هيا بنا نُقلِّب صفحات الكتاب العزيز لنبحث عن أطواق النجاة؛ بل قل لنجد سفن النجاة التي تُخلِّصنا وتستخلصنا من بحر الشهوات والفتن.
تخيَّل شخصًا يُصارع الأمواج وسط البحر تطرحه يَمْنةً ويَسْرةً، تعصف بقلبه وجسده، تصرع أمنه واطمئنانه، تقتل سكينته وهدوءه، تتركه حيرانَ بعد أن كان حليمًا، وتأخذه كل مأخذ، ثم إذا به يجد طوق نجاة على بُعْد أمتار منه.
ما مدى فرحته وقتها؟ ما مدى إصراره للوصول إليه والتمسُّك به؟
ها هي الفتن تحيط بنا في كل وقت، فتنٌ كقِطَع الليل المظلم، فتنٌ تترك الحليم حيرانَ، فتنٌ تفتك بإيماننا وتصارع قلوبنا الضعيفة، وتمسك بتلابيب أرواحنا المُشتَّتة.
فتن في كل ما حولنا؛ في الشوارع، وفي مواقع التواصل والمواقع، وفي المواصلات واللقاءات، فتن شبهات وشهوات، فما السبيل للنجاة منها واجتناب لهيبها المستعر؟
لم أجد سبيلًا للنجاة- نبحث فيه عن أطواق الأمان- مثل كتاب ربي، ولِمَ لا وقد قال حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسَّكْتم به لن تضلُّوا بعدي أبدًا: كتاب الله…» ؟
فهيا بنا نُقلِّب صفحات الكتاب العزيز لنبحث عن أطواق النجاة؛ بل قل لنجد سفن النجاة التي تُخلِّصنا وتستخلصنا من بحر الشهوات والفتن.
وجدت هذه الأطواق تتجلَّى بشدَّة في موقف سيدنا يوسف مع امرأة العزيز، وأنت تقرأ الآيات تستغرب من ثباته أمام هذه الفتنة العظيمة التي من الصعب الصمود أمامها؛ ولكن يزول عجبك عندما تتدبَّر الآيات وتتعلَّم منها ما هي أطواق النجاة التي لبسها سيدنا يوسف لينجو بنفسه من هذا البلاء وهذه الفتنة؟
• طوق {مَعَاذَ اللَّهِ} [يوسف: 23].
• طوق {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف: 23].
• طوق {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف: 23].
• طوق {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24].
• طوق {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} [يوسف: 25].
• طوق {فَاسْتَعْصَمَ} [يوسف: 32].
• طوق {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} [يوسف: 33].
• طوق {إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} [يوسف: 33].
فما كانت نتيجة تمسُّكه بتلك الأطواق، قال الله: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ} [يوسف: 34].
أرأيت تلك الأطواق التي نجَّتْ سيدنا يوسف بفضل الله ووصلت به إلى بَرِّ الأمان، رغم أن جميع الأسباب ممهدة للفاحشة والفتنة، فهو شابٌّ وغريبٌ، والمكان مغلق، والمرأة جميلة ومتهيئة له، وهي الداعية.
حَرِيٌّ بنا أن نتوقَّف مع كل طوق منها وقفةً طويلةً لنفعلها في حياتنا وفي تعاملنا مع الفتن التي تحيط بنا.
طوق {مَعَاذَ اللَّهِ}:
طوق الاستعاذة بالله واللجوء إليه عندما تحضر الفتنة أمام عينك. إذا رأيت معصية تقترب منك فتدرَّع بسلاح “معاذ الله”، قل أعوذ بالله من هذه الفتنة، استحضر أن الله هو الذي يحميك منها ويصرفها عنك مهما كانت شديدةً، ومهما كنت أنت ضعيفًا.
قل بقوة معاذ الله وواجه بها من يحاول فتنتك، ذكِّره بالله وقوته وبطشه، إن استجبت أنت وهو للفتنة، فإن المتعة ستزول مهما عظمت ويبقى الذنب والندم والحسرات.
مهما كاد لك الشيطان فكيدُه ضعيفٌ أمام “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”، كرِّرها إذا عرضت لك الفتنة فسيفر بعيدًا عنك، قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36].
قل: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} [هود: 43]، فارحمني يا رب رحمةً تنجيني بها من هذه الفتنة، واصرف عني السوء والفحشاء.
أتذكَّر قصة الثلاثة الذين دخلوا الكهف وأغلقت عليهم الصخرة؟
أتذكَّر قصة الرجل الذي كان سيزني با بنة عمِّه، فإذا بها تُذكِّره بالله وتقول له: (اتقِ الله) فقام عنها؟
انظر كيف أن ذِكْر الله في موطن الفتنة والفاحشة هَزَّ قلبه وجوارحه خوفًا من الله، فقام عنها، ونجَّاه الله من الفاحشة حتى إنه توسَّل بهذه الحادثة، ففرج الله عنهم بها جزءًا من الصخرة.
فلا تغفل عن هذا الطوق وتمسَّك به.
طوق {إِنَّهُ رَبِّي}:
والرب هنا معناها السيد؛ أي: سيده، وهو عزيز مصر الذي ربَّاه.
كذلك حفظ الله جميل العزيز الذي ربَّاه وأكرم مثواه وأحسن إليه، فهل جزاء إحسانه إليه إلا أن يحفظ عرض زوجته ولا ينتهك حرماته؟
وما أجمله من معنى لو استحضرته لكفَّك عن انتهاك أعراض الناس بالنظر وغيره من الشهوات، فكما أنك لا تحبُّه لأختك ولا لأُمِّك، فكذلك الناس لا يحبُّونه لأمهاتهم ولا لأخواتهم.
فحفظ حقوق العباد والخوف من انتهاكها والاقتصاص لهم منك يوم القيامة من المنفرات من فعل القبائح والآثام.
جاء شاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الزنا، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يذكره بأنه كما لا يحب ذلك لأُمِّه ولأخواته ولعمَّاته، فإن الناس لا يحبونه لأهلهم.
فما أجمله من أسلوب تربوي نبوي يخاطب به النبي قلب الشاب وعقله ليبتعد عن الحرام!
لم يقل له مباشرةً: (هذا فعل مُحرَّم)؛ بل سأله واستثار مشاعر الغيرة والنخوة عنده، وجعله يُجيب بنفسه عن سؤاله.
فتمَسَّك بهذا الطوق ولا تترُكْه.
طوق {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}:
تذكَّر أن مآل الشهوات والفتن وعاقبتها في الدنيا والآخرة رادع عظيم عن انتهاكها، لو تذكر الإنسان أن الجزاء من جنس العمل، وأن من انتهك حُرُمات الناس انتهك الناس حرماته، وأن المنتهك للحرمات والزنا بأنواعه ظالمٌ وغير مفلح؛ بل خاسر في الدنيا بما يعاقبه الله به من فساد قلبه وخوفه واضطرابه من انكشاف أمره، ومن الهمِّ والغَمِّ والحزن الذي يصيب قلبه بعد المعصية، ومن الأمراض النفسية والجسدية، ولو تذكَّر عقاب الآخرة وهو أشدُّ وأنْكَى، ولو تذكَّر فضيحته أمام الخلق يوم القيامة، لو تذكَّر كل ذلك، لانتهى عما تراوده نفسه وشيطانه عنه.
فإذا راودتك المعصية فتذكَّر نظر الله إليك، وتذكَّر هذه العقوبات الدينية والدنيوية؛ فإنها بإذن الله تحجزك عن ارتكابها.
طوق {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}:
الإخلاص هذا الدواء الناجع والإكسير الفعَّال في مواجهة الفتن، فامتلاء القلب بالإخلاص لله وإرادة وجهه في كل أعمالنا ونيَّاتنا وخواطرنا وضمائرنا واستشعار محبته وطلب رضاه وحده وغيرها من معاني الإخلاص من أكبر مُطهِّرات القلب من الشهوات والفتن، فإذا عرفت مَنْ تَعبُد هان عليك ما تترك من شهوة، وإن قدَّرت الله حقَّ قدره، لما جعلته أهون الناظرين إليك.
ولكن الغفلة التي تصيب القلب في خضم الشهوة تنسيه شهود هذه المعاني وحضورها أمام ناظريه، ولكن الإخلاص ومداومة الذكر في كل حال تبعد عنك الغفلة وترزقك دوام المراقبة لله كأنك تراه.
فلا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله على كل حال حتى إذا هاجمتك الشهوة تسلطت عليها بسيف المراقبة فتنجو بإذن الله، {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].
طوق {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ}:
هذا الطوق من أهم أطواق النجاة، وهو من الخطوات العملية، وهو أن تفرَّ من المكان الذي به الشهوة وتغلق الباب دونه، فلا تظنَّ أنك قوي وتستطيع مقاومة نفسك؛ بل قم مباشرةً من المكان الذي يدعوك إلى المعصية، واهرب من الصحبة التي تُزيِّنها لك، وابتعد عنهم، ولا تُلقي بنفسك أمام القطار، ثم تستغيث منه؛ بل اقفل وجفِّف منابع الفتن.
ومن حام حول الحمى سقط فيه، ومن كشف ستائر الشهوة وعرض نفسه لها، قارب على الوقوع فيها.
ألم يقل الله عز وجل: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32]، لم يقل: ولا تفعلوا الزنا. لماذا؟ لأنه لا بد من اتخاذ خطوات وقائية سابقة لتنوء بنفسك عن الخطأ.
ألا تذكر أن قاتل التسعة والتسعين نفسًا، أمره العالم بترك أرضه السيئة والهجرة لأرض طيبة، ليبعده عن المكان الذي يعصي الله فيه- والذي ليس فيه من ينهاه عن المنكر- إلى أرض يجد فيها من يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر؟
فأثر البيئة المحيطة مهم جدًّا في تشكيل سلوكياتنا وعاداتنا؛ فالإنسان ابن بيئته، وكذلك الصحبة لها أثر عظيم، فإن كانت صحبتك سيئة تنفخ الكير وتؤذيك بريحها المنتنة وتحثُّك على المنكرات، فاتركها فورًا وابحث عن صحبة طيبة من حاملي المسك تعبد الله معهم.
انظر إلى الأشياء التي كانت سببًا في فتنتك وتخلَّ عنها، لو كان الهاتف مثلًا يمكنك عدم الاختلاء به فتخلَّ عن هذا السلوك واجلس مع الأسرة وأنت تشاهد الهاتف.
لو كان تطبيق معين فاحذفه وأغلق هذا الباب الذي يأتيك منه الشر، وهكذا.
وتذكر دائمًا ألا تفتح على نفسك أبواب الفتن، فإن فُتِحت رغمًا عنك، ففِرَّ بنفسك ودينك، واخرج بعيدًا عنها كأنك تفرُّ من حيوان مفترس يوشك أن يمسك بك.
طوق {فَاسْتَعْصَمَ}:
ها هي امرأة العزيز تصف سيدنا يوسف للنسوة، وتقول: إنها راودته عن نفسه ولكنه استعصم.
قوله: {فَاسْتَعْصَمَ}:
قال قتادة: استعصى، وقال ابن عباس: امتنع.
أي: منع نفسه وجاهد نفسه في الامتناع عن المعصية، وهكذا يجب أن نتمسك بهذا الطوق إذا عرضت لنا الفتن، طوق كف النفس والمجاهدة والامتناع وعدم اتباع الهوى، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
فمجاهدةُ النفسِ أعظمُ من مجاهدة العدوِّ، فإن لم تستطع ترويض نفسك الأمَّارة بالسوء وكفها عن الذنوب، فكيف لك أن تجاهد الأعداء بالسيف؟
قد يتطلب الأمر بعض المشقة والمجاهدة ولكن لو نظرنا لحلاوة الانتصار على المعصية والسلامة من العقوبات لوجدنا الأمر يستحق الصبر والمجاهدة.
طوق {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ}:
اختار سيدنا يوسف السجن عن الوقوع في المعصية، فاختار البلاء والعقوبة الدنيوية على العقوبة الدينية، وهكذا تفكير أولو الألباب الذين يدركون أنه مهما كان بلاء الدنيا، فإنه سينتهي يومًا ما، أمَّا عقوبة الآخرة فهي دائمة إلى أبد الآبدين.
فالدنيا دار بلاء بطبيعة الحال فاختر أخفَّ البلاءات.
إذا عرض عليك عمل أو تجارة تدرُّ عليك الكثير من الأموال ولكنها مُحرَّمة تفسد دينك فتخلَّ عنها واحتسبها عند الله يعوِّضك الله خيرًا منها في الدنيا أو في الآخرة إن لم يكن في الدنيا.
فما فائدة المال الحرام والنعيم الدنيوي إذا أدَّى بك إلى غمسة في النار تقول معها: (والله ما رأيت نعيمًا قط)؟! وما قيمة البلاء الدنيوي إذا غمست في الجنة غمسة تنسيك مُرَّه وضرَّه حتى تقسم أنك ما رأيت بلاءً قطُّ؟!
كما في الحديث الصحيح: «يؤتَى يومَ القيامةِ بأنعَمِ أَهْلِ الدُّنيا منَ الكفَّارِ، فيُقالُ: اغمِسوهُ في النَّارِ غَمسةً، فيُغمَسُ فيها، ثمَّ يقالُ لَهُ: أي فلانُ، هل أصابَكَ نعيمٌ قطُّ؟ فيقولُ: لا، ما أصابَني نعيمٌ قطُّ، ويؤتَى بأشدِّ المؤمنينَ ضرًّا وبلاءً، فيُقالُ: اغمِسوهُ غمسةً في الجنَّةِ، فيُغمَسُ فيها غمسةً، فيُقالُ لَهُ: أي فلانُ، هل أصابَكَ ضرٌّ قطُّ أو بلاءٌ، فيقولُ: ما أصابَني قطُّ ضرٌّ ولا بلاءٌ».
وما قيمة التمتُّع ستين أو سبعين سنةً ثم العقاب عليها إلى ما لا نهاية؟
لو سألت نفسك: منذ متى مات الصحابة والمنافقون والكفار الذين كانوا في زمن رسول الله تقريبًا؟ منذ ألف وأربعمائة سنة وكل هذه المدة في القبور يُجازون على الستين أو السبعين عامًا التي عاشوها!
ماذا لو صبرنا في مدة الدنيا القصيرة على شهواتنا؟! ستمر سريعًا ونتمتع في قبورنا وفي منازلنا بالجنة إن شاء الله.
فلِمَ نبيع الغالي بالرخيص؟! ولِمَ نبيع جنةً باقيةً عرضها السماوات والأرض بجناح بعوضة زائل؟!
فاختر لنفسك.
إذا تزاحمت أمامك المفسدتان، فاختر أقلَّهما خطرًا، وادْعُ اللهَ دومًا: اللهُمَّ لا تجعل مصيبتنا في ديننا، فإن أي مصيبة بعد ذلك هينة.
طوق {إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ}:
“في قول يوسف:…عبرتان: إحداهما: اختيار السجن والبلاء على الذنوب والمعاصي. والثانية: طلب سؤال الله ودعائه أن يُثبِّت القلب على دينه ويصرفه إلى طاعته، وإلا فإذا لم يثبت القلب صبا إلى الآمرين بالذنوب وصار من الجاهلين. ففي هذا توكُّل على الله واستعانة به أن يُثبِّت القلب على الإيمان والطاعة، وفيه صبر على المحنة والبلاء والأذى الحاصل إذا ثبت على الإيمان والطاعة”؛ [ابن تيمية: 4 /39].
ففي الآية طوقان اثنان: التبرُّؤ من حوله وقوته إلى حول الله وقوته والاعتراف بعجزه.
علم أنه لا كاشف لها من دون الله، وعلم ألا يكشف السوء وينجي من المهالك إلا الله، وعلم ألَّا يجيب المضطر إلا الله، واعترف أنه ضعيف أمام الفتنة ويخاف على نفسه من الوقوع فيها.
قال ابن كثير في تفسيره: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} [يوسف: 33]؛ أي: إن وكلتني إلى نفسي، فليس لي من نفسي قدرة، ولا أملك لها ضرًّا ولا نفعًا إلا بحولك وقوتك، أنت المستعان وعليك التكلان، فلا تكلني إلى نفسي.
وهكذا يجب على المسلم ألا يركن إلى نفسه طرفةَ عينٍ، ولا يثق بها فيكله الله إليها؛ بل يوقن بقلبه ألا حول من حال إلى حال ولا تغيُّر من حال إلى غيره إلا بالله، ويعلم ألَّا قوة له على شيء إلا بإذن الله.
قد قال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء: 74].
حتى نبيك لم يكن ليثبت إلا بإذن الله، في التفسير الميسر: “ولولا أن ثبتناك على الحق، وعصمناك عن موافقتهم، لقاربت أن تميل إليهم شيئًا من الميل فيما اقترحوه عليك؛ لقوة خداعهم وشدة احتيالهم، ولرغبتك في هدايتهم”.
وقد دعا خليل الرحمن بالثبات وخاف على نفسه الشرك، فقال: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35]، فكيف بحالنا نحن الضعفاء؟! اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفةَ عينٍ ولا أقل من ذلك.
والطوق الثاني طوق الدعاء غير المباشر في صورة شكوى؛ كما قال سيدنا أيوب: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83].
في تفسير القرطبي: “قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ} [يوسف: 34] لما قال: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ} [يوسف: 33] تعرض للدعاء، وكأنه قال: اللهم اصرف عني كيدهن، فاستجاب له دعاءه، ولطف به وعصمه عن الوقوع في الزنا”.
فتوسَّل إلى الله بحاله لإجابة دعائه، وأصدق الدعاء ما يكون في الضراء حيث يكون القلب خائفًا وجلًا مخبتًا راجيًا رحمةَ الله وفضله ولطفه به، فيخرج الدعاء من أعماق القلب فيستجاب بإذن الله، قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62].
فإذا راودتك فتنة تخاف منها على دينك فلا تغفل عن هذا الطوق الفعَّال؛ طوق الدعاء والإلحاح على الله.
وبعد: فقد استعرضنا بعضًا من أطواق النجاة التي تمسَّك بها سيدنا يوسف لينجو من فتنة النساء، فما أحوجك أخي المسلم أن تتمسَّك بها لتركب سفينة النجاة وتصل إلى بر الأمان! فاركب معنا وانجُ بنفسك من هذه الأمواج العاصفة والفتن المهلكة.
___________________________________________________
الكاتب: سمر سمير
Source link