الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:
فمن المقرر عند أهل العلم أن البدعة هي ما لم يُشْرَع من الدين، ولم يأمر به الله ورسوله أمر إيجاب أو أمر استحباب، فهي قسيم السنة وللشريعة؛ قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ }[الشورى: 21]، وقد تكاثرت نصوص القرآن الدلة على أن الله تعالى أكمل الدين وأتم النعمة؛ كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [المائدة: 3]، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115]، في المسند من حديث العرباض بن سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، ومن يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة، وإن عبدًا حبشيًا؛ فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما انقيد انقاد”.
وقال في حديث آخر: ((عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهْديين من بعْدي، تَمَسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومُحدثات الأُمُور؛ فإنَّ كلَّ مُحدثة بدْعة، وكل بدعة ضلالة))؛ رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، من حديث العرباض بن سارية – رضي الله عنه.
ومن المعلوم بالضطرار أن بدعة المَوْلد النبوي الشريف – صلى الله عليه وسلم – لَم يفعلها أحدٌ من القُرُون الخيريَّة الثلاثة، ولا أرشدنا إليه الصادق المصدوق – صلى الله عليه وسلم – أو أحد من خلفائه الراشدين، ولو كان خيرًا لسَبَقُونا إليه، وقد ثبَت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((مَن أحْدَث في أمْرِنا هذا ما ليس منه، فهو رد))؛ رواه البخاري ومسلم، مِنْ حديث عائشة – رضي الله عنها.
وأول مَن أحْدَثَ تلك البدعة العُبَيْديون، الذين يُسمِّيهم جُهَّال المسلمين: الفاطميين؛ قال الشيخ محمد بخيت المطيعي – مُفتي الدِّيار المصريَّة الأسبق – في كتابه: “أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام” ص44:
“مما أحدث وكثر السؤال عنه: المولد، فنقول: إن أول مَن أحدثها بالقاهرة: الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله، توجَّه من المغرب إلى مصر في شوال سنة (361) إحدى وستين وثلاثمائة هجرية، فوصل إلى ثغر إسكندرية في شعبان سنة 362، ودخل القاهرة لسبع خلون من شهر رمضان في تلك السنة، فابتدعوا ستة موالد: المولد النبوي، ومولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ومولد السيدة فاطمة الزهراء، ومولد الحسن، ومولد الحسين، ومولد الخليفة الحاضر، وبقيتْ هذه الموالد على رسومها إلى أن أبطلها الأفضل بن أمير الجيوش… وفي خلافة الآمر بأحكام الله أعاد الموالد الستة المذكورة قبل، بعد أن أبطلها الأفضل وكاد الناس ينسونها…”، ثم قال: “مِن ذلك تعلم أنَّ مظفر الدِّين إنما أحدث المولد النبوي في مدينة (إربل) على الوجْه الذي وصف، فلا ينافي ما ذكرناه من أن أول من أحدثه بالقاهرة الخلفاء الفاطميون من قبل ذلك، فإن دولة الفاطميين انقرضتْ بموت العاضد بالله أبي محمد عبدالله بن الحافظ بن المستنصر، في يوم الاثنين عاشر المحرم سنة (567) هجرية، وما كانت الموالد تُعرف في دولة الإسلام من قبل الفاطميين”… ثم قال: “وأنت إذا علمت ما كان يعمله الفاطميون، ومظفر الدين في المولد النبوي، جزمتَ أنه لا يُمكن أن يحكمَ عليه بالحل”. اهـ.
وجاء في “الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني” (2/ 1087-1089) – في معرض كلامه على بدعة المولد -: “لم أجد إلى الآن دليلاً يدل على ثبوته من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، ولا قياس، ولا استدلال، بل أجمع المسلمون أنه لم يوجد في عصر خير القرون، ولا الذين يلونهم، ولا الذين يلونهم. وأجمعوا أن المخترع له السلطان المظفر أبو سعيد كوكبوري بن زين الدين علي بن سبكتين صاحب أربل، وعامر الجامع المظفري بسفح قاسيون.
ولم ينكر أحد من المسلمين أنه بدعة.
وإذا تقرر هذا لاح للناظر أن القائل بجوازه – بعد تسليمه أنه بدعة، وأن كل بدعة ضلالة بنص المصطفى- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ – لم يقل إلا مما هو ضد للشريعة المطهرة، ولم يتمسك بشيء سوى تقليده لمن قسم البدعة إلى أقسام ليس عليها آثار من علم.
والحاصل أنا لا نقبل من القائل بالجواز مقالة إلا بعد أن يقيم دليلاً يخص هذه البدعة من ذلك العموم الذي لا ينكره.
وأما مجرد قال فلان، وألف فلان، فهذا غير نافق. والحق أكبر من كل أحد.
على أنا إذا عولنا على أقوال الرجال، ورجعنا إلى التمسك بأذيال القيل والقال، فليس القائل بالجواز إلا شذوذ من المسلمين”. اهـ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “مجموع الفتاوى” (23/ 133):
“والبدع المكروهة ما لم تكن مستحبة في الشريعة، وهي أن يُشرِّع ما لم يأذن به الله، فمن جعل شيئًا دينًا، وقربة بلا شرع من الله، فهو مبتدع ضال، وهو الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “كل بدعة ضلالة”، فالبدعة ضد الشرعة، والشرعة ما أمر الله به ورسوله، أمر إيجاب أو أمر استحباب، وإن لم يفعل على عهده كالاجتماع في التراويح على إمام واحد، وجمع القرآن في المصحف، وقتل أهل الردة، والخوارج ونحو ذلك.
وما لم يشرعه الله ورسوله فهو بدعة وضلالة، مثل تخصيص مكان أو زمان باجتماع على عبادة فيه؛ كما خص الشارع أوقات الصلوات، وأيام الجمع والأعياد، وكما خص مكة بشرفها، والمساجد الثلاثة وسائر المساجد بما شرعه فيها من الصلوات وأنواع العبادات كل بحسبه.
وبهذا التفسير يظهر الجمع بين أدلة الشرع من النصوص والإجماعات؛ فإن المراد بالبدعة ضد الشرعة، وهو ما لم يشرع في الدين؛ فمتى ثبت بنص أو إجماع في فعل أنه مما يحبه الله ورسوله، خرج بذلك عن أن يكون بدعة”. اهـ.
وقال في (25/ 298): “وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية، كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار:- فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها”. اهـ.
وقال (27/ 152): “ومعلوم أن كل ما لم يسنه ولا استحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من هؤلاء الذين يقتدي بهم المسلمون في دينهم:- فإنه يكون من البدع المنكرات، ولا يقول أحد في مثل هذا إنه بدعة حسنة؛ إذا البدعة الحسنة – عند من يقسم البدع إلى حسنة وسيئة – لا بد أن يستحبها أحد من أهل العلم الذين يقتدى بهم، ويقوم دليل شرعي على استحبابها.
وكذلك من يقول: البدعة الشرعية كلها مذمومة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “كل بدعة ضلالة”، ويقول قول عمر في التراويح: “نعمت البدعة هذه”، إنما أسماها بدعة: باعتبار وضع اللغة؛ فالبدعة في الشرع عند هؤلاء ما لم يقم دليل شرعي على استحبابه، ومآل القولين واحد؛ إذ هم متفقون على أن ما لم يستحب، أو يجب من الشرع فليس بواجب ولا مستحب.
فمن اتخذ عملا من الأعمال عبادة ودينًا، وليس ذلك في الشريعة واجبًا ولا مستحبًا، فهو ضال باتفاق المسلمين”. اهـ.
وقد فصَّل تلك المسألة في كتابه “اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم” فقال (1/ 40):
“فمن البدع في العبادات: إحداث أعياد واحتفالات لم يشرعها الله ولا رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إنما فعلتها الأمم الأخرى كاليهود والنصارى، أو فارس والروم، ونحوهم، كالاحتفال بيوم عاشوراء، وبالمولد النبوي، وبليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وإحداث صلوات لم يشرعها الله، كصلاة الرغائب، وتخصيص ليالٍ وأيام بعينها بعبادة معتادة، كأول خميس من رجب، وليلة أول جمعة وليلة النصف منه، وكالرهبنة، والسياحة لغير قصد مشروع أو مباح، والغلو في الدين”.
وعليه؛ فلا يَجُوز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، لأنه من البدعة في الدين الذي أدخلته الروافض كما سبق ذكره،،، والله أعلم.
Source link