نعم أنت هي من أقصد المؤمنة الطاهرة الشريفة العفيفة … ذات المقام العالي الرفيع … مربية الأجيال وناشرة الخير والجمال … أنت يا من أمر سيدي رسول الله بإكرامك ووصى بك واستوصى بحسن عشرتك
نعم أنت هي من أقصد المؤمنة الطاهرة الشريفة العفيفة … ذات المقام العالي الرفيع … مربية الأجيال وناشرة الخير والجمال … أنت يا من أمر سيدي رسول الله بإكرامك ووصى بك واستوصى بحسن عشرتك … أنت يا مهجة الفؤاد وحبيبة القلب ورفيقة الدرب … أنت يا أم الدنيا وزينتها ونورها … إليك أختاه أهديك كلماتي … ولأنك غالية اكتب إليك وعنك نصيحتى ومقالي … مملوءة بالمحبة والشفقة والعناية … فاسمعي مني بصدر رحب.
كوني ذات حياء وأدب أختاه … فالحياء شعبة من الإيمان … والإنسان الحيي إنسان راقي هادئ ودود الطباع لين الجانب. والحياء يجمِّل المرء ويلبسه ثوب الأدب والعفة. وهو سنة رسول صلى الله عليه وسلم الذي كان أشد حياء من العذراء في خدرها كما جاء في صحيح البخاري. وجاء في صحيح مسلم: «(الحياء كله خير)» ، وفي رواية «(الحياء لا يأتي إلا بخير)» [1]. وكما أن الحياء جميل في جميع الناس إلا أنه في النساء أشد جمالاً وأولى. فلا يليق بالمؤمنة رفع صوتها والجهر بالقول في الأماكن العامة وعدم التستر والتعرض لنظرات الناس وسخرية الحضور وأذى المارة.
لا تتبرجي أختاه … فالمؤمنة الحقة لا تخرج متبرجة ولا تظهر محاسنها للأغراب. فالتبرج إهدار لكرامتها وضار ببشرتها … كما أنه يجذب لها رعاع الناس ليؤذوها ويدنسوا شرفها … الذي هو عزتها وأقيم ما تحفظ بينها وبين نفسها … فإن فقدته تدمرت حياتها ونفسيتها … حتى وإن لم يعرف الناس ولكنها تعرف ما جرى لها فتفقد الثقة بنفسها ورغبتها بالحياة وبمخالطة الناس وتدخل في متاهات الإكتئاب الذي قد يودي بها للإقدام على الإنتحار … فتفقد بذلك دنياها وآخرتها. ألم يكن أسلم لها وأحفظ أن تستر زينتها ولا تبديها إلا لم هو أهل لها … زوجها الذي هو عزوتها وصونها وحماها. قال تعالى: {(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ)} [2].
أطيعي زوجك أختاه … فطاعته واجبة ومقدمة حتى على طاعة الوالدين. قال تعالى: {(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)} [3]. وبطاعة الزوج تطيب الحياة الزوجية وتسودها المودة والوئام … وإن لم تطعه دخل الجفاء بينهما وذهب الحب والوئام وتبادلا السباب والشتائم وذهبت السكينة والمودة … فهلا أطاعته فيما يرضي الله … إرضاء وطاعة لله … ثم حفظا لبيتها وتضحية لصغارها. فإن خالفت زوجها في مسألة فلتحاول معه النقاش العقلاني بصوت لين حنون … ولتستعمل الحكمة والعقل في إقناع زوجها بما تراه … ولتستعين بما قال الله وقال الرسول ثم بما هو أصلح لهما ولأولادهما ثم بحنانها ورقتها وربما بما تطبخ بيديها … فالرجل يحب كل ذلك ويتنازل كثيرا له … والزوجة الفطِنَة هي من تستطيع أن تقنع زوجها دون إثارة حفيظته. وكل امرأة تتعلم مع الأيام والعشرة ما يحب زوجها وما يكره وكيفية السبيل إلى إقناعه وإرضائه في نفس الوقت.
لا تختلي برجل أجنبي … فالمؤمنة لا تفعل ذلك طاعة لله ولأنه مدعاة لمداخل الشيطان … الذي لا يزال يوسوس لهما حتى يقعا فيما لم يخططا له أو يحسبا له حساب … فتتخرب حياتهما ويفتضح أمرهما ويرتكبا جريمة من كبائر الذنوب … فإما أقيم عليهما الحد أو عاشا الدهر في الندم والحسرة وخسران كل عزيز وضياع المستقبل.
لا تسقطي حملك أختاه … فالمؤمنة لا تسقط حملها دون عذر شرعي ولا تقتل جنينها … وإن فعلت فهي تقتل روح بريئة وستسأل عنها يوم القيامة … وهي بذلك تقتل فلذة كبدها … وسيلحقها الندم يوم أن تفوق وتتوب ولكن بعد فوات الأوان. وقد حرم الله قتل النفس فقال تعالى: {(وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)} [4]. ومع ذلك نرى اليوم الرُّضّع ملقون في سلة القمامة والمراحيض العامة وأبواب المساجد … يصارعون الموت والجوع وهم لا حول لهم ولا قوة. كل هذا ما كان ليظهر في مجتمعاتنا إلا لتفشي الزنى والفواحش والأفلام الخليعة والأغاني الماجنة التي تدعو إلى الفجور والعشق الحرام وتظهره في ثوب البراءة للمجتمع. فتجد الآن الأسر الكريمة المصونة لا يدرون ما يحدث مع بناتهن وقد جرتهن متاهات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والاختلاط في الجامعات إلى سبل الغواية والرذيلة. وهن قد فعلن ما لا يُفعَل ولا يقبَله دين ولا عرف ولا مُثل وأخلاق تربت عليها مجتمعاتنا، فامتلأت بهذه الصور التي تشين إلى الإسلام وتقتل روح الطهارة والعفة وصبغة الحياء التي كانت تتحلى بها. ولا شك أن للإعلام الفاسد دور كبير في هذه الجرائم والترويج لها. وما هو إلا من تدبير الكفار والخونة من المسلمين للإضرار بمجتمعاتنا والمساهمة في إنحلالها وضعفها … ليسهل عليهم السيطرة عليها وسلب أموالها ومواردها. قال تعالى: ( {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)} [5].
لا تخوني زوجك أختاه … فالمؤمنة الحقة لا تخون وتبتعد عن الإختلاط بالرجال الأجانب الذي يجر عليها من المشاكل ما هي في غنى عنه، وعلى رأسها العشق الحرام والزنا والخيانة … وكلها من المصائب التي تؤدي لظلمها وظلم زوجها وصغارها … ولابد وأن يفتضح أمرها يوم ما إن وقعت في الخيانة … إما في الدنيا أو الآخرة. وتجر عليها الخيانة من الهموم والقلق ما يعلم به الله … فتصبح مشتتة بين زوجها وعشيقها … وتخشي أن يفتضح أمرها أو أن تفقد زوجها أو أن تخسر عشيقها. فتصبح خائفة حزينة تقضي ليلها بالسهر ونار العشق والشوق لحبيبها … وتهمل زوجها وبيتها وصغارها … وتنسى ذكر ربها والقرآن الذي قضت سنين عمرها في حفظه … وضاع عملها وجهدها سدىً وهباء. فهل كانت تحتاج كل هذه المصاعب في حياتها … في حين أنها إن اتبعت أمر رب العالمين وحفظت نفسها وبعدت عن الإختلاط والخلوة المحرمة والخيانة لما وقعت في كل ذلك ولم تشعر بشئ ينقصها. قال تعالى: {(وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)} [6]. وهي وإن نزلت في نساء النبي إلا أن فيها توجيه لعامة المسلمين.
وأخيرا أوصيكم أخوة الإسلام بإكرامهن كما وصَّاكم خير البرية. فالمؤمن الحق يكرم النساء ويعاشرهن بالمعروف … لأنه أمر رباني وخيركم خيركم لأهله … وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة … فهي السند والعون والحنان والحب … تلك الشريكة التي لا تتخلى عن زوجها في الشدة … بل هي دوما هناك تعينه وتحمل معه هموم الأبناء ومرارة الحاجة وصعوبة المعيشة … تعمل لتساعده في قلة الدخل … وتسنده بجهدها ومالها ووقتها وعزها وحسبها ونسبها وعلمها وذكائها ودعمها … ثم إذا مرض تجدها اليد التي تتطبب على جبينه لتذهب عنه شدة المرض وسخونة الحمى … فهي الأم الثانية والصاحبة في الحل والسفر والحبيبة التي تسر قلبه برؤيتها البهية وجمالها الخلاب … وهي نور الحياة وسعادتها وروح البيت والأم الحنون التي ينتظرها الصغار بفارع الصبر ويحزنون ولغيابها … فإن غابت غابت شمس البيت وذهب عنه النور وأظلم … وأصبح خراب وهربت الإبتسامة منه … لا بهجة ولا مسرة … وضاع الصغار وجاعوا وساء حالهم وتبدل … وحزن الأب واكتئب واستوحد بعد أن كبر سنه وقد فقد رفيقة الدرب التي كانت ترعاه وتعني بحاله وحال صغاره … فأصبح وحيدا ومهملا في عجزه وشيخوخته بعد رحيل تلك الحنون ذات الصدر الدافئ واليد الرحيمة … رحم الله أمهاتنا وأمهات المسلمين جميعا ونساءهم وبناتهم.
د.منال أبو العزائم
٣ صفر ١٤٤٥هـ
[1] رواه مسلم ٣٧.
Source link