العلاقة بين صلاة الفجر والنصر (2)

القيام إلى صلاة الفجر ثقيلٌ على الإنسان؛ لأنه وقت راحته، كان على المسلم أن يتسم بصفة الصبر، وهذا إن دلَّ فإنما يدل على فتوَّته وقوته، والصبر ضرورةٌ دنيوية ودينية، فالنصر في الدنيا وأمام الأعداء لا يكون إلا بالصبر…

الصبر:

ولأن القيام إلى صلاة الفجر ثقيلٌ على الإنسان؛ لأنه وقت راحته، كان على المسلم أن يتسم بصفة الصبر، وهذا إن دلَّ فإنما يدل على فتوَّته وقوته، والصبر ضرورةٌ دنيوية ودينية، فالنصر في الدنيا وأمام الأعداء لا يكون إلا بالصبر، ولا تتحقق الآمال، ولا تسعد الأجيال، ولا تهون الصعاب إلا بالصبر، فلولا الصابرون ما أتى النصر.

 

ويعتبر وقت صلاة الفجر أشد الأوقات على الإنسان؛ لذلك قال – صلى الله عليه وسلـم -: «ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأَتَوهُما ولو حبوًا»؛ (رواه البخاري ومسلم).

 

والصبر على صلاة الفجر فيه شيء من المشقَّة على النفس والبدن، وقد حثَّنا الله – تعالى – على الصبر؛ حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200]، وعدم صبر الإنسان على القيام لصلاة الفجر والنوم عنها يهوي به إلى العذاب في الآخرة، (وقد رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – في رؤيا رجلاً مستلقيًا على قفاه، وآخر قائمًا عليه بصخرة يهوي بها على رأسه، فيشدخ رأسه فيتدحرج الحجر، فإذا ذهب ليأخذه فلا يرجع حتى يعود رأسه كما كان، فيفعل به مثلما فعل في المرة الأولى، وقد فسَّر جبريل وميكائيل – عليهما السلام – ما رآه النبي – صلى الله عليه وسلم – بأن الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة))؛ (رواه البخاري)، فعدم الصبر عذابٌ في الآخرة، وذل وإهانة في الدنيا من الأعداء، لذلك كانت صلاة الفجر سببًا للتعوُّد على الصبر الذي يرجع بالنصر على الأعداء.

 

فقيام الرجل من نومه في وقت يصعب على النفس؛ حيث إنه وقت الراحة، ووقت يكون الإنسان فيه ضعيفًا ساكنًا جسديًّا وروحيًّا – يعد جهادًا ضد النفس والبدن، والتغلب عليهما نصر، والقيام لصلاة الفجر مجاهدةٌ للشيطان، خاصة وأنه يعقد على قافية رأس الإنسان ثلاث عُقَد؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «يعقد الشيطانُ على قافية رأس أحدِكم إذا هو نام ثلاثَ عُقَد، يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقدْ، فإن استيقظَ فذكر الله – تعالى – انحلَّت عقدة، فإن توضَّأ انحلت عقدة، فإن صلَّى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإن لا أصبح خبيث النفس كسلان»؛ (رواه البخاري ومسلم)، فانتصار المؤمن على النفس والشيطان طريق للنصر على الأعداء، وعلى رأسهم إسرائيل.

 

إن النصر لن يأتي إلا إذا كان عدد المسلمين في صلاة الفجر كعدد المسلمين في صلاة الجمعة؛ لذلك قالت جولدا مائير – رئيسة وزراء إسرائيل -: سننتصر على المسلمين ما دام عدد المصلِّين في صلاة الفجر ليس كعدد المصلين في صلاة الجمعة، فيا مسلمون، ألم يأنِ لكم أن تعلموا أن النصر لن يأتي إلا من صلاة الفجر؟

 

وأعجبني ما قاله الشيخ ندا أبو أحمد في (أين صلاة الفجر يا أمة الإسلام؟)، واقرؤوا معي ما كتبه بإخلاص: (عظَّم الله – عز وجل – وقت الصبح في كتابه، فأقسم به – سبحانه – في كتابه، وإذا أقسم العظيم بأمرٍ، فاعلم أن هذا الأمر مُعظم، قال – تعالى -: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1، 2]، وأخذ الحبيب – صلى الله عليه وسلم – يبيِّن فضائل صلاة الفجر إلى درجة أنه قال: إن لم تستطع أن تأتي الفجر إلا زحفًا على الرُّكَب فافعل، فقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتَهِمُوا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير ( (التبكير) ) لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتَمة ( (العشاء) ) والصبح لأَتَوهُما ولو حبوًا».

