الجدد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *