وقال السيوطي – رحمه الله -: “قال بعضهم وجه اتصالها بالواقعة، أنها قدمت بذكر التسبيح وسورة الواقعة ختمت بالأمر به”.
بالقرآن نحيا
مناسبة السورة لما قبلها :
قال البقاعي – رحمه الله -: “ولما ختمت الواقعة بالأمر بتنزيهه عما أنكره الكفرة منَ البعث، جاءتْ هذه لتقرير ذلك التنزيه، وتبيينه بالدليل والبرهان، ؛ وكأنها كالتعليل لآخر الواقعة.
وقال السيوطي – رحمه الله -: “قال بعضهم وجه اتصالها بالواقعة، أنها قدمت بذكر التسبيح وسورة الواقعة ختمت بالأمر به“.
المناسبة بين بداية السورة ونهايتها :
فقد تحدثت عن الايمان بالله ورسوله فى بدايتها إذ يقول تعالى :” {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} ” وانتهت بالحديث عن التقوى والايمان بالرسول فى نهايتها وبينت أجره عند الله إذ يقول تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ}
يقول صاحب الظلال : “هذه السورة بِجُملتها دعوةٌ للجماعة الإسلامية؛ كي يتحقق في ذاتها حقيقة إيمانها، هذه الحقيقة التي تخلص بها النفوس لدعوة الله؛ فلا تضنُّ عليها بشيء، ولا تحتجز دونها شيئًا، لا الأرواح ولا الأموال، ولا خلجات القلوب، ولا ذوات الصدور، وهي الحقيقة التي تستحيل بها النفوس ربانيةً، بينما تعيش على الأرض، موازينها هي موازين الله، والقيم التي تعتز بها وتسابق إليها هي القيم التي تثقل في هذه الموازين، كما أنها هي الحقيقة التي تشعر القلوب بحقيقة الله، فتخشع لذكره، وترجف وتفر من كل عائق وكل جاذب يعوقها عن الفرار إليه”
الآيات الأولى من السورة تتضمن معنى الإيمان بالله من خلال أسمائه وصفاته وبيان دلائل هذا الإيمان فى الكون وآثاره فى النفس
إذ يقول تعالى :” {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } “
تبدأ الآيات بتنزيه الله عما لا يليق به وأن الكون كله من ملك وجماد وحيوان ونبات وإنسان الكل يسبح له ويقر له بالوحدانية وهو سبحانه القوى الغالب الحكيم فى أقواله وأفعاله وتدبير شئون عباده إقراراً بالوحدانية لمالك السموات والأرض لا شريك له فى ملكه يتصرف فيه كيف يشاء يقدر الموت والحياة فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن
{هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡأٓخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} (3)وفى قوله
يقول بن عباس أى الأول فليس قبله شيء . والآخر فليس بعده شيء . والظاهر فليس فوقه شيء ويجوز أن يكون من الغلبة والعلو على الغير والباطن فليس دونه شيء ويصح أن الْباطِنُ بمعنى العالم بما بطن وخفى من الأموروإذا تأملنا نجد أن الأسماء الأول والآخر مستغرقا حقيقة الزمان ، والظاهر والباطن مستغرقا حقيقة المكان
وكان من دعاء النبى عند اانوم عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «اللهم رب السموات ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، فالق الحب والنوى، لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر.
فهو سبحاننه محيط بكل شئ علما لا يخفى عليه شيء لا يعزب عنه مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض
قال تعالى :” { هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } “
ثم يبين حقيقة أخرى ودليلا جديدا من أدلة الوجود وهى خلق السموات والأرض فى ستة أيام والاستواء على العرش لا نعلم كيفيته ولكنه استواء يليق بجلاله وعظيم سلطانه
ثم يبين مدى علمه من خلال التأمل فيما ينزل من أسماء من أمطار ونيازك وملائكة تحمل أقدار البشر وما يعرج إليها من أرواح وأعمال ودعوات وأشياء لا نعلمها ولكنه وحده يحيط بها علما ويعلم بما يلج فى الأرض وما يخرج منها من أشياء وأحياء لا حصر لها
ثم تختم الآية ببيان معية الله لخلقه فى كل وقت لتجعل المسلم على حذر وخشية دائما وتزيد من تقوى الله فى قلبه
وفى قوله :” {لّه مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ(5)}
هو المالك للدنيا والآخرة كما قال : ( { وإن لنا للآخرة والأولى } ) [ الليل : 13 ] خضع له ما فى السموات والارض وذل له ملوك الارض إليه المرجع يوم القيامة فيحكم فى خلقه بما شاء
:” {يولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۚ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }
ثم يدعوك لتأمل حالة تقلب الليل والنهار فتارة يقصر الليل ويطول النهار وتارة يطول الليل ويقصر النهار وهو دليل من أدلة قدرة الله وهو يعلم السرائر وإن خفيت على الناس ويعلم نوايا خلقه من خير أو شر
وهكذا تتوالى الآيات فى مطلع السورة تزلزل القلوب وتلين القلوب القاسية أنه وحده الخالق المتصرف فى شئونهم يعلم أحوالهم ومطلع على خوافيهم ثم يدعوهم للتصديق به وبرسوله والتدليل على إيمانهم بالعمل الصالح بالإنفاق فى سبيله فلابد لكل شىء حقيقة فما حقيقة إيمانهم لابد من بذل وتضحية فى سبيل الله والآيات تذكرهم بأن المال مال الله وأنهم مستخلفون فيه فكل شىء ملك لله وهذا ما بينته الآيات فى بداية السورة أنه له ملك السموات والأرض فإذا كانوا آمنوا بذلك فلما لا ينفقون فى سبيله والملك ملكه والمال ماله
ثم يثنى على من جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح بالبذل والتضحية بالمال أن لهم الأجر الكبير
قال تعالى :” {وَمَا لَكُمۡ لَا تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ لِتُؤۡمِنُواْ بِرَبِّكُمۡ وَقَدۡ أَخَذَ مِيثَٰقَكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ(9) هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦٓ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ}
ثم يأتى السؤال ما الذى يمنعكم من الإيمان بالله ورسوله كيف لا تستجيبون لدعوات رسولكم إلى الإيمان بالله وقد أخذ عليكم العهد والميثاق وأنتم فى أصلاب آبائكم إن كنتم مؤمنين حقا فاستجيبوا لنداءات الحق ويذكرهم بنعمة وجود النبى صلى الله عليه وسلم بين اظهرهم تتنزل عليه الآيات لتهتدوا بها ويخرجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان وقد أنزل الآيات البينات رأفة بكم ورحمة لكم من أن تضلوا السبيل أنزل الكتاب وأرسل الرسل لتنير الطريق أمام الناس
وفى قوله تعالى :” { وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ ۚ لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَٰتَلَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةٗ مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَقَٰتَلُواْ وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (10)
ويتكرر السؤال هذه المرة ما الذى يمنعكم من الإنفاق فى سبيل الله وكأن الآيات تطالبهم بموجبات الإيمان بالله ما دليل إيمانكم ؟ ويبين لهم أن الله يرث الأرض ومن عليها إليه المرجع والمآل إذ يقول تعالى :
لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَٰتَلَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةٗ مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَقَٰتَلُواْ”
وكيف يستوى من أنفق فى ساعة العسرة ووقت كان فيه المهاجرون قلة مستضعفة ومطاردين ينفقون القليل ولكنه كل ما يملكون لا يبغون به سوى الجنة ورضى ربهم ليس لهم منفعه لا يستون هم ومن ينفق وهو آمن على دينه وأهله وماله والنصر قريب منهم والغلبة لهم وعدد المسلمين حينئذ كثير “وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ” وإن تفاوتت الدرجات بينهم فإن الله مطلع على نواياهم خبير ببواطن الأمور لذلك جعل الأجر الأعلى لأهل السبق فى العطاء والبذل
ثم يبين الأجر العظيم والثواب الكبير لمن ينفق فى سبيل الله وذكرهم أنهم عندما ينفقوا فإنهم لا يعاملون بشراً إنما يعاملون الله عزوجل هو الذى يرى صنيعهم ويجازيهم أضعاف ما قدموا لله من أموالهم
لما نزلت : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا قال أبو الدحداح : يا رسول الله أوإن الله تعالى يريد منا القرض ؟ قال : نعم يا أبا الدحداح قال : صلى الله عليه وسلم أرني يدك ، قال فناوله ، قال : فإني أقرضت الله حائطا فيه ستمائة نخلة . ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه وعياله ، فناداها : يا أم الدحداح ، قالت : لبيك ، قال : اخرجي ، قد أقرضت ربي عز وجل حائطا فيه ستمائة نخلة .