 

وأخرج الطبراني بسندٍ حسن أن أبا الدرداء قال حين حضرته الوفاة: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «اعبُدِ اللهَ كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وَاعْدُدْ نفسك في الموتى، وإياك ودعوة المظلوم فإنها تُستجابُ، ومَن استطاع منكم أن يشهدَ الصلاتين العشاء والصبح ولو حَبوًا فليفعل».

 

آه لو يعلم النُّوام عن صلاة الفجر ما فيها من فضائل لأَتَوها ولو زحفًا على الرُّكَب، وما تخلَّفوا عنها أبدًا.

 

وإن الله يباهي الملائكة بمَن ترك فراشه وقام لصلاته؛ فقد أخرج الإمام أحمد بسندٍ حسن أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «عَجِبَ ربُّنا – عز وجل – من رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحيِّه إلى صلاته، فيقول ربنا: أيا ملائكتي، انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووِطائه ومن بين حيِّه وأهله إلى صلاته، رغبةً فيما عندي وشفقة مما عندي».

 

إنها صورة من عباد الله الصالحين، صورة للمنتصرين على أنفسهم وشهواتهم، فهنيئًا لكم، فقد عَجِب الرحمن من صنيعكم، خرجوا إلى صلاتهم، ولسان حالهم يقول: اللهم ربنا لم نخرج رياءً ولا سمعة، لكننا خرجنا اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، خرجنا استجابة لدعوتك، ورجاء رحمتك…، فيُجِيب الكريم: قد أعطيتُكم ما قد رجوتم، وأمنتكم مما تخافون.

 

قاموا عن الفُرُش الوثيرة وعن الزوجة الجميلة يرددون: مهما تعالت أمواج الشهوات، مهما كانت المُغرِيات، مهما تنوَّعت برامج الفضائيات والسهرات، فجنة قلوبنا الصلوات، وأُنس أرواحنا تلك اللحظات في النسمات.

 

كيف يعيش في البستان غرس 

إذا ما عُطلت عنه السواقي؟ 

 

إن صلاة الفجر مددٌ لأرواحنا وموعد اللقاء بمحبوبنا.

 

إنها قرَّة أعيننا، وملاذ همومنا، وراحة نفوسنا وقلوبنا.

 

ركعتا الفجر (سنة الفجر) خيرٌ من الدنيا وما فيها؛ فقد أخرج الإمام مسلم من حديث عائشة – رضي الله عنها – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها»، فيا مَن تركتم الفجر من أجل الدنيا، سنة الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها من كنوز وأموال، ومناصب وأعمال، ومُغرِيات وملهيات.

 

فالذي ترك الدنيا واستيقظ قبل ميعاد صلاة الصبح، نجح في الاختبار، وكما ترك الدنيا من أجل هذه الصلاة، فإن الله يعطيه أجرًا أكبر من الدنيا جميعًا بهذه الصلاة؛ لذا تجدُ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ما كان يتركها في سفر ولا في حضر، تقول عائشة – رضي الله عنها – كما عند البخاري: (لم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم – علي شيء من النوافل أشد منه تعاهدًا على ركعتي الفجر).

 

وذكر ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري): لم يُحفَظ عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه صلَّى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها في السفر إلا ما كان من سنة الفجر؛ ولذلك كان يقول كما عند أبي داود وأحمد من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: «لا تدَعوا ركعتي الفجر، وإن طردتكم الخيل»، ولهذا كان – صلى الله عليه وسلم – إذا فات موعدها (قبل الصلاة) صلاَّها بعد صلاة الصبح، وكل هذا التعظيم لهذه النافلة يُعطِيك التفخيم والتعظيم للفرض، (وهو صلاة الفجر)، فإذا كانت النافلة خيرًا من الدنيا وما فيها، فما تقول في الفرض؟

 

وبعد الانتهاء من الصلاة أنتَ كُتِبت من الأبرار ومن وفد الرحمن:

أخرج الطبراني – بسندٍ حسن، حسَّنه الألباني – من حديث أبي أُمامة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «مَن توضَّأ في بيته ثم أتى المسجد فصلَّى ركعتين قبل الفجر، ثم جلس حتى يصلي الفجر، ثم خرج من المسجد كُتِبت صلاته يومئذٍ في صلاة الأبرار، وكُتِب في وفد الرحمن»، والوفد هم الذين يُحشرون ركبًا حين يمشي الناس، يشبعون حين يجوعُ الناس، يَرْتَوون حين يعطش الناس، يَثْبُتون حين يزلزل الناس، آمنون حين يخاف الناس؛ فاللهم اجعلنا منهم.

 

وبعد الانتهاء من الصلاة أنتَ في حمايةِ وحفظ الله:

أخرج الطبراني – بسندٍ حسن – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «مَن صلى الصبح كان في جوار الله يومه»، وأخرج الإمام مسلم من حديث جندب بن سفيان – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «مَن صلَّى صلاة الصبح فهو في ذمة الله حتى يُمسي»؛ أي: في حماية الله، وفي ضمان الله – عز وجل، وعند ابن ماجه بلفظ: «فلا تُخفِروا الله في عهده»، ثم يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «فمن قتله طلبه الله حتى يكبه في النار على وجهه».

 

والذي ينام عن صلاة الفجر، فقد استحوذ عليه الشيطان واستهزأ به؛ فقد أخرج البخاري من حديث عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: ذُكِر عند النبي – صلى الله عليه وسلم – رجلٌ فقيل: ما زال نائمًا حتى أصبح، ما قام إلى الصلاة، فقال: «بال الشيطانُ في أذنه»، والصلاة المذكورة هي الفجر، يؤيد ذلك رواية ابن حبان: نام عن الفريضة، ومعنى «بال الشيطانُ في أُذنه»؛ قيل: إن الشيطان استولَى عليه، واستخف به حتى اتخذه كالكنيف المُعَد للبول؛ إذ من عادة المستخفِّ بالشيء أن يبول عليه، فمَن سمع حي على الصلاة، حي على الفلاح، ولم تؤثِّر في قلبه، فآثر لذة الدنيا على نعيم الآخرة، فإنه يعاقب بأن يبول الشيطانُ في أذنيه، ويصبح خبيث النفس كسلان.

 

يا نائمًا مستغرقًا في المنام       قُمْ واذكر الحيَّ الذي لا ينام 

مولاك يدعوك إلى ذكــــرهِ        وأنت مشغول بطيب المنام 

 

الصلاة يا مؤمنون الصلاة، الصلاة خيرٌ من النوم.

 

فمَن آثر لذَّة الوسادة على لذَّة العبادة، فقد السعادة، فيا غافلاً، متى تستيقظ من غفلتك، هل تستيقظ عند السكرات وعند القبر والظلمات؟!

 

فهيا هيا، لا تحرموا أنفسكم تلك الخيرات، فكل شيء يهون إلا ترك الصلوات.

 

إن لذة الدقائق التي تنامها وقت الفجر لا تعدل ضمةً من ضمات القبر، أو زفرة من زفرات النار، يَعَضُّ المرءُ بعدها أصابعه ندمًا أبدَ الدهر، يقول – تعالى -:: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99]؛ فتبًّا لِلَذة تعقُب ندمًا، وراحةٍ تجلب ألمًا، فوالله لو صحَّت أجسامكم، ومرضت قلوبكم، لهُنتُم على ربكم.

 

انظر إلى أنس بن مالك – رضي الله عنه – كان يبكي كلما تذكَّر فتح (تُسْتَر)، أتدري لماذا؟ لأنه فتح باب حصن (تُستَر) قبيل ساعات الفجر بقليل، و(تُسْتَر) هذه مدينة فارسية حصينة، حاصرها المسلمون سنة ونصفًا بالكامل، وانهمرت الجيوش الإسلامية داخل الحصن، ودار لقاء رهيب بين ثلاثين ألف مسلم، ومائة وخمسين ألف من فارس، وكان قتالاً في منتهى الضراوة، وفي النهاية كان النصر بفضل الله للمسلمين، ثم يبكي أنس بن مالك – رضي الله عنه – لضياع صلاة الصبح مرَّة واحدة في حياته، يبكي وهو معذور، لكن الذي ضاع منه عظيم، يقول أنس – رضي الله عنه -: وما تُستَر؟ لقد ضاعت مني صلاة الصبح، وما وددت أن لي الدنيا جميعًا بهذه الصلاة، وهنا نفهم لماذا كان يُنصر هؤلاء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].

