منذ حوالي ساعة
مشاهد من أحداث غزوة أحد، تبين قوة المعركة وإيمان الصحابة رضي الله عنهم.
• كانت أم أيمن حاضنة الرسول صلى الله عليه وسلم تسقي الماء، فرماها ابن العرقة بسهم فأصاب ذيلها – طرف ثوبها – فضحك، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم سهمًا إلى سعد بن أبي وقاص وقال: «ارمِه»، فرماه فأصابه، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «استقاد –اقتص من خَصمها– لها سعد، أجاب الله دعوتك، وسدَّد رميتك».
• أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا أن ينظر في القتلى، فوجد بين القتلى سعد بن الربيع وبه رمق، فقال: أبلغ رسول الله مني السلام، وقل له: جزاك الله خير ما جزى نبيًّا عن أمته، وأبلغ قومي السلام، وقل لهم: لا عُذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أذى وفيكم عين تطرف، ثم مات.
• وجد حمزة ببطن الوادي وقد بقر بطنه عن كبده ومُثِّل به، فحين رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن تحزن صفية –أخت حمزة– أو تكون سنَّة بعدي، لتركته حتى يكون في أجواف السباع وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش لأمثلن بثلاثين رجلًا منهم»، وقال المسلمون: لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب، فأنزل الله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126]، فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبر ونهى عن المُثلة، وأخبرت صفية بما حصل لحمزة فأقبلت لتراه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لولدها الزبير ليردها كيلا تراه وهو على هذه الحالة، فأعلمها الزبير بذلك، فقالت: لأحتسبن ولأصبرن، فما أرضانا بما كان، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بما قالت، أذن لها برؤيته – علم رباطة جأشها وقوة إيمانها • فأتت ودعت له واسترجعت، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفنه.
• وكان في المسلمين رجل اسمه قزمان، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه من أهل النار»، فخرج يوم أُحد ولحق بالمسلمين في أُحد وحمل قوسه وتقلد سيفه ثم قاتل قتالًا شديدًا، وقتل ثمانية أو تسعة من قريش، وجُرح، فحُمل إلى بيته، وقيل له: أبشر قزمان، فقال: بمَ أبشر وأنا ما قاتلت إلا عن أحساب قومي؟ ثم اشتد عليه جرحه، فأخذ سهمًا فقطع عروقه فنزف فمات، فأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أشهد أني رسول الله».
• وفي المقابل ذُكر رجل يدعى الأصيرم، واسمه عمرو بن ثابت، فقد كان منكِرًا على قومه أن دخلوا في الإسلام، ويوم أُحد بدا له فأسلم والتحق بالمسلمين وقاتل قتال الأبطال، وقد وُجد بين القتلى في الرمق الأخير، فقالوا: هذا الأصيرم، فقالوا: ما جاء بك؛ أحدَبٌ على قومك أم رغبة في الإسلام؟ فقال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله وبرسوله، وأسلمت، ثم أخذت سيفي وغدوت فقاتلت حتى أصابني ما أصابني، فلم يلبث أن مات، فذكر خبره لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «هو مِن أهل الجنة».
• مخيريق اليهودي، جمع اليهود وقال لهم: تعلمون أن نصرة محمد عليكم حق، فقالوا: إن اليوم السبت، فقال: لا سبت، وأخذ سيفه وعدته، وقال: إن قُتلت فمالي لمحمد يصنع به ما يشاء، ثم غدا فقاتل حتى قتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مخيريق خيرُ يهودَ».
• قُتل في هذه الغزوة اليمانُ أبو حذيفة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد رفعه في الحصن هو وثابت بن قيس مع النساء؛ لكبر السن، وعند احتدام المعركة قال اليمان لثابت: ما ننتظر؛ أفلا نأخذ أسيافنا فنلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنقاتل؛ لعل الله يرزقنا الشهادة؟! ففعلا ودخلا بين المقاتلين والمعركة محتدمة، فقتل المشركون ثابتًا، كما أن المسلمين لم يميزوا اليمان وظنوه مع المشركين فضربوه بسيوفهم، وفي اللحظة الأخيرة اكتشفه ولده حذيفة فصاح: أبي.. أبي! فقالوا: ما عرفناه، فقال: يغفر الله لكم، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطي ولده الديَة، لكن حذيفة تصدق بها.
• شرع المسلمون في دفن قتلاهم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يدفنوا حيث صرعوا، وكان يُدفَنُ الاثنان والثلاثة في القبر الواحد، وأن يقدم إلى القبلة أكثرهم قُرْآنًا، وصلى عليهم، فكان كلما أتي بشهيد جعل حمزة معه وصلى عليهما، وقيل: كان يجمع تسعة من الشهداء وحمزة عاشرهم فيصلي عليهم، ودفن ابن الجموح وعبدالله بن حرام في قبر واحد، كانا متصافِيَيْنِ في الدنيا.
• في أثناء منصرفه صلى الله عليه وسلم من أُحد لقيته حمنة بنت جحش، فنعى لها أخاها عبدالله، فاسترجعت له • إنا لله وإنا إليه راجعون – ثم نعى لها خالها حمزة، فاستغفرت له، ثم نعى لها زوجها مصعب بن عمير، فولولت وصاحت، فقال: «إن زوج المرأة منها لبمكان»، ومر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بدار من دور الأنصار فسمع البكاء والنواح، فذرفت عيناه فبكى، قال: «لكن حمزة لا بواكي له»، فرجع سعد بن معاذ إلى دار بني عبدالأشهل فأمر نساءهم أن يذهبن فيبكين على حمزةَ.
• ومر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من الأنصار قد أصيب أبوها وزوجها، وقيل: ابناها، وهي السميراء بنت قيس، فلما نُعِيا لها قالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه، فلما نظرت إليه قالت: كل مصيبة بعدك يا رسول الله جَلَلٌ؛ أي: هينة.
• أقبل ثابت بن الدحداحة يومئذ والمسلمون أوزاع – جماعات متفرقة بعد أن دارت عليهم الدائرة – قد سُقط في أيديهم، فجعل يصيح: يا معشر الأنصار، إليَّ إليَّ أنا ثابت بن الدحداحة، إن كان محمد قد قُتل فإن الله حي لا يموت، فقاتلوا عن دينكم؛ فإن الله مظهركم وناصركم، فنهض إليه نفر من الأنصار، فجعل يحمل بمن معه من المسلمين، وقد وقفت لهم كتيبة خشناء، فيها كبارهم، خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب – كلهم أسلموا فيما بعد – فقاتلهم ابن الدحداحة حتى أنفذ خالدٌ الرمحَ في صدره وقتل من كان معه من الأنصار، وهؤلاء آخر من قتل في هذه المعركة.
• قال ضرار بن الخطاب يذكر معركة أُحد: فلما خرجنا إلى أُحد وأنا أقول: إن أقاموا في صياصيهم فهي منيعة لا سبيل لنا إليهم، نقيم أيامًا ثم ننصرف، وإن خرجوا إلينا من صياصيهم أصبنا منهم – لتفوق عددنا وعدتنا – فقضي لهم فخرجوا، فوالله ما أقمنا لهم حتى هزمنا وانكشفنا مولين، فقلت في نفسي: هذه أشد من وقعة بدر، وجعلت أقول لخالد بن الوليد: كر على القوم، فيقول لي: وترى وجهًا نكر فيه؟ حتى نظرت إلى الجبل الذي كان عليه الرماة خاليًا، فقلت: أبا سليمان، انظر وراءك، فعطف عنان فرسه، فكر وكررنا معه، فانتهينا إلى الجبل فلم نجد عليه أحدًا له بال، وجدنا نفيرًا فأصبناهم ثم دخلنا العسكر والقوم غارُّون ينتهبون العسكر، فأقحمنا الخيل عليهم فتطايروا في كل وجه.
• أقبل وهب بن قابوس المزني ومعه ابن أخيه الحارث بن عقبة، بغنم إلى المدينة فوجداها خِلْوًا، فسألا: أين الناس؟ قالوا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتال قريش، فلحقا بالجيش، ووصلا والدائرة على قريش والمسلمون في معسكرهم ينتهبون وهم على ذلك إذ طلعت عليهم خيل المشركين، فقاتلا، ثم انفرقت فرقة من خيل المشركين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن لهذه الفرقة»؟، فقال وهب بن قابوس المزني: أنا يا رسول الله، فقام فرماهم حتى انصرفوا، ثم رجع، فانفرقت فرقة أخرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن لهذه الكتيبة»؟، فقال المزني: أنا يا رسول الله، فقام فذبها بالسيف حتى ولوا، ثم رجع، ثم طلعت كتيبة أخرى، فقال: «من يقوم لهؤلاء»؟، فقال المزني: أنا يا رسول الله، فقال: «قم وأبشر بالجنة»، فقام مسرورًا وهو يقول: والله لا أقيل ولا أستقيل، فقام فجعل يدخل فيهم فيضرب بالسيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه والمسلمون، حتى خرج من أقصاهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم ارحمه»، ويرجع فيهم، فما زال كذلك وهم محدقون به حتى اشتملت عليه أسيافهم ورماحهم فقتلوه، فوُجد به عشرون طعنة برمح كلها في مقتل، وقد مثل المشركون به، ثم قاتل ابن أخيه مثل قتاله حتى قتل، فكان عمر بن الخطاب يتمنى مِيتة كالمزني.
• شاركت النسوة في نقل المياه، وكان منهن عائشة بنت أبي بكر وفاطمة بنت محمد وأم سليم بنت ملحان، وأم عمارة نسيبة بنت كعب، أما أم عمارة فقد تحولت إلى مقاتلةٍ شجاعة لما رأت ما حل بالمسلمين، قالت: فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمي عنه بالقوس حتى خلصت الجراح إليَّ، فقد أصابها ابن قمئة بضربة سيف على عاتقها كان لها أثر بليغ، علمًا بأنها ضربته عدة ضربات فلم تؤثر فيه، فقد كان عليه درعان، وكان ابنها قد أصيب؛ حيث ضربه مشرك في عضده فنزف ولم يرقأ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: «اعصب جرحك»، فأقبلت أم عمارة ومعها عصائب فعصبته، ثم قالت: قم فضارِبْ، فنظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «ومَن يُطيق ما تطيقين يا أم عمارة»؟، ثم أقبل ضارب ابنها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا ضارب ابنك»، فضربت ساقه فبرك، ثم أقبلت عليه مع ابنها وعلَوْه بالسلاح حتى أجهزوا عليه.
• واستُشهد عمرو بن الجموح، وكان أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة مثل الأسود يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد، فلما كان يوم أُحد أرادوا حبسه، وقالوا: إن الله عذرك، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنهم يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أنت فقد عذرك الله، فلا جهاد عليك»، وقال لبنيه: «ما عليكم أن تمنعوه؛ لعل الله أن يرزقه الشهادة»، فخرج فقُتل رضي الله عنه.
• قُتل من المسلمين سبعون، ومِن المشركين اثنان وعشرون.
_________________________________________________________
الكاتب: د. محمد منير الجنباز
Source link