الرجولة الأمنية الغالية – خالد سعد النجار

منذ حوالي ساعة

الرجولة أصل عظيم من أصول التربية على هذا الدين والإيمان به والدعوة إليه، وحيثما توجد الرجولة، وحيثما تكون البطولة، فإنه يكون عز الدين ومنعته

{بسم الله الرحمن الرحيم }

الرجولة أصل عظيم من أصول التربية على هذا الدين والإيمان به والدعوة إليه، وحيثما توجد الرجولة، وحيثما تكون البطولة، فإنه يكون عز الدين ومنعته، وغلبة الحق وقيام الدعوة إلى الله، وإحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ويجب أن نفرق بين مجرد الذكورة وبين الرجولة؛ فإن الله عز وجل خلق الزوجين الذكر والأنثى، لكن ليس كل الذكور رجالاً.

للرجولة في القرآن وصف آخر فيه زيادة على مجرد الذكورة؛ فالله تبارك وتعالى بدأ بأنبيائه في هذا الوصف، فقال تعالى: {{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ}} [الأنبياء:7] رجالاً مواقفهم رجولية واضحة لمواجهة الفساد، والشرك، والطغيان، والانحراف، والجور، والظلم وكل ما من شأنه أن يخدش أمراً مما أنزله الله.

ولذلك كانت تلك المواقف البطولية، التي لا يفقها إلا أعظم الرجال وأقواهم وأشجعهم: مثل وقوف إبراهيم الخليل -عليه السلام- أمام النمرود، ووقوف موسى -عليه السلام- أمام فرعون، ووقوف نوح -عليه السلام- أمام أمة عاتية ماكرة ألف سنة إلا خمسين عاماً، ووقوف هود -عليه السلام- أمام أمة مستكبرة متجبرة يبنون بكل ريع آية يعبثون، وإذا بطشوا؛ بطشوا جبارين، وكل الأمم لا يقف لدعوتها ويتصدى لجبروتها إلا رجال.

وأعظم هؤلاء الرجال هو خيرة الله ومصطفاه من خلقه محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مواقفه عظيمة في الدعوة والجهاد في سبيل الله، إذ يخبر أصحابه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لولا أن يشق عليهم لما بقي خلف سرية تخرج في سبيل الله، ولما تخلف عنها قط!!

وقال أصحابه رضوان الله عليهم “كنا إذا حمي الوطيس [أي اشتدت المعركة] احتمينا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”

وقد تمثل هذا الأمر يوم حنين إذ أقبلت هوازن وما أدراك ما هوازن؟! وقد أعدت وأجلبت؛ حتى قال بعض مسلمة الفتح ممن لم يتمكن الإيمان في قلبه: “لن يردهم اليوم إلا البحر”! وقال الآخر: بطل السحر اليوم!

ومع ذلك وقف -صلوات الله وسلامه عليه- وقد كاد أن يتولى أكثر المسلمين، وقف -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو ينادي: (يا أصحاب بدر! يا أصحاب الشجرة!) حتى اجتمعوا إليه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو ثابت في مكانه، ثم تحولت المعركة لصالح المسلمين، وانتصروا بفضل الله تعالى.

وهناك الكثير من المواقف العظيمة في حياته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحياة أصحابه الكرام في اليرموك، والقادسية، ونهاوند، وغيرها، لا تعد ولا تحصى.

من أين تنبع الرجولة؟

الله تبارك وتعالى عندما بعث محمداً -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، استجاب له الشباب، وكفر به الشيوخ؛ وإذا أردت أن تعرف دليلاً واضحاً على ذلك، فانظر كم عاش أصحابه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بعده، عاشوا أربعين سنة وخمسين سنة ونحو ذلك، فهذا دليل على أنهم لو كانوا من جيله أو قريباً من جيله -كـالصديق رضي الله عنه- لتوفي أكثرهم في حياته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ بل كان أكثرهم شباباً!

ولا سبيل لهؤلاء بالرجولة إلا بالانتقال من البيت إلى المسجد!!

إذن الرجل -أولاً- يتلقى مبادئ الرجولة من المسجد، فقد ترى رجلاً عظيم الجثة؛ لو قلت له: قم إماما للجماعة في قرية فقط وألقِ كلمة، أو تقدم صل بالناس [وهو مجرد ذكر ليس برجل] يخاف ولا يستطيع!! لكن لو أتيت إلى رجل من هؤلاء الرجال -حفظة القرآن- فإنه يتقدم ويصلي بنا ويقرأ الأجزاء الطويلة! أليس هذا رجلاً؟! هذه الرجولة من أين تعلمها؟ من المسجد، ولو قلت له: قم اخطب الجمعة، لقام وخطب! وهكذا تربى الصحابة الكرام على هذه الرجولة، وتنافسوا فيها.

