منذ حوالي ساعة
{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [(77) غافر]
1- قال تعالى :
{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [(77) غافر]
يقول تعالى آمرا رسوله ، صلوات الله وسلامه عليه ، بالصبر على تكذيب من كذبه من قومه ; فإن الله سينجز لك ما وعدك من النصر والظفر على قومك ، وجعل العاقبة لك ولمن اتبعك في الدنيا والآخرة ، ( فإما نرينك بعض الذي نعدهم ) أي : في الدنيا . وكذلك وقع ، فإن الله أقر أعينهم من كبرائهم وعظمائهم ، أبيدوا في يوم بدر . ثم فتح الله عليه مكة وسائر جزيرة العرب في أيام حياته – صلى الله عليه وسلم – .
وقوله : { ( أو نتوفينك فإلينا يرجعون )} أي : فنذيقهم العذاب الشديد في الآخرة .
قال السعدي:
أي {{ فَاصْبِرْ }} يا أيها الرسول، على دعوة قومك، وما ينالك منهم، من أذى، واستعن على صبرك بإيمانك {{ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ }} سينصر دينه، ويُعْلِي كلمته، وينصر رسله في الدنيا والآخرة، واستعن على ذلك أيضًا، بتوقع العقوبة بأعدائك في الدنيا والآخرة، ولهذا قال: {{ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ }} في الدنيا فذاك {{ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ }} قبل عقوبتهم {{ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ }} فنجازيهم بأعمالهم، {{ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ }} ثم سلَّاه وصبَّره، بذكر إخوانه المرسلين .
فقال:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)}
قال ابن كثير:
ثم قال مسليا له : {( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ) } كما قال في ” سورة النساء ” سواء ، أي : منهم من أوحينا إليك خبرهم وقصصهم مع قومهم كيف كذبوهم ثم كانت للرسل العاقبة والنصرة ، {ومنهم من لم نقصص عليك } وهم أكثر ممن ذكر بأضعاف أضعاف ، كما تقدم التنبيه على ذلك في سورة النساء ، ولله الحمد والمنة .
وقوله : {( وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله )} أي : ولم يكن لواحد من الرسل أن يأتي قومه بخارق للعادات ، إلا أن يأذن الله له في ذلك ، فيدل ذلك على صدقه فيما جاءهم به ، {( فإذا جاء أمر الله ) } وهو عذابه ونكاله المحيط بالمكذبين {( قضي بالحق ) } فينجو المؤمنون ، ويهلك الكافرون : { ( وخسر هنالك المبطلون )}
2- تعريف الصبر :
فالصبر في اللغة: الحبس. ومنه قولهم: قتل فلان صبراً، أي حبس حتى قتل.
وفي الشرع: حبس النفس على طاعة الله واجتناب معاصيه، وعدم التسخط على قضاء الله وقدره.
وبهذا يعرف أن الصبر في الشرع على ثلاثة أقسام:
الأول: صبر على طاعة الله بامتثال الأوامر التي كلفنا بها.
الثاني: صبر على اجتناب معصية الله عز وجل.
والثالث: صبر على أقدار الله المؤلمة.
والقسمان الأولان أشرف وأعلى من القسم الثالث الذي لا يعرف أكثر الناس غيره، وذلك أن الصبر في القسمين الأولين اختياري، أي بإمكان الإنسان أن يصبر فيفعل الطاعة ويجتنب المعصية، وبقدرته أن لا يصبر فيعطي نفسه هواها فيترك الطاعة ويرتكب المعصية.
وأما في القسم الثالث: فإن القدر نافذ لا محالة صبر أو لم يصبر إلا أنه إن صبر أُجر وقدر الله نافذ، وإن سخط أثم وقدر الله نافذ .
والله أعلم.
مراتب الصبر:
ذكر شيخ الإسلام الهروي: أن الصبر على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: الصبر عن المعصية بمطالعة الوعيد إبقاء على الإيمان، وحذراً من الحرام، وأحسن منها الصبر عن المعصية حياء.
والدرجة الثانية: الصبر على الطاعة بالمحافظة عليها دواماً، وبرعايتها إخلاصاً، وبتحسينها علماً.
الدرجة الثالثة: الصبر في البلاء.
وقال ابن القيم: إن الصبر على ثلاثة أنواع:
صبر بالله، وصبر لله، وصبر مع الله.
فالأول: صبر الاستعانة به، ورؤيته أنه هو المصبرّ، وأن صبر العبد بربه لا بنفسه، كما قال تعالى: {(وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ)} [النحل:127].
يعني: إن لم يصبرك هو لم تصبر.
والثاني: الصبر لله، وهو أن يكون الباعث له على الصبر محبة الله، وإرادة وجهه، والتقرب إليه، لا لإظهار قوة النفس.