ويعبر صاحب الظلال عن هذه الحالة فيقول مجرد تصور المسلم أنه هو الفقير الضئيل يقرض ربه ، كفيل بأن يطير به إلى البذل طيرانا ! إن الناس ليتسابقون عادة إلى إقراض الثري المليء منهم – وهم كلهم فقراء – لأن السداد مضمون . ولهم الاعتزاز بأن أقرضوا ذلك الثري المليء ! فكيف إذا كانوا يقرضون الغني الحميد
ثم يبين جزاءهم يوم القيامة ترى كل واحد منهم يمشى فى نوره يعطى النور على قدر عمله
إذ يقول تعالى : {“يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم } “ُ
يقول بن مسعود على قدر أعمالهم يمرون على الصراط ، منهم من نوره مثل الجبل ، ومنهم من نوره مثل النخلة ، ومنهم من نوره مثل الرجل القائم ، وأدناهم نورا من نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفأ مرة
وتبشرهم الملائكة بالجنة بل جنات تجرى من تحتها الانهار يا لسعادة المؤمنين فى هذا اليوم إنه الفوز الحقيقى الفوز بالجنة إنها جائزة من صدق الله بقلبه وعمله فلم يخالف العمل القلب وبينما هم كذلك إذ يراهم المنافقون فيتعلقون باذيالهم
إذ يقول تعالى {{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} } (13)
راجين أن يكون لهم نصيب من هذا النور وأنى لهم هذا وقد عاشوا بقلب مظلم فى الدنيا لم يدخله الإيمان ثم يأتيهم الرد وفيه تهكم ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فيرجع فلا يجد شيئا إنه يوم التمييز بين المؤمن والمنافق بنور الإيمان الصادق وكما أن المنافق يظهر عكس ما يبطن فكذلك الجزاء من جنس العمل فيضرب بينه وبين المؤمن بسور باطنه الذى يلى المؤمن فيه الجنة والنعيم وظاهره الذى يلى المنافق فيه العذاب والنار
ينادون على المؤمنين ألم نكن معكم نصلى ونصوم ونؤدى سائر الواجبات فقد عشنا نفس الحياة
إذ يقول تعالى {{يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ}}
فيأتيهم الرد من المؤمنين بلى كنتم معنا فى الدنيا على الطاعة ولكنكم فتنتم أنفسكم فصرفتموها عن الهدى وتربصتم بالمؤمنين تحيكون لهم المكائد وشككتم فى دين الله وفى وعد ه الحق يوم القيامة لضعف اليقين بالله وخدعتكم الأمانى وغرتكم وعود الشيطان بأن الله سيغفر لكم رغم ذلك وظللتم على ذلك حتى جاء الموت
فاليوم لا أمل لكم فى النجاة ولا أن تفدوا أنفسكم بشىء من العذاب أنتم والكافرون سواء فى النار نفس المصير البائس
ثم يأتى العتاب من الله سبحانه وتعالى للمؤمنين فقد ابطأوا فى الاستجابة لله زوجل
إذ يقول تعالى {:”أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (16)
أما آن للمؤمنين أن تلين قلوبهم للذكر ، والموعظة ، وعند سماع القرآن ، فتنقاد إليه وتطيعه المولى عزوجل
عن ابن عباس أنه قال : إن الله استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن ، فقال : {أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ}
وقد نهاهم عن التشبه بأهل الكتاب فلا تكونوا كاليهود والنصارى بدلوا وغيروا واشتروا بآيات الله ثمناً قليلا وأتخذوا من أحبارهم وأوليائهم ألهه تعبد من دون الله فلما طال عليهم الوقت بدون تذكير قست قلوبهم وأصبحت كالحجارة لا تتاثر بموعظة ولا تلين لوعد أو وعيد