 

وانظر إلى يحيى بن عبدالرحمن بن مهدي، يُحكَى عن أبيه أنه قام ليلة، وكان يُحْيِي الليل، فلما طلع الفجر رمى بنفسه على الفراش حتى طلعت الشمسُ، ولم يصلِّ الصبح، فجعل على نفسه ألا يجعل بينه وبين الأرض شيئًا شهرين فقرح فخذاه… سبحان الله! مجرَّد غَفْوة بعد تعبٍ من قيام الليل، ومع ذلك عاهد نفسه ألا ينام على فراش حتى تقرَّحت فخذاه لكيلا تفوتَه صلاة الفجر مرة أخرى.

 

وانظر إلى سعيد التنوخي، إذا فاتته صلاة الجماعة بكى، أتعلم ما معنى أنه يبكي؟ أي: حرقة في القلب، أسى في النفس، دمعة في العين، فهل تجد ذلك – أيها المُحب – عند ضياع صلاة الفجر؟

 

بل انظر إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أخرج الإمام مالك في موطئه (أن المِسْوَر بن مَخْرَمة دخل على عمر بن الخطاب في الليلة التي طُعِن فيها، فأيقظ عمر لصلاة الصبح وعمر مطعون طعنة قاتلة، والظرف صعب جدًّا، لكن صلاة الصبح لا تُؤخَّر، فماذا قال عمر عندما أيقظه المِسْوَر بن مخرمة! قال: نعم، ولا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى عمر وجُرْحُه يثعب دمًا!.

 

يا الله، كم كانت صلاة الصبح معظَّمة في قلوب هؤلاء، ولذلك تجد الصالحين من هذه الأمة حريصين على بَدْء القتال دائمًا بعد صلاة الصبح، (وليس قبلها)؛ حتى لا تضيع عليهم الصلاة.

 

ها هو خالد بن الوليد – رضي الله عنه – لم يكن يبدأُ قتاله إلا بعد صلاة الصبح، وكذلك يوسف بن تاشفين – رحمه الله – زعيم دولة المُرَابِطين، وقائد من أعظم قادة المسلمين، لم يَخُضْ موقعةَ (الزلاقة) المشهورة إلا بعد أن صلى الفجر بجيش المسلمين، ثم بدأ القتال.

 

قطز – رحمه الله – بدأ القتال في موقعة (عين جالوت) المشهورة ضد التتار بعد صلاة الصبح مباشرة.

 

تخيَّل لو أن رجلاً من الأغنياء وَعَدك بأنه سيُعطِيك ألفًا من الجنيهات في وقت الفجر، هل ستتخلَّف عن القيام، وتتعلل بأنك نِمْتَ متأخرًا، أم ستقوم في جد ونشاط؛ لتحصيل الألف جنيه؟ فما بالك وأن صلاة الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها، وهل تحب أن يكون معك مال الدنيا في قبرك، وليس معك صلاة الفجر، أم يكون معك صلاة الفجر وليس معك جنيه واحد؟ أجب بصراحة! ولو أن رجلاً ذا مركزٍ مرموق طلب منك الحضور قبل صلاة الفجر، هل ستتخلف؟ ما أظن أن تتخلف.

 

اعلم أيها الغافل، يا مَن أضعت صلاة الفجر، أن أعداء الإسلام يعترفون أن النصر والتمكين للأمة الإسلامية سيكون على أيدي رجال الفجر.

 

يقول اليهود: لن تستطيعوا أن تنتصروا علينا حتى يكون عدد المسلمين في صلاة الفجر كعددهم في صلاة الجمعة، نعم إن كل عاقل يُدرِك يقينًا أن نصرَ هذه الأمة ورِفْعَتها سيكون ولا شك على أيدي رجالِ الفجر، فصلاة الفجر مُلتقى الأبرار، وزاد الأبطال، وسر العظمة والرفعة، وهي أهم أدوات النصر.

 

فها هو صلاح الدين الأيوبي: يُربِّي جيشه ويحفزه على الصلاة، وخصوصًا قيام الليل وصلاة الفجر، وكلما مرَّ على قوم يصلُّون يقول: من هنا يأتي النصر، وكلما مرَّ على قومٍ نائمين يقول: مِن هنا تأتي الهزيمة… فلما نصَرَ اللهَ – وذلك بامتثال ما أمر والانتهاء عما نهى عنه زجر – كان النصر حليفه، وصدق ربُّنا حيث قال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40]؛ فكيف ينصر الله المسلمين وهم يضيعون فرضًا من فروضه؟

 

وكيف ينامُ المسلمون عن صلاة الفجر، ثم يرفعون أيديَهم يطلبون النصر والتمكين؟! وهل تنشأ يقظة من غفلة؟ أو نهضة من رقود؟

 

إن الطريق إلى الفلاح والتمكين يبدأ من المحراب، مرَّ معنا كيف كان القادة يسيِّرون الجيش بعد صلاة الفجر، ويكون النصر حليفهم في الصباح، ويتبدل الحال، فيا غافلاً عن أشرف الأوقات، اعلم أن وقت الصبح هو وقت التغير من الظلم إلى العدل، ومن الفساد إلى الصلاح.. انظر متى كان هلاك قوم لوط، قال – تعالى -: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود: 81]؛ فكان هذا التغير في هذا التوقيت؛ لأنه أول لحظات النور بعد الظلام، وأول لحظات العدل بعد الظلم، والصلاح بعد الفساد.

 

حتى مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان التغيير في وقت الصباح، حتى إنه كان يقول: «إنا إذا نزلنا بساحةِ قومٍ فساء صباحُ المُنذَرين»؛ فهذا هو وقت التغيير، ووقت الجهاد، ووقت التمكين.

 

وعندما أقسم الله بالخيول التي تُجَاهدُ في سبيلِ الله – عز وجل – أقسم بالخيول التي تُغيرُ على الأعداء في وقت الصباح، قال – سبحانه -: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} [العاديات: 1 – 3]، وسيظلُّ هذا التغيير في هذا التوقيت إلى يوم القيامة، ففي اللحظاتِ الأخيرة من عمر الأرض سيكون التغيير والإصلاح والتمكين لأولئك الذين يحافظون على صلاة الفجر في جماعة، فنزول المسيح – عليه السلام – إلى الأرض، واستقرار العدل في الأرض سيكون في صلاة الفجر.

 

والجيلُ الذي يستحق استقبال المسيح – عليه السلام – جيل يحافظ على صلاة الفجر؛ أخرج ابن ماجه عن أبي أُمامة الباهلي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إنه لم تكنْ فتنةٌ في الأرض منذ ذرأ الله ذريَّة آدم أعظم من فتنة الدجَّال، وإن الله لم يبعث نبيًّا إلا حذَّر أُمته الدجال، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة»، ثم بدأ النبي – صلى الله عليه وسلم – يتحدث عن صفات الدجَّال، وعن الأحداث المُصاحبة له، وعن يأجوج ومأجوج، ثم بدأ يتحدَّث عن اللحظات الأخيرة في الأرض، فتحدَّث عن طائفة المؤمنين التي سينزل فيها المسيح – عليه السلام – ليُقِيم العدل في الأرض من جديد، بشريعة محمد – صلى الله عليه وسلم – فقال: «وجُلُّهم ببيت المقدس»؛ أي: جُلُّ المؤمنين آنذاك ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم يُصلي بهم الصبح؛ إذ نزل فيهم عيسى ابن مريم الصبح، فيرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القَهْقَرى؛ ليتقدم عيسى يصلِّي بالناس فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثم يقول: تقدَّم فصلِّ؛ فإنها لك أُقِيمت، فيُصلي بهم إمامهم؛ انتهى كلام الشيخ ندا أبو أحمد.

_______________________________________________
الكاتب:فتحي حمادة


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

الشدة والفرح – علي بن عبد العزيز الشبل

«إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» جاءت هٰذِه الكلمة دلالةً عَلَىٰ ما في قلوب المؤمنين، من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *