منذ حوالي ساعة
فضل هذه الليالي الفاخرة التي لا يفرِّط فيها إلا محروم، ولذلك كان من المتعيِّن على المسلمين أن يتواصوا بفضل هذه الليالي، وأن يتعاونوا على القيام فيها بما يحبه الله جل وعلا
تُقْبِل علينا هذه الليالي الفاخرة، الليالي العظيمة، التي هي أعظم ليالي هذا الشهر الكريم، وهي أعظم ليالي العام قاطبةً، ذلك أنَّ فيها مِن الخيرات التي تتضمنها ليلة القدر {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]، وهكذا ما يكُون مِن أنواع النِّعَم الأخرى، التي تكون في الليالي الأخرى سِوَى ليلة القدر، فهذه الليالي خيرٌ كلها، أوَليس فيها مِن عَتْقِ اللهِ لعباده مِن النار في كل ليلة ما الله به عليم؟! أوَليس فيها مِن قَبُول الدَّعوات، واستجابة الطلبات، ومضاعفة الأعمال ما الله به عليم، ولذلك كان نبيُّنا صلى الله عليه وآله وسلم يخصُّ هذه الليالي العشر بمزيد عنايةٍ ورعاية، وقد جاء في الصحيحين من حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: (كان رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشرُ، شَدَّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله). (هذا لفظ البخاري) ، وجاء عند مسلم: قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشرُ، أحيا ليله، وأيقظ أهله، وجَدَّ، وشدَّ المئزرَ).
وهذا يدلُّ على ما كان عليه البيت النَّبويُّ من الاجتهاد في العِبادة، وزيادتها في العشر الأواخر من رمضان، وما ذلك إلا لأجل الزيادة، والتَّقرُّب إلى الله سبحانه وتعالى في هذه الليالي الفاضلة، والتي فيها ليلة القدر، التي نزلتْ فيها سورة كاملة من القرآن العظيم تُعَظِّم شأنها، وتُشَرِّف قدْرها، بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 1- 5]؛ فالله يخبر أنَّ هذا القرآن العظيم كان تنزُّله في ليلة القدر، هذا القرآن الذي هو أعظم الكلام وأشْرَفُه وأصْدَقُه، والذي هو مِن رحمة الله سبحانه بعباده المؤمنين؛ وإلا مَن نحن – ونحن الضعفاء الفقراء – حتى يخاطبنا ربُّ العزَّة، ويكلِّمنا بهذا الكلام العظيم، الذي هو فيه الهدى والنُّور، والسَّعادة في الدُّنيا والآخرة؟
هذا القرآن العظيم كان بَدْءُ تنزُّله في هذا الشهر العظيم كما قال سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185]، وقال جل وعلا: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 3]، فنُزُوله؛ بَدْء تنزُّله في شهر رمضان؛ وتحديدًا في هذه الليلة المباركة {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]، واللهُ عظَّم شأن هذه الليلة {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [القدر: 2]، وهذا لتعظيم شأنها، وتفخيم قدْرها، وأنها ليلة فاخرة، هي تاج ليالي الدَّهر، التي مَن وُفِّق إليها وُفِّق إلى خيرٍ عظيم، ومَن صُرِفَ عن العمل فيها فقد حُرِمَ وغُبِنَ؛ نعوذ بالله من الحرمان.
وهذه الليلة سُمِّيَتْ ليلة القدر؛ لأنها لها قدْرُها العظيم، وقيل: لأجل ما يكون فيه مما يُقَدَّر مما يكون في عام قابل كما قال سبحانه: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4]، وقيل: لأن الأرض تضِيق بعدد الملائكة الذين يتنزَّلون في تلك الليلة العظيمة، تَنَزَّل الملائكةُ فيها والرُّوح، والله سبحانه بيَّن أن هذه الليلة – ليلة القدر – العبادةُ فيها خير مِن العبادة في ألف شهرٍ ليس فيها ليلةُ القدر، وهذه تقدَّر بثلاثة وثمانين عامًا وأربعة أشهر، وهذا يبيِّن لك عظيم الإكرام لهذه الأمَّة، أن الله تعالى يجعل لها الأعمال اليسيرة، وفي مُقابلها الأجور العظيمة، فضلًا من الله ونعمة تبارك وتعالى، ولذلك جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي؛ أنه عليه الصلاة والسلام قال: «فيه – يعني: في شهر رمضان– ليلةٌ خيرٌ مِن ألف شهر، مَن حُرم خيرَها فقد حُرم»، ولِشَرَفِ هذه الليلة يكون تنزُّل الملائكة، فيكثُر عددُ هؤلاء الملائكة، فإذا كان في الأرض مِن الملائكة المكلَّفين بالعِبادة، وبغير ذلك مِن الأعمال التي كلِّفوا بها، والله أعلم بعددهم وبتكاليفهم وما أمروا به، سواء ما كان ذلك في الشؤون العامَّة، التي يدبِّر اللهُ تعالى فيها هذا الكون، أو ما يكون لكل أحدٍ ممَّن وُكِّل به مِن الملائكة، فإنه في ليلة القدر يكون تنزُّلهم؛ تنزُّل الملائكة عددٌ زائد، ويكون تنزُّلهم بالبركة والرحمة ومعهم سيِّدُهم جبرائيل عليه السلام، تنزَّل الملائكة والروح، وهو جبريل عليه الصلاة والسلام، وفي قوله سبحانه: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5]؛ أي: أنها خيرٌ كلُّها، ليس فيها شرٌّ، من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وهذا يُوجب على المؤمن الذي يريد سعادة نفسه، ونجاتها في الدنيا والآخرة، أن يستحضر فضل هذه الليالي، وأن يعلم أنَّ فيها هذه الليلة؛ تاج ليالي الدهر.
وإنك لتعجب من عدد من الناس يضيِّعون أوقاتهم في ما لا يُفيد، بل فيما يضر، مع إنه وقت فاضل شريف، وهو وقت وَجِيز قصِير، مَن وُفِّق فيه إلى الخير أدرك السعادة الأبدية.
وقد نص العلماءُ – رحمهم الله – على أن هذه الليالي الفاخرة لوجود ليلة القدر فيها، لأنَّ هذه الليلة ليست ثابتةً في ليلة محددة؛ بل إنها تتنقل، وإن كانت في أوتار هذه الليالي آكَدَ وأقرَبَ، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهي في الليالي الأوتار: ليلة الحادي والعشرين، والثالث، والخامس، والسابع، والتاسع والعشرين آكَدُ مِن غيرها مِن ليالي هذه العشر، وهي في ليلة سبع وعشرين آكَدُ مِن غيرها من الليالي، لكن المؤمن يجتهد في كل هذه الليالي حتى يدركها على وجه التأكيد، والمؤمن إذا صلَّى العشاء في جماعة، وصلَّى الفجر في جماعة، وصلَّى التراويح والتهجد مع المسلمين في المساجد؛ هُيِّء له أن يكون من أهل هذا الوعد الكريم: «مَن قام ليلة القدر إيماناً واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم مِن ذنْبه»؛ فإنَّ في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ أنه قال: «مَن صلَّى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومَن صلَّى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كلَّه»، وجاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن القدْر الذي يكتب فيه الإنسان ممَّن قام الليل؟ قال: «مَن قام مع الإمام حتى ينصرف كُتِبَ له قيام ليلة»، مَن قام مع الإمام في تراويحه وتهجُّده مِن حين يبدأ إلى أن يسلِّم مِن صلاته كُتب له قيام ليلة، والنَّبيُّ عليه الصلاة والسلام يؤكِّد فضل هذه الليلة كما تقدم في الحديث: «مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم مِن ذنْبه» (رواه البخاري ومسلم).
((مَن قام))؛ يعني: بالصلاة والتهجد لله جل وعلا، وهكذا ما يكون من الأعمال الأخرى التي يكون فيها ذكْر الله ودعاؤه، وصِلَة الرحم، والإحسان إلى الناس والصدقات، وغير ذلك من أعمال البِرِّ والإحسان.
ثم تأملوا أيها الإخوة المؤمنون، في أمر ذي شأن جليل وخطِر عظيم ينبغي ألا يفوت عن ذهن المسلم، فقد جاء في رواية عند الإمام أحمد في مسنده بسند حسن- كما يقول الحافظ ابن حجر؛ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم مِن ذنْبه وما تأخَّر»، الله أكبر! ما أعْظَمَه مِن فضل! وما أجلَّه مِن شَرَف! ليس الحاصل لك يا عبد الله إن أدركت ليلة القدر غفران ما تقدم من الذنوب – وهذا أمر عظيم أن تكون كأنما وُلِدْتَ اللحظة، ليس في صحائفك إلا الأعمال الصالحة – بل فوق ذلك أنك فيما تستقبل من حياتك تُغفر ذنوبك، فلا تلقَى الله إلا على عمل صالح ((غُفر له ما تقدَّم مِن ذنْبه وما تأخَّر))، وهذه خصيصة مؤكدة لنبيِّنا عليه الصلاة والسلام مِن الأمَّة بنص القرآن كما قال الله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2]، ويمنُّ الله على مَن يشاء مِن عباده ممن يدرك فضل هذه الليلة فيقْبله ربه؛ أنْ يغفر له ما تقدَّم مِن ذنْبه وما تأخَّر، وهذا معناه السعادة الأبديَّة بالتوفيق للطاعات، والأعمال الصالحات المكفرات للذنوب والخطيئات، والله ذو الفضل العظيم، ولا يُستكثَر مِن الله جل وعلا شيء، وفي هذا يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: استشكلت هذه الزيادة؛ يعني: هذا الفضل أن يغفر للإنسان ما تأخَّر مِن ذنبه، وهذا يستدعي سبْق شيءٍ يُغفر، والمتأخِّر مِن الذنوب لم يأتِ؛ فكيف يُغفر؟ يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في محصل جواب هذا الاستشكال، فيما ذكره بعض أهل العلم، قال رحمه الله: إنه قيل: إن ذلك كناية عن حفْظهم مِن الكبائر؛ فلا تقع منهم كبيرة بعد ذلك. وقيل: إن معناه: أن ذنوبهم تقع مغفورة، وبهذا أجاب جماعة؛ منهم الماوردي في الكلام على حديث صيام عرفة، وأنه يكفِّر سنتين: سنة ماضية، وسنة آتية. ومهما يكن من أمر، ففضْل الله عظيم، وعطاؤه واسع، والله ذو الفضل العظيم، ينبغي للمؤمن أن يتعرَّض لهذه النفحات الربانية، والأُعطيات الإلهية؛ فإن عطاء الله لا حدَّ له، والله إذا رضي بلغ رضاه عن عبده سبحانه خيرًا لا يخطر له على بال.
وعن اغتنام ليلة القدر قال الشيخ العلامة علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال القرطبي الأندلسي المالكي رحمه الله في شرحه لصحيح البخاري، كتاب الصيام، باب العمل في العشر الأواخر من رمضان، قال: “ولو أعلَمَ اللهُ عباده أن في ليالي السَّنة كلها مثل هذه الليلة؛ لوجب عليهم أن يُحيُوا الليالي كلها في طلبها، فذلك يسير في جنب طلب غفرانه، والنجاة من عذابه، فرفق تعالى بعباده وجعل هذه الليلة الشريفة موجودة في عشر ليال؛ ليدركها أهل الضعف وأهل الفتور في العمل مَنّاً من الله ورحمة” انتهى (4/ 159).
فحريٌّ بالمؤمن أن يستحضر هذه الفضائل، إنها فضائل عظيمة، وأُعطيات فاخرة في ليالي شريفة فاضلة، والعلماء رحمهم الله ينبِّهون إلى أن الأعمال التي يحرص عليها في هذه الليالي، ما يكون من التهجد فيها والصلاة، والدعاء وتلاوة القرآن، كما قال سفيان الثوري رحمه الله: الدعاء في تلك الليلة أحبُّ إليَّ مِن الصلاة، قال: وإذا كان يقرأ وهو يدعو، ويرغب إلى الله تعالى بالدعاء والمسألة لعله يوافق. يعني: لعله أن يدرك مراده أن يجمع بين الاثنين. فالدعاء في هذه الليالي له قدره، وما يدريك يا عبد الله، لعل بابًا من السماء مفتوحًا تجاب فيه دعواتك، فتدرك من الخير والنوال في الدنيا والآخرة ما لا يخطر لك على بال، ولذلك كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها – وهي العالمة التي درجتْ في بيت النبوة – تلحظ هذا المطلب العظيم؛ فتبادر لسؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن وافقت ليلة القدر تقول: بما أدعو؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «قولي: اللهم، إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني». (رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه).
وتأملوا هذا التوسل إلى الله سبحانه باسمٍ كريمٍ مِن أسمائه تعالى وتقدَّس «اللهم، إنك عفو تحب العفو فاعفُ عن» ي))، والعلماء يقولون: إن معنى العفوِّ من أسماء الله: هو المتجاوز عن سيئات عباده، الماحي لآثارها عنهم، والله سبحانه يحب العفْو، وهو يعفو عن عباده، ويحب أن يتعافى العباد فيما بينهم، ولذلك يحذر المسلم أن يكون حاقدًا على أحد، أو قاطعًا لأحد ذي صلة به من ذي رحم أو جار أو صديق أو نحو ذلك؛ فإنَّ القطيعة من أسباب المنع والحرمان، ولذلك قال الله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22]، والجزاء مِن جنس العمل: فمَن عفا عن الناس عفا الله عنه، ومَن أحسن إليهم أحسن الله إليه.
وبعد أيها الإخوة المؤمنون؛ فهذا جانب من فضل هذه الليالي الفاخرة التي لا يفرِّط فيها إلا محروم، ولذلك كان من المتعيِّن على المسلمين أن يتواصوا بفضل هذه الليالي، وأن يتعاونوا على القيام فيها بما يحبه الله جل وعلا، وحريٌّ بالمسلم أن ينصح مَن تحت يده مِن أهله وأولاده، وأن يذكِّرهم بذلك، ولذا كان الصحابة والسلف الصالحون يحرصون على أن يقُوم كلُّ أهلِ بيوتهم هذه الليالي، فلم يكن أحد يُطيق قيام الليل إلا وأقاموه لذلك، جاء عن زينب بنت أم سلمة رضي الله عنها، قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بقِيَ من الشهر عشرة أيام، لم يذرْ أحدًا من أهله يُطيق القيام إلا أقامه). وهكذا ما جاء من دلالة قول ربنا سبحانه: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].
ثم إنَّ مما ينبغي أن يتواصَى به أيضًا: أن يكون في دعاء أهل الإسلام دعاء بعضهم لبعض، فالله يجيب الدعوات، ويقيل العثرات، ويغيِّر الأحوال السيئات، ولا يخفى ما بأمَّة الإسلام اليوم مِن أنواع المصائب والفتن؛ فإنه حريٌّ بالمؤمنين أن يدعو بعضهم لبعض، فالله يغيِّر من حال إلى حال، ولا يُستعظم شيء عند الله سبحانه، وقد كان نبيُّنا صلى الله عليه وآله وسلم في الأمور الشديدة، والأحوال المتغيِّر،ة يفزع إلى الدعاء، ولذلك شرع لأمَّته القنوت في الفرائض عند نزول المصائب والنوازل الشديدة، فهذا يدعو المسلم أن يكون داعيًا لإخوانه بتفريج كرباتهم، وتيسير أحوالهم، فهذا مِن دلالة إيمانه، وقد قال ربنا جل وعلا مخبرًا عن عباده الأخيار: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10]، ولا تنسوا إخوانكم أهل القبور مِن دعواتكم، وخصوصًا مَن كان من قراباتكم، فإنهم قد انقطعت أعمالهم إلا ما قد يكون مما أبْقوه مِن عمل صالح مستمرٍّ ثوابُه في الدنيا، أو ما يكون مِن الدعوات التي تصلهم، وينتفعون بها، ويأنسون بها وهم في قبورهم، وقد جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إنَّ العبدَ ليَرى مِن الأعمال أمثالَ الجبال، فيقول: يا رب مِن أين هذا؟ فيقال: هذا مِن دعاء ولدِك لك».
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين مِن كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
Source link