والثالث: الصبر مع الله، وهو دوران العبد مع مراد الله الديني منه، ومع أحكامه الدينية، صابراً نفسه معها، سائراً بسيرها.
ومنزلة الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له، كما أنه لا جسد لمن لا رأس له. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: خير عيش أدركناه بالصبر. وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم: “والصبر ضياء”، وفي الحديث الصحيح: “عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له” أخرجه البخاري ومسلم.
وذكر ابن القيم في مدارج السالكين: أن الصبر مذكور على ستة عشر نوعاً، ونقل عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه قال: الصبر في القرآن في نحو تسعين موضعاً، وهو واجب بإجماع الأمة، وهو نصف الإيمان.
جعلنا الله وإياكم من الصابرين الشاكرين. والله أعلم.
ما هو الوعد الحق:
جاء في قاموس المعاني : الوعد الحق يعني البعث والحساب والجزاء
{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (سورة إبراهيم /22 )
{وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} ( سورة الأنبياء/97 )
قال السعدي : {{ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ } } أي: يوم القيامة الذي وعد الله بإتيانه، ووعده حق وصدق، ففي ذلك اليوم ترى أبصار الكفار شاخصة، من شدة الأفزاع والأهوال المزعجة، والقلاقل المفظعة، وما كانوا يعرفون من جناياتهم وذنوبهم، وأنهم يدعون بالويل والثبور، والندم والحسرة، على ما فات
3- أمثلة عملية: قال الإمام البغوي : قوله تعالى : {( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله )} أي لطلب رضا الله تعالى {( والله رءوف بالعباد ) } روي عن ابن عباس والضحاك : أن هذه الآية نزلت في سرية الرجيع وذلك أن كفار قريش بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة : إنا قد أسلمنا فابعث إلينا نفرا من علماء أصحابك يعلموننا دينك وكان ذلك مكرا منهم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خبيب بن عدي الأنصاري ومرثد بن أبي مرثد الغنوي وخالد بن بكير وعبد الله بن طارق بن شهاب البلوي وزيد بن الدثنة وأمر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح الأنصاري قال أبو هريرة : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري فساروا فنزلوا ببطن الرجيع بين مكة والمدينة ومعهم تمر عجوة فأكلوا فمرت عجوز فأبصرت النوى فرجعت إلى قومها بمكة وقالت : قد سلك هذا الطريق أهل يثرب من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فركب سبعون رجلا منهم معهم الرماح حتى أحاطوا بهم قال أبو هريرة رضي الله عنه : ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام فاقتفوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه فقالوا : تمر يثرب فاتبعوا آثارهم فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد فأحاط بهم القوم فقتلوا مرثدا ، وخالدا وعبد الله بن طارق ونثر عاصم بن ثابت كنانته وفيها سبعة أسهم فقتل بكل سهم رجلا من عظماء المشركين ثم قال : اللهم إني حميت دينك صدر النهار فاحم لحمي آخر النهار ثم أحاط به المشركون فقتلوه فلما قتلوه أرادوا حز رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد وكانت قد نذرت حين أصاب ابنها يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر فأرسل الله رجلا من الدبر – وهي الزنابير – فحمت عاصما فلم يقدروا عليه فسمي حمي الدبر فقالوا دعوه حتى تسمي فتذهب عنه فنأخذه فجاءت سحابة سوداء وأمطرت مطرا كالعزالي فبعث الله الوادي غديرا فاحتمل عاصما به فذهب به إلى الجنة وحمل خمسين من المشركين إلى النار وكان عاصم قد أعطى الله تعالى عهدا أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا .وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول حين بلغه أن الدبر منعته يقول : عجبا لحفظ الله العبد المؤمن كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع عاصم في حياته .
4- “ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله” قال ابن عباس وأنس وسعيد بن المسيب وأبو عثمان النهدي وعكرمة وجماعة نزلت في صهيب بن سنان الرومي وذلك أنه لما أسلم بمكة وأراد الهجرة منعه الناس أن يهاجر بماله وإن أحب أن يتجرد منه ويهاجر فعل فتخلص منهم وأعطاهم ماله فأنزل الله فيه هذه الآية فتلقاه عمر بن الخطاب وجماعة إلى طرف الحرة فقالوا له ربح البيع فقال وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم وما ذاك فأخبروه أن الله أنزل هذه الآية. ويروى أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال له “ربح البيع صهيب“
5- {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} .
قال الإمام البخاري رصي الله عنه: حدثنا خباب رضي الله عنه قال هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله فوقع أجرنا على الله فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها قتل يوم أحد فلم نجد ما نكفنه إلا بردة إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطينا رجليه خرج رأسه فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه وأن نجعل على رجليه من الإذخر.
Source link