استقامتك أخي تغيظ أعداءك، وتثبت إخوانك، وتفتُّ في قوى المفسدين، وأنتِ أيتها المباركة المحتشمة، رؤيتك تبعث في نفوس من حولك الثبات والعزة…
اليوم نتكلم عن شخصية عظيمة تنزل لأجل شرفها أشرف كلام، وتكلم عنها من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم، له حقوقٌ عظيمة، فهو من أهل السلام، يسلم عليه عند ابتداء لقائه ونهايته، وإذا أصابه الوهن والضعف يُعاد ويزار، جعل الله من يزوره في خرفة الجنة، لا ينتهي حقُّه في حياته ولا عند مفارقتها بل له حقوق بعد وفاته.
حرم الله إيذاءه والسخرية به وهمزه ولمزه، عظم الله حقَّه، فجعل حرمة حقه كحرمة البيت الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام، أتدرون من هذه الشخصية؟ إنه أنت أيها المسلم، ألم يقل نبينا عليه الصلاة والسلام: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْهُ، وإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ، وإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ».
ألم يقل ربنا جل جلاله في كتابه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11].
أيها المبارك، تأمل في عظيم الشرف الذي منحك الله إياه عندما اخترت الإسلام دينًا أول شرف وأعظمه أنك عبد للملك العظيم جل جلاله بينما كثير من الناس إما عبيد شجر أو حجر أو نار أو درهم أو دينار أو عبيد هوى {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} [الفرقان: 43].
شرفك الله فاختار لك هذا الدين ورضيه وكمله وأتم النعمة عليك به {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
أنزل عليكم أفضل الكُتُب، وأرسل لكم أفضل الرسل، قال عليه الصلاة والسلام: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر».
كفاك شرفًا بأن الله ناداك وخاطبك في كتابه العزيز في مواطن عديدة، هل استشعرت بأن العظيم يخاطبك وبأعظم الأوصاف يناديك {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ألا هل للمنادي من مجيب؟ كم تكررت في القرآن العظيم {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24].
شرفك الله بأن أضافك إليه {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وكلما زاد الشرف زاد التكليف.
أيها المبارك، راقب الأفعال واقرنها بأمر الله جل جلاله، يا عبدالله يا من شرَّفَك الله، لا تكثر التأسي والحزن على الآلام وانفض غبار العجز والكسل، وكن في المكان اللائق بك، فالله أكرمك وعند الدعوة إليه يسددك ويعينك، كم هي الحسنات التي تنتظرك إذا انتقلت إلى دائرة التأثير في الناس ودلالاتهم على الخير، ألم تسمع بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي نقلها لنا أبو هريرة رضي الله عنه «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا».
يا أخي، أنا أخاطبك أنت لا غيرك، يا من تسمع كلامي أوجِّه كلامي لكل واحد منكم، أيها الأحبة فلكل واحد منا دائرة يستطيع التأثير فيها، صغرت هذه الدائرة أو كبرت، وأوْلَى الناس باهتمامك نفسك، فعبد نفسك لربك تبارك وتعالى، وسارع قبل فوات الأوان لإصلاحها، فمن عمل على إصلاح نفسه ترقَّى في سُلَّم الولاية والعبودية، والله يقول عن أوليائه: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62].
استقامتك أخي في باطنك وتفقد توحيدك، وفي ظاهرك في عبادتك، وفي لباسك لا تلبس من اللباس ما نزل عن الكعبين فما أسفل من الكعبين من الإزار في النار.
تراقب ربك جل وعلا في هيئتك، تحترم لقاء الله جل وعلا، وتحترم بيته، وتحترم من أتى للصلاة فتتطهَّر وتتطيَّب، وتبتعد عما يؤذي الناس؛ ولذا أتى الأمر الكريم من النبي صلى الله عليه وسلم «من أكل ثومًا أو بصلًا فلا يقربن مُصلَّانا» إنها العناية باللقاء العظيم.
استقامتك أخي تغيظ أعداءك، وتثبت إخوانك، وتفتُّ في قوى المفسدين، وأنتِ أيتها المباركة المحتشمة، رؤيتك تبعث في نفوس من حولك الثبات والعزة، رؤيتك محتشمة متأسية بعائشة وفاطمة وخديجة تبعث في نفوس الناس من حولك العزة والثبات، وستظل الألْسُن تلهج بالدعاء لكِ ولمن رباكِ.
ابدأ بنفسك ثم الأقرب، يا أخي قلِّب نظرك فيمن حولك من ولد تجد أنك تملك أقوى عوامل التأثير، فأنت تحب ابنك وترجوه، وأنت مصدر أنسه، وأنت من يكافئه ويعاقبه، رضاك وابتسامتك عنده من أغلى أمانيه، وفي المقابل ولدك يحبك ويتعلق بك ويرتبط بتصرفاتك ليتأسى بك، فأين أثرك فيه؟
اصحبه في صلواتك، حفِّزه على حضورها في المساجد، ألحقه بحلق القرآن، اجلس معه وضاحكه، املك قلبه، أدخل السرور عليه، ليكن هذا الأمر أولَ اهتماماتك.
لتكن الصلة بينك وبين بنيك قوية، تحادثهم ويحادثونك، تتكلم ما بخاطرك ويتكلمون ما بخواطرهم، وليكن من جلساتك معهم تذكير بحبيبك صلى الله عليه وسلم.
ألا فلتكن سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم حاضرةً في بيوتنا ومجالسنا، اعمل مسابقة في مجموعة عائلتك لترتفع العزة بالإسلام، أخبر ولدك عن تضحيات الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، كل عوامل التأثير لديك ثم تخاف بعد ذلك؟
أيها الأحبة، إذا استعنا بالله جل جلاله فنحن المؤثرون، ومن الخذلان أن نكون مؤثرين ولكننا لا نؤثر، كيف وصلنا لما وصلنا إليه إلا بتربية والدينا وقبل ذلك فضل ربنا علينا، تفضل ربنا علينا فهدانا ووهبنا والدينا أورثونا الإسلام، فجزاهم الله عنا خيرًا، وأساتذة كرام فهم أعظم الناس أثرًا.
أرجوكم لا تتنازلوا عن مواطن التأثير وابرحوا مكانكم، فأنتم مؤثرون وبأيدكم تُحمَل راية الإسلام كما حُملت إليكم صافية فسلموها لمن بعدكم كما تسلمتموها، وإياكم أن تكونوا مؤثرين ولكن لا تؤثرون.
كيف يفتُّ العجز فيكم والله أمركم بالسعي ولم يطالبكم بالنتائج، وأنتم مؤيدون بتأييد الله، فيا كل أب ولدك ذِكرك فكن ذكرًا حسنًا واستغل كل لحظة في تعميق الإيمان في أولادك، واعلم أن من أقوى وسائل التأثير أن تكون كما كان حبيبك صلى الله عليه وسلم {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159].
ومن يقف الإنسان عاجزًا عن شكر جهودهم هم أولئك الأساتذة المخلصون الذين يبذلون وقتهم وصحتهم ليرفعوا همة أولادكم، فكم من عالم وطبيب ومخترع ومهندس في ميزان والديهم وأساتذتهم.
وعلك الآن تذكر توجيه أب ومعلم فادع لهم.
فيا كل معلم شرَّفه الله بهذه المهنة، اترك أثرًا حسنًا في أبناء المسلمين، فأنت مؤثر، فإياك ألا تكون مؤثرًا، وأنت تقدم لنفسك والله يقول: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المزمل: 20].
ويا كل من يأتيه الناس عند أوجاعهم، أمامك فرصة رائعة لدعوة الناس إلى الخير، فالمنكسر المريض يسمع نصح طبيبه ويستجيب لأمره، فذكِّره بربِّه تبارك وتعالى والاستعانة به، وذكره بالمحافظة على صلاته وأذكاره، فكم استقام إنسان بتوجيه طيب فلا تحرم نفسك.
ويا كل مستشار أتاك صاحب المشكلة وشكا لك حاله أحسن مشورته وذكره بربِّه، وأخبره أن من صلحت صلاته وصلته بربِّه، صلحت حياته كلها.
وإلى الأئمة والخطباء اتقوا الله في جماعة مسجدكم وإخوانكم وأكرموهم ولا تدعوا فرصة لتحبيب الناس في الخير إلا سلكتموها، أفشوا السلام بينكم وبينهم وتناصحوا فيمن بينهم واقدروا لهذه الأمانة قدرها… أعاننا الله وإياكم.
وإلى كل مسلم يملك عوامل التأثير القوية في مجتمعاتنا، وكل واحد منا عليه مسؤولية، فأنتم حُماة لدينكم، فلا تبرحوا مكانكم والله يتولى مجازاتكم.
وإلى كل مريد للخير لأهله ومجتمعه وبلاده، استقامتك وحرصك وبذلك في ميزان حسناتك قبل أن تقدم على أي شيء.
يا أيها الأب ويا أيها المعلم ويا أيها الطبيب ويا أيها الخطيب ويا كل من يرد التأثير قبل أن تتوجه بالتوجيه لأحد، توجَّه لربك جل جلاله واسأله أن يكتب البركة في كلامك، وأن يوفقك لهداية نفسك ثم هداية الناس من بعدك، فكلما افتقرت إلى الله كان الله من إجابتك قريبًا، ألم يقل ربنا تبارك وتعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62].
أيها الغيورون المؤثرون، دونكم جبال الحسنات تنتظركم لتكونوا سدًّا منيعًا أمام الأعداء، استمسكوا بدينكم واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، فأنتم مؤثرون قادرون بعون الله وتوفيقه، فاغرسوا الخير واجعلوا لكم جميعًا صلةً بربِّكم، ليكن لنا جميعًا ورد من كلام الله جل وعلا ولو يسيرًا، فالقليل خير من العدم.
__________________________________________________________
الكاتب:الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
Source link