فالرجولة إنما تنمو إذا اقترنت بإحياء المساجد، وبإقامة الدين، وبتحفيظ كتاب الله تبارك وتعالى، وبالأمر بالمعروف، وبالنهي عن المنكر، وبالدعوة إلى الله عز وجل، هنالك يكون محضن الرجولة.

كان مسجد رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو دار الحكم، ودار القضاء، ومقر القيادة العسكرية، ومقر الفتوى، والعلم، ومقر ذوي الصدقات، والتبرعات، وغيرها، عدِّد ما شئت من ضرورات الأمة وأساسيات حياتها، أين تجدها؟! إنها في المسجد!!

وعلى مدار التاريخ الإسلامي نجد من المسجد تخرج آلاف الحفاظ والفقهاء والحكماء والبلغاء وعلماء اللغة والأدب.

المساجد أعظم حصن ضد نار الشهوات وفتنة الشبهات وأمواج الدياثة العاتية

لذلك ليس ببعيد عن هذا الموضوع وصف الله تعالى لرواد المساجد من رجال وشباب وأطفال بل ونساء بوصف الرجولة في قوله تعالى: {{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ}} [النور:36-37].

رجال ومواقف

** اشتهر السلطان العثماني «سليم الأول» رغم قوته بملابسه البسيطة، ويروى  أنه رأى ابنه سليمان متزينا لأقصى درجة فقال له موبخاً: “يا بني لقد تزينت كثيرا لدرجة انك لم تترك شيئا لأمك”… وهى نصيحة لها مغزى للشباب.

وكان وزرائه يتعجبون من إصراره على ملابسه القديمة، وفى يوم قالوا للصدر الأعظم: “بلغ السلطان أن سفير البندقية قادم للقائه، وأننا نريد أن نغير ملابسنا فوافقهم السلطان”، وفى اليوم المقرر لحضور سفير البندقية لبس الوزراء كلهم ملابس جديدة، ولكنهم اندهشوا عندما شاهدوا السلطان جالساً على العرش بملابسه القديمة، ولفت انتباههم أن السلطان يضع سيفه البتار على درجة العرش، وكان لمعان السيف في ضوء النهار المنبعث من النافذة يبهر العيون، فلما شاهدوا ذلك خجلوا وسكتوا في حيرة.

وبعد انتهاء لقاء السفير، قال السلطان سليم للصدر الأعظم: “اذهب إلى السفير وقل له كيف وجدت السلطان؟”.

فذهب إليه وعاد فقال يا مولاي: إن السفير يقول: “إن شعاع وبريق سيفكم جعل عينيه لا تستطيع حتى رؤية السلطان نفسه”.

ابتسم السلطان سليم وقال: “طالما أن سيفنا بتار وبراق فإن بريقه سيجعل أعين الكفار لا تنظر إلى شيء إلا إليه، ولكن لا سمح الله إن أصبح سيفنا غير بتار وبراق فإن الكفار سيروننا أذلاء، وسينظرون إلينا من هضبة عالية باحتقار”

هذا الفهم يحتاجه كل مسلم، ولا يفقهه إلا الرجال الذين لا تخدعهم المظاهر الجوفاء، من الشكل والهيئة والمنظرة الفارغة والإعلام ونظرة المجتمع الدولي .. تلك المفاهيم التي أصابتنا بالخواء والتميع في المواقف.

** ولد القائد «أحمد باشا الجزار» في البوسنة ونشأ وترعرع في حضن الدولة العثمانية، وترقى في المراتب، ولما ظهر من شجاعته عينه السلطان «سليم الثالث»
والياً على عكا، وأوكل إليه مهمة الدفاع عنها، فبدأت حياة جديدة للبطل أحمد باشا الذي مرَّغَ أنف نابليون في وحل عكا [من أقدم المدن الفلسطينية التاريخية] وحطم أحلامه في الشرق حيث حاصر نابليون عكا في 18 أذار 1799م وهو على يقين كامل بأنَّ المدينة ستسقط في يده خلال أيام قليلة خاصةً بعد انتصاره المدوي في مصر.

لكن القائد أحمد باشا قال كلماته التي خطها التاريخ: “لن يمر نابليون وجنوده إلى مخادع نساء عكا، وباقي بلاد يقال فيها، الله أكبر للصلاة … نحن لن نهزم وسنقهر الأعداء بالإسلام وبنداء الله أكبر”

وأتم الله له ما أراد ببركة رجولته وغيرته على الإسلام وأهله.

 

المصادر

** الرجولة    د. سفر الحوالي

** كتاب 101 من عمالقة آل عثمان

جمع وترتيب

د/ خالد سعد النجار

[email protected]


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

الشدة والفرح – علي بن عبد العزيز الشبل

«إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» جاءت هٰذِه الكلمة دلالةً عَلَىٰ ما في قلوب المؤمنين، من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *