منذ حوالي ساعة
أشار القرآن إلى أن مهمة الإنسان في هذه الأرض تجتمع في ثلاثة أمور: الاستخلاف، والإعمار، والعبادة،وبمجموع تلك الثلاثية يتبين الدور الْمَنوط بنا في الحياة.
المتأمل في القرآن الكريم يلحظ أن مهمة البشرية تتلخص في ثلاثة محاور: الاستخلاف، والإعمار، والعبادة، ومن هنا جاءت فكرة هذه السلسلة لتساهم في بناء المنظومة الثلاثية، وفق منهج رب البرية، ومن خلال خمسة منطلقات:
1- الجماعية: فلا يمكن تحقيق تلك الثلاثية إلا عن طريق نخبة من البشر، وليس بشكل فردي، وهذا أحد الأسرار في تكرار استخدام القرآن لعبارة “يا أيها الذين آمنوا” و”يا أيها المؤمنون”.
2- النفس أولًا: البدء بالانطلاق يكون من العبد نفسه، والتركيز على تزكيتها قبل الآخرين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6].
3- الاتباع: وهو منهج تحقيق الثلاثية، لم يرسمه بشر، وإنما تكفل به رب البشرية، وسار عليه خير البرية، وعلى رأسهم الأنبياء عليهم السلام، وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة من بعده، ونحن على طريقهم سائرون، وبهم مقتدون.
4- المداومة: ليس بالضرورة رؤية ثمرة العمل في الدنيا، ولا كثرة الأعمال، بل المهم هو الإحسان والإتقان، ثم الثبات عليه، فخير الأعمال أدومه وإن قلَّ، ومن هنا كان منهجنا: البناء عبر لَبِنات وجُرعات، قد تكون قليلة لكنها جديرة بالعناية.
5- التناصح: ما نسطره في هذه السلسلة هو رأي يحتاج إلى تصفية وتنقيح وتهذيب، وهذا إنما يكون بتعاوننا جميعًا، وتطبيق التناصح بأعلى وأبهى صورة.
والله يصطفي ويختار لنصرة دينه لحكمةٍ يعلمها، ومنحة يهبها لبعض عباده، وأرجو أن تكون – أو تكوني – منهم، فحياكَ – أو فحياكِ – الله في ثُلَّة الأصفياء.
ومن أجل تجويد الصناعة وإتقانها، فإنا سنسير معًا خطوة بخطوة ولبنة لبنة، بكلام مختصر ومركَّز، يتطلب التأمل، ونقله إلى واقع العمل، ولنبدأ باللبنة الأولى:
لبنة 1: مهمة الأصفياء:
أشار القرآن إلى أن مهمة الإنسان في هذه الأرض تجتمع في ثلاثة أمور: الاستخلاف، والإعمار، والعبادة:
1- قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30]، وقد أجمع المفسرون – تقريبًا – على أن معنى خليفة لا يخرج عن معنيين:
أ- أن يخلف بعضهم بعضًا، جيلًا بعد جيل، وهذا يقتضي استمرار الجنس البشري.
ب- أنه خليفة الله في إمضاء أحكامه وأوامره ونواهيه، وتنفيذ وصاياه، والحكم بين المكلَّفين، وأمدَّه بما يُعينه على ذلك.
ومن خلال هذين المعنيين يمكن القول: إن “خليفة” تُرشِد إلى السعي في تطبيق شريعة الخالق في الأرض، والتواصي بذلك بين الأجيال؛ بحيث يخلُف بعضهم بعضًا في تحقيق ذلك المقصِد ويتوارثونه.
2- قال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود: 61].
استعمركم: جعلكم عُمَّارًا فيها، والسين والتاء للمبالغة، وقيل: للطلب؛ أي بالغ في الطلب منكم لعمارتها، وإنما تكون العمارة بمنهج الخالق، لا بطريقة المخلوق البعيدة عن الصراط المستقيم.
3- قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وهذه واضحة لا تتطلب كثيرَ كلامٍ، وحقيقة العبودية تشمل التذلل والخضوع، والالتزام بمنهج المعبود في كل شؤون الحياة الخاصة والعامة في مختلف المجالات.
وبمجموع تلك الثلاثية يتبين الدور الْمَنوط بنا في الحياة هو الاستخلاف في الأرض، وإعمارها، وتعبيد النفس والآخرين للخالق، والتواصي بذلك، وتوريثه للأجيال إلى قيام الساعة.
________________________________________________________
الكاتب: د. جمال يوسف الهميلي
Source link