قال رسول الله ﷺ: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سرَّاءُ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له»
المرض الذي يثقلك ويؤلمك رحمةٌ من ربك، الجار الذي يؤذيك ويبغضك رحمةٌ من ربك، مالُكَ الذي ضاع أو خسرته رحمةٌ من ربك، صِحَّتُك وقوَّتُك رحمةٌ من ربك، صديقك وأخوك الذي يُؤنسُك رحمةٌ من ربك، وظيفتك أو عملك الحُرُّ، ومالك رحمةٌ من ربك، كيف ذلك؟ كيف يكون الشيءُ وضدُّه، وجودُه وعدمُه، خيرًا أو رحمةً في كلتا الحالتين؟
جارك الذي يؤذيك فتنفر منه رحمةٌ من ربك، فلو كان لا يؤذيك لزُرْتَه وودته، ولربما في ذلك خدش لدينك وضعف.
مالك الذي ضاع ربما لو بقي لأنفقته في غير ما يُرضي الله سبحانه وتعالى.
صحتك إن وجدت فكانت في طاعة الله رحمةٌ من ربك، ولو فقدت لكانت رحمةً من ربك؛ لأنها لو بقيت لأعانتك على معصية الله.
ليس ما ذكر بالضرورة أن يكون هو التخريج الوحيد لإرادة الرحمة؛ ولكنها محاولة لتقريبه إلى الفهم وعليه قد يُقاس.
في الجمعة الماضية قرأت سورة الكهف، فلفت انتباهي ذكر الرحمة بعد جدارين:
الجدار الأول في قوله سبحانه: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الكهف: 82].
فإن إقامة الجدار كانت لحفظ الكنز الموجود تحته، فحين يكبر الغلامان ينفعهما، رحمة من ربك.
أما الجدار الثاني فهو جدار يأجوج ومأجوج، فقد قال ذو القرنين بعد أن بناه ليمنع فساد يأجوج ومأجوج من الانتشار في الأرض: ﴿ {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} ﴾ [الكهف: 98].
فالجدار رحمة من الله بأن كان حائلًا وحاجزًا ليأجوج ومأجوج.
فجداران يُرفعان، أحدهما لحفظ مال، والآخر لمنع أذى، فكلاهما رحمةٌ من الله، وقِسْ على ذلك، فلو رفعت جدار البيت لتستر أعين الناس عن العورات، وجدارًا ليكون سدًّا للماء للسُّقْيا، وجدارًا ليكون مسجدًا.
ولو هدم جدار الغلامينِ لكان رحمةً من ربك لاستخراج الكنز، ولو هدم جدار بيت لكان رحمةً من ربك ربما لكيلا يغتصبه أحد.
إنَّ ما تقدَّم محاولة لتغيير نظرتنا للأشياء، لا أن ننظر إليها من زاوية واحدة، فالسبعة قد تكون ثمانية إذا تحولتَ للجانب الآخر.
احمد اللهَ على ما أصابك، فهو خير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سرَّاءُ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له»؛ (رواه مسلم رحمه الله) .
فتجد أحدنا يضيق صدره جدًّا إذا نزل به ما يكره أو فقد ما يحب، ولكنه لو نظر تلك النظرة الأشمل والأعمق للابتلاء لهانَ عليه ما يجد، وإن لم يزُل بالكلية.
ولكن ذلك لا يعني أن كل جدار يجزم بأنه رحمة، فربما هدمت جدران على ساكنيها غضبًا من الله والعياذ بالله.
فما يعنينا هو أن نُوسِّع النظرة، ونُحسِن الظَّنَّ بالله، فكم تلطف بنا ورحمنا ويرحمنا، فهو الرحمن الرحيم، رحمته سبقت غضبه سبحانه وتعالى.
_____________________________________________________
الكاتب: صالح الشناط
Source link