منذ حوالي ساعة
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فلا شكَّ أن سوء الظن بالنبي صلى الله عليه سلم كفر أكبر مخرج؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم أطهر وأجلُّ من أن يُظن به ظنّ السوء؛ ومن ثمّ فلا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم ظن السوء إلا كافرأصلي أو منافق أو مرتد، أعاذنا الله من ذلك ومن سائر المهالك بمنه وكرمه.
وأصل هذه المسألة أن تصديق القلب يتبعه عمل القلب، فالقلب إذا صدق بما يستحقه الله تعالى من الألوهية، وما يستحقه الرسول من الرسالة تبع ذلك لا محالة، محبةُ الله سبحانه ورسوله عليه الصلاة والسلام، وتعظيمُ الله عز وجل ورسوله، والطاعةُ لله تعالى ورسوله أمر لازم لهذا التصديق، لا يفارقه إلا لعارض من كبر أو حسد، أو نحو ذلك من الأمور التي توجب الاستكبار عن عبادة الله تعالى، وسوء الظن لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمور التي توجب الكفر.
وفي الصحيحين عن علي بن حسين، عن صفية، قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وعنده أزواجه فرحن، فقال لصفية بنت حيي لا تعجلي حتى أنصرف معك، وكان بيتها في دار أسامة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم معها، فلقيه رجلان من الأنصار، فنظرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أجازا، وقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: “تعاليا إنها صفية بنت حيي”، قالا: سبحان الله يا رسول الله، قال: “إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئًا”، في رواية: “وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءًا”، وقولهما: (سبحان الله) وأصلها البراءة لله من السوء، وكثر استعمالها عند التعجب والتفخيم أو؛ الإنكار كما قال تعالى: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16]، فكأنهما قالا رضي الله عنهما: البراءة لله تعالى من أن يخلق في نفوسنا سوء ظن بنبيه صلى الله عليه وسلم، وهو ما جاء في الرواية الأخرى: “ومن كنت أظن به، فلم أكن أظن بك”.
جاء في “فتح الباري” لابن حجر (4/ 280): “والمحصل من هذه الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينسبهما إلى أنهما يظنان به سوءًا؛ لما تقرر عنده من صدق إيمانهما، ولكن خشي عليهما أن يوسوس لهما الشيطان ذلك؛ لأنهما غير معصومين، فقد يفضي بهما ذلك إلى الهلاك، فبادر إلى إعلامهما حسما للمادة، وتعليما لمن بعدهما إذا وقع له مثل ذلك.
كما قاله الشافعي رحمه الله تعالى، فقد روى الحاكم أن الشافعي كان في مجلس بن عيينة، فسأله عن هذا الحديث؟ فقال الشافعي: إنما قال لهما ذلك لأنه خاف عليهما الكفر، إن ظنا به التهمة، فبادر إلى إعلامهما، نصيحة لهما، قبل أن يقذف الشيطان في نفوسهما شيئًا يهلكان به”
وجاء في “شرح مسلم” للنووي (14/ 156): “فإن ظنَّ السوء بالأنبياء كفر بالإجماع، والكبائر غير جائزة عليهم، وفيه أن من ظن شيئًا من نحو هذا بالنبي صلى الله عليه وسلم، كفر”. اهـ.
وعليه فإن كان الحال كما ذكر في السؤال، أن الشخص المذكور أساء الظن برسول الله صلى الله عليه وسلم= فقد كفر؛ لأن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم لازم لإيمان القلب، فإذا انتفى لم يبق في القلب إيمان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “شرح العقيدة الأصفهانية” (ص: 195): “فما في القلب من التصديق بما جاء به الرسول، إذا لم يتبعه موجَبه ومقتضاه من العمل قد يزول؛ إذ وجود العلة يقتضي وجود المعلول، وعدم المعلول يقتضي عدم العلة، فكما أن العلم والتصديق سبب للإرادة والعمل.
فالتصديق الجازم في القلب يتبعه موجَبُه بحسب الإمكان؛كالإرادة الجازمة في القلب:
فكما إن الإرادة الجازمة في القلب: إذا اقترنت بها القدرةُ، حصل بها المراد، أو المقدور من المراد لا محالة، ومتى كانت القدرة حاصلة، ولم يقع الفعل، كان الحاصل همًا، لا إرادةً جازمةً، وهذا هو الذي عُفِي عنه.
فكذلك التصديق الجازم: إذا حصل في القلب، تبعه عملٌ من عمَل القلب لا محالة، لا يُتصوَّر أن ينفك عنه، بل يَتبعُه الممكن من عمل الجوارح؛ فمتى لم يتبعه شيء من عمل القلب، علم أنه ليس بتصديق جازم؛ فلا يكون إيمانًا.
لكن التصديق الجازم: قد لا يتبعه عمل القلب بتمامه؛ لعارض من الأهواء؛ كالكبر، والحسد، ونحو ذلك من أهواء النفس.
لكن الأصل: أن التصديق يتبعه الحب، وإذا تخلف الحب ،كان لضعف التصديق الموجب له؛ ولهذا قال الصحابة: كل من يعص الله فهو جاهل.
هذا؛ والله أعلم.
Source link