وها هو ضياءُ رمضانَ قدْ لاحَ، وعَبِقَهُ مِنْ قريبٍ فَاحَ، فالسعيدُ مَنْ استعدَّ بالتوبةِ، وتَجهَّزَ بالرجوعِ إلى اللهِ والأوبةِ، ويا سعادةَ مَنْ مُدَّ لَهُ في الأجلِ، فأدركَ رمضانَ، ووفِقَ لحُسْنِ العملِ…
لقدْ حَلَّ بساحتِكم – عِبادَ اللهِ – شهرُ القرآن {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، وجاءَكُمْ شهرُ البرِّ والإيمانِ، والصَّفْح والغُفْرانِ، شهرٌ تُفتَحُ فيهِ أبوابُ الجنةِ، وتُغلَقُ أبوابُ النارِ، وتُصفَّدُ الشياطينُ، ومَنْ صامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لهُ ما تقدَّمَ مِنْ ذنبِهِ، ومَنْ قامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لهُ مَا تقدَّمَ مِنْ ذنبِهِ؛ فيه ليلةٌ خيرٌ مِن ألفِ شهرٍ، مَنْ حُرِمَ خيرَهَا فهو المَحرُومُ {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3].
فهنيئاً لمنْ أدركَ هذا الشهرَ، فجعلَهُ موسِمَ دهرِهِ، وعمّرَ أيَّامَهُ ولياليهِ في طاعةِ رَبِهِ، والعملِ بما يُقرِّبُهُ لمناداةِ بابِ الريَّانِ، ودخولِ دارِ الرضوانِ، فمرحبًا بهذا الشهرِ الكريمِ، ونعِمَ المجيءُ جَاءَ.
يَعُودُ شهرُ رمضانَ مليئًا بأكاليلِ الفرحةِ والابتهاجِ، والنفوسُ مُقبلةٌ على صِيامهِ وقِيامهِ، والاشتغالِ بتلاوةِ القرآنِ وتدبُّرهِ، والقلوبُ تتهيَّأ لضيفِهَا، وتُعِدُّ العُدَّة لاستقبالِهِ بما يليقُ بِهِ، ابتغاءَ وجهِ اللهِ تعالى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197].
يَقْدُمُ عليكمُ شهرُ التزوُّدِ للمعادِ، وملاقاةِ ربِّ العبادِ، فليكنِ استقبالُكُم لُهُ بنيةٍ خالِصَةٍ، فانْوُوا الخَيرَ، واعقِدُوا العَزمَ، واشحَذُوا الهِمَمَ؛ تُفتَحْ لَكُم أبوابُ السعادةِ والتوفيقِ {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد:21]، وممَّا يُعِينُ على ذلكَ تجديدُ العهدِ معَ اللهِ تعالى، بالائتمارِ بأوامِرِهِ، والانتهاءِ عَنْ نَواهِيهِ، والاستقامةِ على الجادَّة، وإنما العِبرةُ بالخواتِيم.
وإنَّ مِنْ صِدقِ الاستعدادِ مُجاهَدةُ النفسِ والهوى، ومُراغَمةُ الشيطانِ، والاجتهادُ في التعرُّضِ لنفحاتِ الربِّ الوهَّابِ، والإقبالُ على رمضانَ في ابتهاجِ وانشراحِ، وفرحٍ بالعبادة، وسؤالِ اللهِ الإعانةَ والقبولَ: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].
ومِنْ أوجبِ الاستعدادِ لتاجِ المواسمِ التوبةُ النصوحُ، إقلاعًا عنِ المعاصي، وندمًا على فِعْلِهَا، وعزمًا على عدمِ العودةِ إليها، ومسارعةً إلى فعلِ الخيراتِ، وحفظِ الأوقاتِ، والبُعْدِ عن الملهيات.
حُسْنُ الاستعدادِ لشهرِ الصيامِ يكونُ بتصفيةِ النفوسِ مِنَ الغِلِّ، والحسدِ، والكِبْرِ، والغِشِّ، والغِيبةِ، والنّميمةِ، والإحسانِ إلى الوالدينِ وصلةِ الأرحامِ، وحسنِ الجوارِ، وكفِ الأذى، وبذلِ النّدى فقدْ كانّ نبيكُم صلى الله عليه وسلم: «أجودَ الناسِ وكانَ أجودَ مَا يكونُ في رمضانَ».
ومنْ الجِدِّ في الاستعدادِ حِرصُ العبدِ على مَعْرِفةِ أحكامِ الصيامِ والقيامِ، وسؤال أهلِ العلمِ فيما يَجهلُهُ، ليعبدَ اللهَ على بَصيرةٍ، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل:43].
وإذا أرادَ اللهُ بعبدِهِ خيرًا فتحَ لهُ أبوابَ الذُل والافتقارِ، ودوامَ التضرُّع والدعاءِ {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
وها هو ضياءُ رمضانَ قدْ لاحَ، وعَبِقَهُ مِنْ قريبٍ فَاحَ، فالسعيدُ مَنْ استعدَّ بالتوبةِ، وتَجهَّزَ بالرجوعِ إلى اللهِ والأوبةِ، ويا سعادةَ مَنْ مُدَّ لَهُ في الأجلِ، فأدركَ رمضانَ، ووفِقَ لحُسْنِ العملِ؛ ومَا استعانَ عبدٌ على دِينهِ بمثلِ خشيةِ ربِّه ومراقبتِهِ، ومَنْ خافَ أدلجَ، ومَنْ أدْلجَ بَلَغَ المنزِلَ إلا إنَّ سِلْعَةَ اللهِ غاليةٌ، إلا إنَّ سِلْعَةَ اللهِ الجنّة!
اللهُمَّ متعنا بشهرِ رمضانَ، وأعنا فيه على الصِيامِ والقيامِ وقراءةِ القرآنِ يا ذا الجلال والإكرام.
Source link