(هَمَسات .. في كلمات) في النسخة الـ (30) بفضل الله ومنَّته:
- (الدُّعاءُ هو العبادةُ) هكذا قال الحبيب المصطفى، والنبي المجتبى صلوات الله وسلامه عليه، وما دام أن الدعاء هو العبادة فلا يجوز صرف هذه العبادة وأي عبادة أخرى لغير الله؛ لأن ذلك شرك وظلم عظيم {(وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ)} لكن وللأسف دعاء غير الله متفشي بشكل مخيف في كثير بقاع الأرض بل وفي بعض مجتمعات المسلمين، فيصرفون هذه العبادة العظيمة وهي الدعاء لمخلوق ويدَعُون الخالق سبحانه، وإذا عدنا لزمن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه «(إذا فرغَ مِن دفنِ الميِّتِ وقفَ علَيهِ ، فقالَ: استغفِروا لأخيكُم، وسَلوا لَهُ التَّثبيتَ ، فإنَّهُ الآنَ يُسأَلُ)» [1]سبحان الله هذا ميت من الصحابة الذين «(رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)» وقد صلَّى عليه الرسول بنفسه، ودعا له بالرحمة والمغفرة؛ ودعوة الأنبياء مستجابة، ثم يقول «(استغفِروا لأخيكُم ، وسَلوا لَهُ التَّثبيتَ)» أي انه محتاج من الأحياء للدعاء، لا أن ندعوه من دون الله كما يفعل كثير من الجهلة الذين يدعون الأموات من دون الله تعالى {(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)}
——–
- لو تتبعنا القرآن لوجدنا أن الله عز وجل يجمع بين الإيمان به سبحانه واليوم الآخر مع أمر أو نهي، ذلك أن عدم الإيمان بالله وباليوم الآخر يعني انتشار لكل أنواع الجرائم، فالتخفي وخداع البشر أمر سهل ميسور، لكن من في قلبه إيمان بالله ويعلم أن في اليوم الآخر ثواب وعقاب هنا يرتفع منسوب الرقابة الذاتية لديه فيحجم عن الوقوع في الموبقات من قتل وغيره، ولو لم يكن هناك يوم آخر، لكان الظَلَمة هم أنجح الناس في الدنيا، ولكان المظلومون أغبن الناس، ولكان الظلم من مكارم الأخلاق ومن خصال الشجاعة، وبهذا يكون القوي الظالم هو الناجح، والمظلوم الضعيف هو الخاسر، وهذا ما يفسر انتحار أو جنون بعض من وقع عليهم ظلم شديد فيسيطر عليهم اليأس لأنهم لا يؤمنون بيوم يُقتَص فيه من الظالم، أما مع الإيمان بالله واليوم الآخر فإن المظلوم يطمئن إلى أنه ظالمه قد خسر خسرانا مبينا {(وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)} .
——–
- في مجتمعات المسلمين كثير هم حفظة القرآن، وهذا حسن، لكن الكثير منهم لم يقرأ تفسير للقرآن ولو مختصرًا مختصرًا حتى لمرة واحدة في حياته الطويلة مع القرآن، فتجده قد ختم القرآن مرات وكرات ولم يبدأ في ختمة لتفسير مختصر فضلًا عن المطول، والمعرفة بالمعاني تكون عونًا للحافظ على فهم وتدبر والعمل بما يحمل في صدره من كلام الله عزَّ وجل، فالذي اقتصر على الحفظ فقط كيف سيدفع أهل الشبهات بالقرآن إذا كان هو لا يعرف معانيه، حيث أن القرآن فيه رد على كل شبهة، وفضح لكل باطل، وحجة لكل حق، والتلاوة لألفاظه فقط دون فقه معانيها لن تسعف صاحبها عند مصادفته لشبهة ما، وما أكثر ما تلاحق الشبهات الناس وإن فروا منها، حتى أفلام الكرتون الخاصة بالأطفال لم تسلم من سموم أهل الباطل العقدية، وإذا كان حامل القرآن يعجز عن الرد، فالمشكلة فيه لا في القرآن، ومن أسباب هذه المشكلة هو بعض القائمين على المحاضن القرآنية الذين يصرفون جل اهتمامهم للحفظ وإتقان المحفوظ وتجويده، ولا يعيرون اهتمامًا يذكر بالغاية العظمى من تنزيله، بل ربما كان المعلم والمربي هو نفسه لم يقرأ في حياته تفسيرًا كاملًا للقرآن ، وماذا على متعلم القرآن أن يشفع حفظه بقراءة لتفسير سهل مثل التفسير الميسر، أو المختصر في تفسير القرآن أو المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير، فيا حامل القرآن قد ضبطت حروفه، فأقم حدوده.
——–
- من الصعب إحصاء عدد القنوات الإعلامية والوكالات والمواقع ومنشورات مواقع التوصل الاجتماعي التي تتحدث عن الحقوق، لا سيما حقوق المرأة، لكن المشكلة ليست في الوقوف ضد حقوق المرأة، فهذا لا يكاد يصرح به أحد حتى الملاحدة، ولكن المعضلة الكبرى هي تحديد ما هي حقوق المرأة قبل المطالبة بها، أما في الشريعة الإسلامية فالمرجعية في الحقوق والصواب والخطأ واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار {( وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ)} والمرجعية متمثلة في مثل قوله تعالى: {(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) } بالمقابل كل اتجاه مخالف للوحي الإلهي مرجعه لأهواء بشرية قاصرة (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ولنأخذ على ذلك مثالًا واحدًا فقط، في الإسلام من حقوق المرأة الزواج ولو كانت دون الثامنة عشر، ومحرم عليها الزنى بأي عُمُرٍ كان، في المجتمعات الملوثة بالعلمانية من حق المرأة الزنى بأي عُمُر أما الزواج فليس من حقها دون الثامنة عشر لأنهم يعتبرون ما دون الثامنة عشر قاصر وذلك بلا دليل ولا برهان، هذا مثال واحد وغيره كثير من صور التناقض والتخبط في المجتمعات العلمانية والديمقراطية ومن اغترَّ بهم، فالقضية ليست في الحقوق ولكن تحديد الحقوق وإثباتها بالحجة والبرهان، فكل من زعم أن شيئا ما من حقوق المرأة أو ليس من حقوقها نقول له (هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
——–
- ما أكثر النصوص من آيات وأحاديث وكلام السلف من صحابة وتابعين وغيرهم في الحث على الصدقة والجهاد بالمال وبيان أهمية ذلك وفوائده، وبعض الناس عندما يسمع ذلك يذهب بعقله إلى أصحاب الأموال الوفيرة، وطبقة الموسرين والأغنياء، وهذا وأمثاله لم يفقه معنى الصدقة الحقيقي، فالصدقة أول وأكثر ما يعود نفعها على المتصدق نفسه، وأنت بحاجة إلى عوائد الصدقة سواء أكنت موسِر أو مُمْلِق، سواء كنت في قمة الغنى أو في قاع الفقر، هذا المعنى فهمه الصحابة جيدًا، فاستمع إلى أحد فقرائهم وهو يقول {(لمَّا نَزَلَتْ آيةُ الصَّدقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ عَلَى ظُهُورِنا)} سبحان الله! نزلت آية الصدقة وكثير من الصحابة فقراء أصلًا لا يملكون ما يتصدقون به بل هم يحتاجون إلى من يتصدق عليهم، لكن هل سيفوتون أجر الصدقة؟ لا، فما الحل؟ الحل أن يعمل أحدهم حمَّالًا عند الناس يحمل الثقيل على ظهره، لا لشيء إلا للحصول على المال والتصدُّق به، فلو كنا نفكر بهذه العقلية لما ترك الصدقة فقيرنا فضلًا عن غنينا.
وصلى الله على المصطفى وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
[1] صحيح أبي داود (3221).
Source link