يقول بن مسعود : هلك من لم يعرف قلبه معروفا ولم ينكر قلبه منكرا ; إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد وقست قلوبهم ، اخترعوا كتابا من بين أيديهم وأرجلهم ، استهوته قلوبهم ، واستحلته ألسنتهم ، وقالوا : نعرض على بني إسرائيل هذا الكتاب فمن آمن به تركناه ، ومن كفر به قتلناه
فلابد من التذكير المستمر والطرق على أبواب القلوب حتى ترق وتخشع ولابد من اليقظة الدائمة حتى لا تقسو وتتبلد
قال تعالى :” اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
وهل يمكن أن تدب الحياة فى قلب ويشرق فيه النور رغم القسوة والشدة بلى فإن فى هذا القرآن ما يحيي القلوب ويعمرها ويجعلها أكثر خشية لله كما يحيى الله الأرض المجدبة بوابل من الغيث فكم من قلوب قست ثم دبت فيها الحياة بقدرة الله
إذ يقول تعالى : {{إِنَّ ٱلۡمُصَّدِّقِينَ وَٱلۡمُصَّدِّقَٰتِ وَأَقۡرَضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا يُضَٰعَفُ لَهُمۡ وَلَهُمۡ أَجۡرٞ كَرِيمٞ}}
أى شعور أعظم من أن يشعر المتصدق أنه يقرض الغنى الحميد ويضع صدقته فى يد الغنى الحميد الذى له ميراث السموات والأرض ويوقن أن ما ينفقه ابتغاء وجه الله خالصا له سيعود عليه بالاجر المضاعف والثواب الكبير
و يأتى الحث على الصدقة بعد الحديث عن حياة القلوب ليعطى فرصة للقلب أن يتطهر بإخراج الصدقة فإن الصدقات تطفى غضب الرب والصدقات تداوى أمراض القلوب والأبدان
وفى قوله {{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ}}
الذين أقروا بواحدانية الله وصدقوا رسله فى منزلة الصديقين
عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : “ « إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب ، لتفاضل ما بينهم ” . . قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم . قال : ” بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين »
تخيل هذا الدين لا يحتاج منك الكثير حتى تنال الدرجات العلى فى الجنة مجرد صدق نية مع الله يبلغك منزلة الصديقين إن الصدق يبلغ الإنسان أرفع المنازل حتى وان مات على فراشة
والذين دفعوا أرواحهم لإعلاء كلمة الله ودينه ورفع راية الحق لهم الثواب العظيم والنور الذى يسعى بين أيديهم يوم القيامة تنير لهم السموات والأرض وتستقبله الملائكة حافلة بهم كتب الله لهم الخلود فى الجنة من أول دفقة من دمائهم يرون مقاعدهم فى الجنة وتغسلهم الملائكة
والتعبير بقوله عند ربهم يدل على مكانتهم عند الله وأجرهم من الله وليس من بشر فهم نزلاء عند الكريم الذى لا يضيع أجر من جاد بنفسه فى سبيل الله
وأخرج الشيخان عن أنس رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : «” ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء – إلا الشهيد – يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات ، لما يرى من الكرامة»
وفى قوله {{ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا لَعِبٞ وَلَهۡوٞ وَزِينَةٞ وَتَفَاخُرُۢ بَيۡنَكُمۡ وَتَكَاثُرٞ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِۖ كَمَثَلِ غَيۡثٍ أَعۡجَبَ ٱلۡكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰمٗاۖ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٞ شَدِيدٞ وَمَغۡفِرَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٞۚ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ}} (20)
إن الحياة الدنيا عندما تقاس بمقايس أهلها توزن كأ نها أمر عظيم إنما عندما توزن بمقاييس الآخرة تبدو زهيدة تافة
فقد صورها القرآن أنها لعبة يُلعب بها قليلا ثم يتركها وإنها لتلهى عن الآخرة والعمل لها وزينة تبهج العين وتسر النظر ثم يذهب بهاؤها وزينتها وتفاخر بالأحساب والأنساب وتباهٍ بكثرة الأموال بدون النظر إلى مصدرها
وسمى الزارع كافر لأنه يغطى الحب تحت الأرض تماما مثلما يغطى الكافر الحق
فمثلها كماء ا لمطر ينزل ليروى الأرض وينبت الزرع فيعجب به الزراع ثم لم يلبث أن يجف وييبس بعد نضرته ويصير هشيما منكسرا تعصف به الريح وكأن شئ لم يكن أما الىخرة فلها حسابات آخرى وشأن آخر فإما مغفرة ورضوان من الله لمن عمل لها حساب وأعد العدة وإما العذاب الشديد لمن غفل عنها واتبع هواه وفى النهاية هى فى سرعة زوالها وحقارتها متاع قليل ينخدع به الغافل ويغتر الجاهل قال سعيد بن جبير: الدنيا متاع الغرور، إذا ألهتك عن طلب الآخرة، فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله ولقائه، فنعم المتاع
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ««للجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك»»
لذا نجد الآيات تدعوهم للتسابق الحقيقى على الآخرة السباق بالأعمال الصالحة من أجل نيل رضا الله والجنة اتركوا التنازع على الدنيا ومتاعها الزائل وسارعوا أيها المسلمون إلى التوبة وطلب المغفرة
إذ يقول تعالى {سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ}
لمن الجنة ؟ لمن آمن بالله وصدق المرسلين إنه ثمن الجنة لمن يصدق ويعمل لها وهذا الجزاء ما هو إلا محض فضل من الله يتفضل به على عباده وقد بينت الآيات من قبل أن منزلة الصديقية لأناس آمنوا بالله واتبعوا الرسل
ثم ببيت الآيات حقيقة عقائدية أن كل شيئا بقدر لتطمئن الناس على أرواحهم وأرزاقهم أن كل شىء مقدر ومكتوب فى اللوح المحفوظ من قبل الخلق إذ يقول تعالى :{ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ}
فهذا الوجود لا يقع فيه حادث إلا وهو مقدر ومحسوب لا تحكمه الصدفة كما يقول الوجوديون فكل مصيبة من خير أو شر تقع فى الأرض أو فى النفس البشرية كلها فى كتاب محفوظ من قبل أن يكون هناك أرض أو بشر وكل ذلك حتى تطمئن النفس وتسكن عند استقبال الأحداث خيرها وشرها
إذ يقول تعالى
{{لِّكَيۡلَا تَأۡسَوۡاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُواْ بِمَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٍ}}
فلا تجزع عند الضراء الجزع الذى يفقدها دينها وعقيدتها ولا تفرح عند السراء الفرح المطغى الذى ينسيها شكر النعمة فينبغى أن يكون الفرح شكرا والحزن صبرا حتى يكون عند ربه مرضيا فهو لا يحب كل مفاخر بما لديه من نعم مباه بها الناس
