سجين بلا قيود – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة

إن اللسان عضو هامٌّ في حركة الحياة الدينية والدنيوية، ولكننا نريد هنا أن نضبط إيقاع الحياة بشقَّيها الديني والدنيوي، فلا خير في حياة غير متوازنة بشرع الله، وغير منضبطة بخالقها، مرتبطة به؛ من هنا جاء الشرع مبينًا أهمية اللسان من أربعة جوانب:

قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: 24]، وقال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} [البلد: 8، 9].

 

أهمية اللسان في الدين:

إن اللسان عضو هامٌّ في حركة الحياة الدينية والدنيوية، ولكننا نريد هنا أن نضبط إيقاع الحياة بشقَّيها الديني والدنيوي، فلا خير في حياة غير متوازنة بشرع الله، وغير منضبطة بخالقها، مرتبطة به؛ من هنا جاء الشرع مبينًا أهمية اللسان من أربعة جوانب:

1- علاقة اللسان بالجوارح.

 

2- علاقة اللسان بالقلب.

 

3- علاقة اللسان بالنفس.

 

4- علاقة اللسان بالآخرين.

 

علاقة اللسان بالجوارح:

جاء في الحديث: حدثنا محمد بن موسى البصري، أخبرنا حماد بن زيد عن أبي الصهباء، عن سعيد بن جبير عن أبي سعيد الخدري رفعه قال:  «إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، فتقول: اتقِ الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإنِ اعوججت اعوججنا» [1].

 

علاقة اللسان بالقلب:

جاء في الحديث: روى البخاري من حديث أنس:  «لا يؤمن عبدٌ حتى يكون لسانه وقلبه سواء، وحتى يأمن جاره بوائقه، ولا يخالف قوله فعله» [2]، ومعروف أن كل ما يكون في القلب ينعكس في الجوارح؛ إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر، وعلى هذه الصلة الوثيقة بين القلب واللسان تكون أصنافُ العباد ومراتب إيمانهم، فكلما زاد الإيمان زادت مواطأة القلب للسان، وقلَّ الرياء والنفاق، والعكس صحيح؛ كلما قل الإيمان قلت درجة مواطأة القلب للسان، وزاد الرياء والنفاق؛ قال تعالى: {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} [آل عمران: 167].

 

علاقة اللسان بالنفس:

يسمى الكلام هنا بحديث النفس؛ وقد جاء في الحديث: خرج الدارقطني من رواية ابن جريج، عن عطاء، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها، وما أُكرهوا عليه إلا أن يتكلموا به أو يعملوا به» [3]، أما علاقة النفس بالقلب فكلما زاد الإيمان تحولت النفس من الأمارة بالسوء إلى اللوامة إلى المطمئنة، والطمأنينة وصف تتصف به النفس والقلب؛ قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، وقال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27 – 30].

 

علاقة اللسان بالآخرين:

أولًا اللسان هو العضو الذي تخاطب به الآخرين، فتسمع منهم ويسمعون منك؛ من هنا جاءت اللغات لتميز مختلف الألسنة، وقد جاء القرآن بلغة العرب حتى يكون واضحًا لهم؛ قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 192 – 195]، كذلك جعل الشرع للسان أهمية كبرى، فأول ما يبدأ به العبد الدخول في الإسلام هو النطق بالشهادة، بل وحسن الخاتمة لا تكون إلا بها، فتكون المسافة الزمنية التي يقطعها اللسان بين الشهادتين أعلاه هي عمر العبد الصالح الذاكر دومًا لله، وتكون المسافة المكانية التي يقطعها اللسان بين الشهادتين أعلاه هي كل مكان ذكر فيه العبد الصالح اسم الله، وتكون المسافة الروحية التي يقطعها اللسان بين الشهادتين هي ثقل الميزان يوم القيامة، وحسن الأجر والثواب، كذلك نشر الدعوة يتم باللسان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك ما لا يعني من القول، وكف أذى الآخرين، وعدم إيذائهم بفاحش القول؛ إلخ، وجماع هذا كله أن اللسان به يدخل العبد النار، وبه يدخل الجنة، وهو ما يخفى على كثير من الناس؛ كما خفي على معاذ بن جبل حتى سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أنؤاخذ بما نتكلم به؟ قال: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟»، وقال تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: 80]، ويجب على العبد اتباع أحسن ما يسمع؛ قال تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 18].

 

الجانب العلمي المتوافق مع الجانب الديني:

اللسان لا يعمل إلا في وجود الهواء الخارجي وهو الأوكسجين، وهو لا يعمل من ناحية التغذية الجسدية إلا بالشرايين التي تتغذى من أوكسجين الرئة، فيتم التوافق بين أوكسجين الرئة مع أوكسجين الهواء الخارجي، لتتم كلتا العمليتين، فتنتج الحركة وهي الكلام، ويتوافق هذا مع الذكر الذي يغذي هذا اللسان من الناحية الروحية، وهو الكلام الطاهر بلغة الدين، لتتحد طهارة الكلام مع طهارة الهواء النقي بلغة العلم، فيجتمع النقاء مع الطهارة، ليكونا حديث العبد الصالح وكلامه باللسان، وسبحان الله الخالق!

 

وما التوفيق إلا من عند الله.

 


[1] الترمذي، ج4، أبواب الزهد، حديث رقم 2518، ص13.

[2] إتحاف السادة المتقين، الزبيدي، ج6/ 306، وكنز العمال في سنن الأقوال والأفعال لابن حسام الدين الهندي، حديث رقم 97.

[3] كتاب ابن رجب الحنبلي في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم، حديث رقم: 39، ص392.

_________________________________________
الكاتب: أ. محاسن إدريس الهادي


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

كيف حال خواطرك؟ – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة من راقب الله في خواطره، عصمه الله في جوارحه، فلا يستعملها إلا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *