من آداب الصيام: تأخير السحور

منذ حوالي ساعة

تأخير السحور يجعل الإنسان يتعرض للوقت المبارك (وقت السحر)، فوقت السحور وقت مبارك من جهات متعددة، فهو وقت النزول الإلهي، وهو وقت إجابة الدعوات…

يُعد تأخيرُ السحور أعونَ على الصوم، وأرفق بالصائم، وفرصة لاغتنام وقت السحر، وأسلم من النوم عن صلاة الفجر، وهناك من الأدلة التي تدل على استحباب تأخير السحور منها: ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  «لا يزالُ الناسُ بخيرٍ ما عجَّلُوا الفطرَ» ، زاد الإمام أحمد:  «وأخَّرُوا السُّحُورَ» .

 

وأخرج البخاري ومسلم عن أنس عن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قال: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلَاةِ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: قدر خَمْسِينَ آيَةً.

 

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله كما في فتح الباري، 4/ 138: قال المهلب وغيره: فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن، وكانت العرب تقدر الأوقات بالأعمال؛ كقولهم: قدر حلب شاة، وقدر نحر جزور، فعدل زيد بن ثابت رضي الله عنه عن ذلك إلى التقدير بالقراءة، إشارة إلى أن ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة، وقال بن أبي جمرة: كان صلى الله عليه وسلم ينظر ما هو الأرفق بأمته فيفعله؛ لأنه لو لم يتسحر لاتَّبعوه فيشق على بعضهم، ولو تسحر في جوف الليل لشقَّ أيضًا على بعضهم ممن يغلب عليه النوم، فقد يفضي إلى ترك الصبح، أو يحتاج إلى المجاهدة بالسهر، وقال: فيه أيضًا تقوية على الصيام لعموم الاحتياج إلى الطعام، ولو ترك لشق على بعضهم، ولا سيما من كان صفراويًّا، فقد يغشى عليه، فيفضي إلى الإفطار في رمضان.

 

وقال أيضًا: وفي الحديث تأنيس الفاضل أصحابه بالمؤاكلة، وجواز المشي بالليل للحاجة؛ لأن زيد بن ثابت ما كان يبيت مع النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه الاجتماع على السحور، وفيه حسن الأدب في العبارة؛ لقوله: تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل: نحن ورسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما يشعر لفظ المعية بالتبعية؛ (فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر:4/ 138).

 

وأخرج النسائي في السنن الصغرى عن زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ قَالَ: تَسَحَّرْتُ مَعَ حُذَيْفَةَ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلَاةِ، فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا إِلَّا هُنَيْهَةٌ؛ (قال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد).

 

وأخرج البخاري من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «لَا يَمْنَعَنَّ أحَدَكُمْ أذَانُ بلَالٍ مِن سَحُورِهِ، فإنَّه يُؤَذِّنُ – أوْ- يُنَادِي بلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ، ولِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ…» ، وأخرج النَّسَائِيُّ عَنْ أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «يا أنس، إني أريد الصيام، أطعمني شيئًا» ، فأتيته بتمر وإناء فيه ماء، وذلك بعدما أذن بلال؛ أي بعد الأذان الأول.

 

وأخرج الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثٌ من أخلاقِ النُّبوةِ: «تَعجيلُ الإفطارِ، وتأخيرُ السُّحورَ، ووضْعُ اليمينِ على الشِّمالِ في الصلاةِ»؛ (صحيح الجامع: 3038).

 

وتأخير السحور يجعل الإنسان يتعرض للوقت المبارك (وقت السحر)، فوقت السحور وقت مبارك من جهات متعددة، فهو وقت النزول الإلهي، وهو وقت إجابة الدعوات، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  «يَنْزِلُ رَبُّنا – تَبارَكَ وتَعالَى – كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له» ؟.

 

وهو أيضًا من أفضل أوقات الاستغفار، وقد أثنى الله تعالى على المستغفرين في هذا الوقت قال: تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران:17]، وتأخير السحور يجعل الإنسان يدرك صلاة الفجر في وقتها؛ لأن النائم قد تفوته صلاة الفجر، أما الذي يُؤخِّر السحور، فهو أقرب الناس حفاظًا على هذه الصلاة العظيمة التي قال تعالى عنها: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}[الإسراء: 78]؛ قال المفسرون: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ}؛ أي: صلاة الفجر، وسميت قرآنًا، لمشروعية إطالة القرآن فيها أطول من غيرها، ولفضل القراءة فيها؛ حيث شهدها الله، وملائكة الليل وملائكة النهار، والتي قال عنها صلى الله عليه وسلم:  «ومن صلَّى الصبح في جماعة فكأنما صلَّى الليل كله»؛ (رواه مسلم)، كما أن تأخير السحور أضمن لإجابة المؤذن بصلاة الفجر ومتابعته، ولا يخفى ما في ذلك من الأجر والثواب، وكان صحابة النبي يسمون السحور بالفلاح، فقد أخرج الإمام أحمد والنسائي وابن خزيمة والحاكم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال في حديث: …. ثم قمنا معه – أي النبي صلى الله عليه وسلم ليلة سبع وعشرين، حتى ظننا أنا لا ندرك الفلاح، وكنا ندعو السحور الفلاح.

 

وأخرج أبو داود والنسائي من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال في حديث له: …… فلما كانت الرابعة لم يقم – أي النبي صلى الله عليه وسلم – فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور، ثم لم يقم بنا بقية الشهر…..؛ الحديث.

 

فما أسعدك يا عبد الله، يا مَن أطعت الله واستجبت لأمره، تأكل الأكلة، تكون لك فيها كل هذه البركة.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

آثار التدين بالإسلام في حياة المسلم

إن من آثار التدين بدين الإسلام معرفة الإنسان للغاية من وجوده في هذه الحياة، وهي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *