الإنسان الآلة – طريق الإسلام

نستطيع أن نَفِيد فائدة ليست بالقليلة من كل الناس، ومِن كل فكر، ومن كل علم، ولكن بشرط حسن الاستغلال، ووضع الأمور في مواضعها، نستطيع أن نجمع إلى مثل هذا الإنسان (الآلة) آخرَ مبدعًا.

كلنا نسمع عن الإنسان الآلي، أو الرجل الآلي، أو (الروبوت)، وكثيرون هم الذين يتابعون تطوراتِه، وأحدث تقاناته، وفي حقيقة الأمر هو عبارة عن آلة تشبه الإنسان في شيء معين: إما في الحركة، أو الشكل، أو بعض التصرفات، وباختصار آلة فيها شَبَهٌ بالإنسان؛ ولكن هل لهذا المفهوم عكس مقبول؟ بمعنى أنه: هل يمكن أن يكون هناك إنسان يشبه الآلة؟!

كان لي صديق على عِلمٍ، وفهم، وفكر في أعلى المستويات، وكنت في كثير من الأحيان أناقشه في مجالات مختلفة وتعجبني آراؤه، وأزداد فيه ثقة وإعجابًا، وذات مرة وفي إحدى المناقشات طلبتُ منه أن يقترح أفكارًا حول موضوع معين، أو يبدع شيئًا لنعمل معًا، فأجاب: أنا لا أكتشف أو أبدع، ولكن أعمل ما يُطلب مني.

وقفت مع نفسي لحظة، هل هذا معقول؟! نعم، لقد تأكدت من ذلك عندما فكرت في أصدقاء لي كُثُر على هذه الشاكلة، نعم هم كثير، ليست الفكرة جديدة عليَّ؛ بل يوجد من الناس مَن هم كالآلة، ولكنني كنت أظن أن هذا النوع من الناس، لا يكون إلا في المجال العملي، الذي يعتمد على الجسم؛ كالزراعة، والبناء، والحمل، ونحو ذلك، أما في الناحية الفكرية فكان هذا الأمر جديدًا عليَّ، وما أن فكرت مليًّا بالوضع حتى ثبتت عندي هذه الفكرةُ، فقد وقع لي مع عددٍ لا بأس به من الأصدقاء – مثلُ هذا الأمر؛ ولكنني لم أنتبه لهذه الناحية، وبعضهم مَن يطلب منه عملُ مشروع، فيه مردود مادي، ولكنه لا يستطيع أن يبدأ أو يبدع مشروعًا؛ لأنه يستطيع أن يعمل وحسب، كما نجد أناسًا على العكس تمامًا، قد لا يكون ملمًّا بالقراءة والكتابة، ولكنه يدير مشروعات ليست بالصغيرة.

والسؤال الذي يمكن أن يرد هو: هل هذه صفة ذميمة، أو جيدة، أو لا توصف بهذا ولا ذاك؟

يحضرني الآن حديث للنبي – صلى الله عليه وسلم -: «لا يَفرَكْ مؤمنٌ مؤمنة، إن سخط منها خُلقًا، أعجبه منها خلقٌ آخر»، وإنه لحديث عظيم مفيد في هذا المجال، بمعنى أننا نستطيع أن نَفِيد فائدة ليست بالقليلة من كل الناس، ومِن كل فكر، ومن كل علم، ولكن بشرط حسن الاستغلال، ووضع الأمور في مواضعها، نستطيع أن نجمع إلى مثل هذا الإنسان (الآلة) آخرَ مبدعًا، فنحصل على شركة يمكن أن تنتج، ولكن قبل هذا علينا أن نكتشف مثل هؤلاء، وندرك إدراكًا تامًّا ما يمكن أن يقوم به كلٌّ ممن هم حولنا.

على أن ظاهرة اكتشاف المواهب، ليست واضحة تمامًا إلا فيما يسمى بسوق الفن؛ كثيرًا ما نسمع أن الملحن الفلاني اكتشف صوتًا جميلاً، أو أن هذا المخرج أو المنتج اكتشف موهبةً شابة، في شخص يمكن أن يكون له مستقبل فني، أو غير ذلك؛ على حين أنه من الندرة بمكان أن يحصل هذا على المستوى الفكري، وهذا ما يأخذ من الصدر نفسًا عميقًا، ومن العقل شرودًا طويلاً، ومن القلب ألمًا وحسرة؛ لأن الفكر هو الجسر الذي تعبر عليه طموحات المستقبل، والأساس الذي يبنى عليه مستقبل الطموح.

إن مِن الناس مَن يملك من الإمكانات والقدرات الهائلة، ما يكون له أثره الواضح، وفائدته الجلية، ولكن في أغلب الأحيان تُدفن هذه الطاقاتُ؛ بسبب عدم قدرة صاحبها على إظهارها، وعدم اكتشافها ممن يمكن أن يحولها إلى أعمال واقعة، كثير من هؤلاء الناس يَضِيعون وسط ازدحام الحياة، تُهضم حقوقهم، وتخفى فائدتهم، ولو أعطوا حقَّهم لكان لهم حظ وافر في بناء التاريخ، وبعضهم يقع تحت سيطرة مَن يستخدمهم لمصالحه، ويحصر طاقاتهم ضمن ما يحتاجه، وقليل منهم مَن أخذ مكانه، وعرفت مكانته، مثل هؤلاء الناس فائدتهم عظيمة؛ بشرط أن تستغل قدراتهم بطريقة صحيحة.

قال مخترع أول صراف آلي عندما سئل عن دقة وصعوبة ما اخترع: لم يكن الأمر صعبًا عليَّ؛ لأنني كنت مختصًّا وأعرف ما أريد، وهذا ما نحتاج إليه، نحتاج ممن يستطيع أن يدير الأمور، ويبدع ويكتشف، أن يكتشف قبل المشروعات مَن يمكن أن يقوم بها حقَّ القيام، وألاَّ يبخس الناسَ حقَّهم عندما يكتشف فيهم الإمكانات المطلوبة، نحتاج بالإضافة إلى التنقيب عن الذهب والنفط التنقيبَ عن الرجال.

 _______________________________________________________
الكاتب: 
مصطفى محمود سليخ


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم

منذ حوالي ساعة الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *