أصبحت تلك الرسائل الإعلامية الجديدة أشبه بالقنابل الموقوتة، تمَّ غرسُها بعقول الشباب وبرمجتها باتجاه فكري معين، حتى أحدث عولمة القيم المادية، وتهميش القيم الروحية والأخلاقية، التي منبعها القرآن الكريم والسنة النبوية.
إن القضية القِيَمِيَّة قضيةٌ كبرى تواجهها التربية المعاصرة في مجالاتها كافة، وهي تناقَش على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي؛ حيث تتعالى النداءات وصرخات اليقظة للاهتمام بمنظومة القِيَمِ، وإعادة تشكيلها عند الإنسان المعاصر.
وعمومًا فإن قضية عولمة القيم تقع في صلب اهتمام المنظِّرين والمثقَّفين على امتداد العالم وسَعَتِهِ؛ لِما لها من تأثير في أن يستمدوا آمالهم ويوجهوا تصرفاتهم، وتُعرَف بأنها ظاهرة ممنهجة ومنمَّقة تحاول وتهدف إلى إقصاء أو تهميش للقيم الروحية والأخلاقية، وسيادة القيم المادية.
ولذا فهي تعتبر ثورة معرفية وتكنولوجية واجتماعية، وهي لا تستخدم العنف والقوة العسكرية التقليدية، لكنها تعتمد على القبول والاندماج؛ فهي تخاطب العقول بمناهجها الفكرية، وقيمها المادية، فأثَّرت في تكوين الإنسان المعاصر حتى أخذ يسعى وراء المادة وقيمها المادية، فَفَشَتِ القيم المادية، وسيطرت على منظومة القيم الإنسانية كصراع بين المحافظة على المرأة والأسرة، وبين قيم جديدة تدعو إلى التفكُّك الخلقي والاجتماعي، وصراع بين قيم طاعة الوالدين والتماسك الأسري، وبين قيم الاستقلال الفردي، والتمرد على أفراد الأسر والمجتمع، والخروج عليها؛ ولذا فإن سيادة القيم المادية وطغيانها في سلوك الإنسان أدت إلى تدمير المجتمعات والحضارات، حتى هدمت المجتمعات في واقعنا ثقافيًّا وحضاريًّا، وذلك من خلال محو القيم الأخلاقية والروحية من الأجيال الجديدة، من خلال الإعلام الجديد (العولمة الرقمية)، حتى أصبحت تلك الرسائل الإعلامية الجديدة أشبه بالقنابل الموقوتة، تمَّ غرسُها بعقول الشباب وبرمجتها باتجاه فكري معين، حتى أحدث عولمة القيم المادية، وتهميش القيم الروحية والأخلاقية، التي منبعها القرآن الكريم والسنة النبوية.
تهميش القيم الروحية والأخلاقية:
فحاجتنا للقيم ذات الأصول الإسلامية في الوقت الحاضر هو نتاج طبيعي لِما يموج به المجتمع المعاصر من مشكلات، نتجت عن تلك التغيرات السريعة المادية؛ ومن ثَمَّ فإن علاجها لا يقتصر على مجرد غرس مجموعة من المبادئ والقيم أو استجلائها، بل يجب أن يهدف الغرس إلى تنمية القدرة على التفكير حول القيم السائدة ومن ثَمَّ تفهُّم معنى ومدلول القيم الدينية، والمبادئ الخلقية، الذي يؤهل استخدامها استخدامًا سليمًا في مواجهة المواقف الاجتماعية والمشكلات المختلفة.
والأمة الإسلامية لا تحتاج إلى من يبرهن لها على ضرورة التمسك بالقيم الدينية، هي بحاجة إلى إحداث تغيير ديني وخلقي، تستعلي به على المعطيات المادية، وبِناءً على ما سبق فإن مواجهة تلك التحديات من عولمة القيم والإعلام الجديد لا يمكن أن تتم إلا بالتحصين الداخلي؛ بحيث يُستثمَر الإعلام الجديد في تطوير المؤسسات التربوية، ونشر الوعي وإعادة النظر في الطرق التعليمية لتوظيفها في تنمية الشخصية الإنسانية، وتعزيز القيم الخلقية والروحية، وتغيير السلوك لِما هو أفضل وموافق حدود الشرع مع متطلبات ومستجدَّات العصر، بتعليم الفكر النقدي وتطويره في كيفية أن نخوض تلك التحديات مع الحد الأدنى من الخسائر الثقافية والأخلاقية والروحية.
ومن سُبُلِ مواجهة تلك التحديات تتمثل في منهج القرآن الكريم التربيةُ الإيمانية؛ لِما لها دور كبير في مواجهة التحديات بحيث يلجأ المسلم إلى الله في كل شدة وتلك فطرة تربَّى عليها، فالمتأمل للمنهج القرآني يتطلع إلى تربية المسلم على الدعاء؛ قال تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 43].
_________________________________________________
الكاتب: إيمان عبدالعزيز الرشيد ومرام نايف العنزي
Source link