منذ حوالي ساعة
التواضع هو الخضوع للحق، وقبوله من كل من جاء به. كما أن الكبر كما قال عليه الصلاة والسلام: «بَطَرُ الحقِّ، وغَمْطُ الناس».
ذكر الله سبحانه عباد الرحمن وصفاتهم فكان أول ما وصفهم به قوله: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}[الفرقان:63]. أي أنهم يمشون متواضعين غير متكبرين.
وقال لقمان لابنه وهو يعظه: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}( [لقمان:18] ). أي لا تحتقر الناس، ولا تتكبر عليهم، ولكن تواضع فإن التواضع من أخلاق الكرام، كما أن الكبر والعجب من أخلاق اللئام.
قال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ تعالى أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، ولَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ» (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).
والتواضع كما أنه من أفضل ما يتخلق به الإنسان، فإنه مع ذلك عبادة من أجل العبادات، قالت عائشة رضي الله عنها: “إنكم لتغفلون عن أفضل العبادة.. التواضع”.
معنى التواضع:
والتواضع كما عرفه العلماء، وتحدث عنه الأفاضل الأماجد الكرماء:
هو الخضوع للحق، وقبوله من كل من جاء به. كما أن الكبر كما قال عليه الصلاة والسلام: «بَطَرُ الحقِّ، وغَمْطُ الناس»، أي ردُّ الحق، واحتقارُ الخلق.
وقيل: هو رؤية النعم والآلاء، وملاحظة التقصير، فينتج عن ذلك حالة من التواضع.
وقيل: ألا ترى لنفسك فضلا على أحد من الخلق.
قال مطرف بن عبدالله بن الشخير: “والله ما رأيت أحدا من المسلمين إلا ظننت أنه خير مني: إن كان أكبر مني قلت أطاع الله قبلي وعبده أكثر مني، وإن كان أصغر مني قلت عصيت الله أكثر منه”.
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسمل بالتواضع فقال: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}[الحجر:88]، وقال: {وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ}[الشعراء:215].
فاستجاب لأمر ربه، فرغم أنه كان أكرمَ الناس، وأفضلَ الناس، أزكاهم نفسا، وأشرفَهم نسبا، وأعلاهم قدرا، وأحسنَهم خلقا، وأشدَّهم مروءةً وكرما، وأفضلَهم منزلة عند الله، إلا أنه أيضا كان أكثرَهم تواضعا لله سبحانه ولخلق الله.
كان صلى الله عليه وسلم يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، ويقول: «إنما أنا عبد، أجلس كما يجلس العبد، وآكل كما يأكل العبد».
وكان يقول لأصحابه وأتباعه: «لَا تُطْرُونِي كما أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فإنَّما أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولوا: عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» (البخاري).
كان عليه الصلاة والسلام يجلس مع أصحابه فلا يتميز عليهم بمكان، ولا بزي ولباس، حتى يدخل الداخل يريده فلا يكاد يعرفه حتى يسأل عنه: أين محمد أو أين رسول الله؟ فلا يعرفه حتى يشير إليه أصحابه ويدلونه عليه، من شدة تواضعه عليه الصلاة والسلام.
كان يزور أصحابه في بيوتهم، ويجلس معهم كأحدهم، يعود مرضاهم، ويشيع جنائزهم، ويشاركهم في أفراحهم، ويواسيهم في أتراحهم.. ويسلم على الصغار، ويمسح على رؤوسهم ووجوههم، ويدعو لهم وربما يمازحهم كما فعل مع أخي أنس ابن مالك: «يا أبا عُمَيرُ! ما فعل النُّغَيرُ» (متفق عليه).
تُسأل عنه عائشةُ – رضي الله عنها وأرضاها، كيف يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته؟ فتقول: كما يكون الرجل في بيته: يخصِفُ نعلَه، ويَرقَعُ ثوبه، ويكون في مِهنَةِ أهله.. فإذا نودي للصلاة قام كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه. (انظر صحيح الأدب المفرد).
الشرف يزيد التواضع
الإنسان النبيل صاحب المروءة كلما ازداد شرفا ورفعة، كلما ازداد تواضعا لله وشكرا.
أبو بكر رضي الله عنه كان خير الناس بعد الأنبياء والمرسلين، وهو خير أتباع الرسل إلى يوم الدين، كان إذا مدح في وجهه أو أثنى الناس عليه يقول: “اللهم إنك أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون”.
وكان عمر وهو أمير المؤمنين يصعد المنبر ويقول: “أيها الناس! تواضعوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من تواضع لله رفعه».
إن كل ما يتفاخر به الناس بعضهم على بعض من حسب ونسب، أو منصب أو سلطان، أو مكانة وجاه، أو علم أو حال، إنما هي في الحقيقة كلها من أسباب التواضع والانكسار لله. فهي إما أمور لا دخل للإنسان فيها كالنسب والحسب، أو محض فضل من الله على الإنسان وعطاء للابتلاء {ليبلوكم أَيُّكُم أحسَنُ عَمَلا}، وليعلم أيشكر العبد أم يكفر.
التواضع يرفع أهله
التواضع يرفع أهله في الدنيا والآخرة، ويعلي قدرهم عند الله وعند الناس.
قال صلى الله عليه وسلم: «من تواضع لله رفعه».
وقال: «ما نَقَصَتْ صَدَقةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ للَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ» (رواه مسلم).
تواضع تكن كالنجم لاح لناظـر .. .. على صفحات الماء وهو رفيــع
ولا تك كالدخــان يعلو بنفــسه .. .. إلى طبقات الجو وهـو وضــيع
والكبر والعجب يضع صاحبه أيضا في الدنيا والآخرة، وعند الله وعند الناس
فعن ابن مسعود، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ» (رواه مسلم).
وفي الحديث القدسي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: «العز إزاره، والكبرياء رداؤه، فمن ينازعني عذبته»(رواه مسلم).
وعند أبي داود وابن ماجه: «الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار».
وأما في الآخرة فيحشرهم الله على أقبح الصور وأذلها وأوضعها..
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يُحْشَرُ المُتَكَبِّرُونَ يومَ القيامةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ في صُوَرِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ من كلِّ مَكَانٍ، يُساقُونَ إلى سِجْنٍ في جهنمَ يُسَمَّى بُولَسَ، تَعْلوهُمْ نارُ الأنْيارِ، يُسْقَوْنَ من عُصارَةِ أهلِ النارِ طِينَةَ الخَبالِ» (رواه الترمذي وقال حسن صحيح).
فلما كانوا في الدنيا يحتقرون الناس ويستصغرونهم، حشرهم الله على هذه الهيئة الوضيعة في حجم صغار النمل صورهم صور الرجال، يعلوهم الذل عقوبة لتكبرهم على الخلق في الدنيا، يطؤهم الناس بأقدامهم كما كانوا يطؤن هم رقاب الناس كبرا وعجرفة في الحياة الدنيا، فكانت عقوبتهم من جنس عملهم جزاء وفاقا.
والمتكبر يكرهه الناس ولا يحبونه، لأن القلوب مفطورة على حب من أحسن إليها وبغض من تكبر عليها، فهو يحتقرهم ويراهم في عينه صغارا، ولا يدري أنه في أعينهم أصغر وأحقر
مثــل المـعـجـب في إعجــابه .. .. مثل الواقف في رأس الجبل
يبصر الناس صغارا وهو فــي .. .. أعين الناس صغيرا لم يـــزل
إن الإنسان إذا نظر في حقيقة نفسه، وما يحمله في بطنه وبين جنبيه لم يجد الكبر ولا العجب إليه سبيلا.. إذ كيف يتكبر ويزهو مَن أوله نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة، وهو بين هذا وذاك يحمل بين جنبيه البول والعذرة.. فمثل هذا كيف يتكبر.
فاللهم جنبنا الكبر والعجب، واجعلنا من المتواضعين.
Source link