القرآن شفاء وراحة للقلوب وللعقول لمن يتدبره بحق

منذ حوالي ساعة

ما مِنْ أحدٍ مِنَ البشر إلا وتأتي عليه أوقاتٌ يضيق فيها صدره، ويشعر بالهمِّ والحزن والكآبة، ويحتاج في هذه الأوقات إلى دواءٍ ينشرح به صدره، ويذهب به همُّه وغمُّه، وتهدأ به ثورات عقله، والدواء بين أيدينا…

ما مِنْ أحدٍ مِنَ البشر إلا وتأتي عليه أوقاتٌ يضيق فيها صدره، ويشعر بالهمِّ والحزن والكآبة، ويحتاج في هذه الأوقات إلى دواءٍ ينشرح به صدره، ويذهب به همُّه وغمُّه، وتهدأ به ثورات عقله، والدواء بين أيدينا؛ اسمع إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57]، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82].

 

تأمل هذه القصة؛ سأل الحفيد جَدَّه، أنت لا تحفظ القرآن، فما الفائدة من القراءة؟! فطلب الجَدُّ من الحفيد أن يملأ سلَّةَ الفحم الْمُتَّسِخَة من البحر، فتعجَّب الصبي، لكن ذهب احترامًا لكلام جَدِّه، فذهب الصبي ورجع عدة مرات، والماء ينفذ من فتحات السلة، فقال لجده: ما الفائدة والماء ينفذ؟ فسأله الجد: ألم تلاحظ شيئًا؟ قال: نعم، فقط السلة أصبحت نظيفة من الداخل، فقال الجد: وهكذا القرآن ينظف داخل الإنسان، إذا قرأه وكرر قراءته.

 

فالقرآن يحتاج منا إلى تدبر؛ كما ذكر سبحانه وتعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وسنركز في هذا المقال على ثلاثة عناصر:

1- تدبر في تعامل القرآن مع الطبيعة البشرية (طبيعة الإنسان).

نفس الإنسان تتأذى من كلام يُلقى عليها كالحجارة، كالسهام، كالخناجر وأحيانًا لا تستطيع الرد (رد الإساءة بالإساءة)، في أوقات كثيرة، لكن يشعر الإنسان بضيق شديد في صدره، وكَمَدٍ في نفسه، فما الحل؟ وما السبيل؟

 

فلو تأملت في القرآن، وتدبَّرت، وبحثت عن كيف نحمي أنفسنا من أثر الكلمة السيئة على القلب، لَوجدتَ القرآن يشير في ثلاثة مواضع لحماية القلب من أثر الكلام السيئ:

{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الحجر: 97، 98].

 

{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39].

 

{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130].

 

• التسبيح يحمي القلب من أثر الكلام السيئ، ويُورِثُك شعورًا بالرضا يستقر في القلب.

 

ألَا يحتاج هذا إلى تدبر؟ بلى يحتاج.

 

2- توسيع المفاهيم:

نقرأ أو نسمع هذه الآية ونظنه سؤالًا، ونبحث عن الإجابة، فلا نجد، لماذا؟

 

{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1].

 

{فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين: 34 – 36].

 

لأن هل بمعنى قد؛ أي: قد أتى على الإنسان حين من الدهر[1].

 

مثال 2: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].

 

لا راحة للمؤمن إلا بلقاء ربه.

كثيرًا منا يفهم هذه العبارة فَهمًا محدودًا؛ إذ لا يُشترَط أن يكون اللقاء فقط بعد الموت، كيف ذلك؟!

 

مجالس العلم لقاء، والذكر لقاء، والتفكُّر لقاء، والصلاة لقاء، والصدقة لقاء، والمناجاة لقاء، وقيام الليل لقاء، وبر الوالدين لقاء، وقراءة القرآن لقاء، وصلة الأرحام لقاء، وزيارة المريض لقاء، والأدب مع الناس لقاء، والتودد إلى الناس لقاء، وتفريج كربات المسلمين لقاء، فهل أدركنا كم فرصة للقاء الله؟

 

مثال 3: كلمة يتلو بمعنى التلاوة: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} [النمل: 91، 92]، {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [البقرة: 121].

 

المعنى الآخر لكلمة (يتلو): يتبع؛ إذًا معنى يتلونه حق تلاوته: أي: يتبعون أوامره حقَّ الاتباع.

 

3- تدبر القرآن في تربية وتهذيب للنفس:

ما تمارسه يوميًّا سوف تتقنه بكفاءة عالية، فعندما تمارس القلق ستقلق لأتفه الأمور، وعندما تمارس الغضب ستغضب بدون سبب؛ لذا مارس الطمأنينة لتُتقن السَّكِينة، ومارس التفاؤل والأمل لتُتقن راحة البال، ومارس الثقة وحسن الظن بالله في حياتك، تَنْعَم بالسعادة والأمان والخير.

 

ماذا تألف؟

إن أكثرتَ من تلاوة القرآن ألِفْتَهُ.

وإن أكثرت من الصيام ألِفْتَهُ.

وإن أكثرت من الصدقة ألِفتَها.

وإن أكثرت من الذِّكْرِ ألِفْتَهُ.

وإن طلبتَ العلمَ ألِفْتَه.

وإن أكْثَرْتَ من قيام الليل ألِفْتَهُ.

 

قال ابن القيم رحمه الله: “ولا يزال العبد يعاني الطاعة ويألفها، ويحبها ويُؤثِرها، حتى يرسِلَ الله سبحانه وتعالى برحمته عليه الملائكة تؤزُّه إليها أزًّا، وتحرِّضه عليها، وتُزْعجه عن فراشه ومجلسه إليها”[2].

 

أين نجد هذا؟

قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، ويوضِّح ذلك حديثُ النبي عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما العلم بالتعلُّم، وإنما الحِلْمُ بالتحلُّم، من يتحرَّ الخيرَ يُعْطَهُ، ومن يتَّقِ الشر يُوقَه»[3].

 

ونخرج من هذا الحديث القصير بوصايا عملية:

• اقرأ وتدبر واعمل.

• اصطحب كتابًا؛ مثل: أول مرة أتدبر القرآن.

• رتِّب لقاءك مع القرآن، كما ترتِّب أي لقاء مع شخص مهمٍّ.

• لا بد أن تنتظم في وردك القرآنيِّ يوميًّا، مهما كانت الظروف.

 


[1] معاني القرآن للفراء (3/ 213).

[2] الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء (ص: 56)

[3] المعجم الأوسط (3/ 118).

______________________________________________
الكاتب: د. محمد إبراهيم حسن عثمان


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

الشدة والفرح – علي بن عبد العزيز الشبل

«إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» جاءت هٰذِه الكلمة دلالةً عَلَىٰ ما في قلوب المؤمنين، من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *