منذ حوالي ساعة
إن الاعتراف بالجميل لأهله، والإقرار بالفضل لمستحقِّيه لَهُوَ من البرهان على كرم النفس وسموها، بخلاف تلك النفس الدنيئة الخسيسة التي لا تعترف بجميل، ولا تُقِرُّ بفضل.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
فلا تحسبنَّ – أيها المستبصر – أن الكُفران فقط هو ذاك الذي يقع من الزوجة على زوجها؛ فهذا لونٌ وهو الأشهر، بيد أن مفهوم الكفران أوسعُ دائرةً وأشمل نوعًا، وضابطه: أن يجحَد الإنسان إحسان كل مُعاشِرٍ له، ويعظُم هذا الكفران بعِظَمِ ما تلقَّاه هذا الإنسان من إحسان.
وإن الاعتراف بالجميل لأهله، والإقرار بالفضل لمستحقِّيه لَهُوَ من البرهان على كرم النفس وسموها، بخلاف تلك النفس الدنيئة الخسيسة التي لا تعترف بجميل، ولا تُقِرُّ بفضل.
وما أعظم الشارع الحكيم؛ إذ يأمرنا بخُلُقِ الوفاء والإقرار بالإحسان، وينهانا عن خُلُقِ الجحود والنكران؛ كما قال تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 237].
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أُعْطِيَ عطاءً فوجد فَلْيَجْزِ به، ومن لم يجد فَلْيُثْنِ؛ فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلَّى بما لم يُعطَهُ، كان كلابِسٍ ثوبَيْ زُورٍ»؛ (أخرجه أبو داود (4813)، وإسناده حسن).
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر: «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر…»؛ (أخرجه أحمد (18449)، وإسناده صحيح).
وهكذا تدور النفس البشرية بين نفسٍ سوِيَّةٍ كريمة، وأخرى لئيمة خسيسة، وفي هذه وتلك يقول الأول:
ولقد دعتني للخلاف عشيرتي *** فعددتُ قولهم من الإضلالِ
إني امرؤ في الوفاء سجيــــة *** وفعال كل مهذِّب مفضـــالِ
ويقول آخر:
إذا أنت أكرمتَ الكريم ملكته *** وإن أنت أكرمتَ اللئيم تمرَّدا
والله المستعان، وعليه وحده التُّكْلان.
_____________________________________________
الكاتب: النميري بن محمد الصبار
Source link