أنها ترسى أصول العقيدة والإيمان بالقدر خيره وشره حتى لا تلهيهم الدنيا بأفراحها وأحزانها عن الهدف الحقيقى وهو العمل للآخرة
يقول سيد قطب : إن الإنسان يجزع ويستطار وتستخفه الأحداث حين ينفصل بذاته عن هذا الوجود . ويتعامل مع الأحداث كأنها شيء عارض يصادم وجوده الصغير . فأما حين يستقر في تصوره وشعوره أنه هو والأحداث التي تمر به ، وتمر بغيره ، والأرض كلها . . ذرات في جسم كبير هو هذا الوجود . . وأن هذه الذرات كائنة في موضعها في التصميم الكامل الدقيق . لازم بعضها لبعض . وأن ذلك كله مقدر مرسوم معلوم في علم الله المكنون . . حين يستقر هذا في تصوره وشعوره ، فإنه يحس بالراحة والطمأنينة لمواقع القدر كلها على السواء . فلا يأسى على فائت أسى يضعضعه ويزلزله ، ولا يفرح بحاصل فرحا يستخفه ويذهله . ولكن يمضي مع قدر الله في طواعية وفي رضى . رضى العارف المدرك أن ما هو كائن هو الذي ينبغي أن يكون !
وتتكرر فى هذه السورة الحث على الإنفاق ولكن من وجهة أخرى وهى ذم البخل…… إن من تعظم الدنيا فى عينه ويتخيل أنه يحصل على شىء منها بكده وتعبه فيمسك عن الإنفاق ولا يؤدى حق الله فيه فإن الله غنى عن نفقته
إذ يقول تعالى : {{ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِۗ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ}}
ووجه المناسبة بين هذه الآية والآيات السابقة التى تتحدث عن الإيمان وأن كل ما يصيب المسلم فهو من عند الله وبعلمه فعلى من يستشعر هذه الحقيقة أن يعلم أن كل ما عنده من مال أو جاه أوسلطان هو من عند الله فلا يتفاخر بها أو يبخل بماله وهو لا يكتفى بالبخل وإنما يأمر الناس به ويحثهم على عدم الانفاق
ليعلم هذا البخيل أن ما ينفقه إنما هو عائد عليه فمن ينفق ينفق لنفسه وليس لله حاجة فى ماله
ثم تنتقل بنا الآيات للحديث عن وحده الرسالات السماوية
إذ يقول تعالى {{لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٞ شَدِيدٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ}}
يرسل الله عزوجل الرسل بالآيات البينات والمعجزات والحجج القاطعة الدالة على صدق ما يقولون وأنزل مع كل رسول كتابه والتعبير بالكتاب وليس الكتب دليل على وحده الرسالة فى مصدرها وجوهرها
والميزان هو العدل الذى تقوم به حياة الناس والذى من أجله خلقت السموات والأرض بالحق ليقوم الناس به فى مجتمعاتهم وإذا حكمتم فاحكموا بالعدل ميزان لا يحابى أحدا ولا تحكمه الأهواء والأمزجة ولا تتحكم فيه المصالح
وأنزل الحديد فيه قوة شديدة ليستخدمه الناس لردع من أبى الحق وينصر به دينه واستعماله فى مجاهدة الاعداء فهو ابتلاء للمؤمين ليعلم الله من ينصر دينه كما أن فيه منافع للناس فى حياتهم اليومية وفى بناء المبانى وفى أدوات الطعام وفى الصناعة وألات الزراعية ثم تختم الاية أن الله قادر على الانتصار لدينه بريح أو طير أبابيل أو ملائكة إنما هو يبتلى عباده بالجهاد والتضحية من أجل الانتصار للحق على الارض والحديد له منافع كثيرة فهو المادة الخام ل كثير من الصناعات من بواخر وطائرات وعمائر وموانى وجسور بجانب انه القوة التى تحمى العدل ويصان بها الاموال والاعراض
وهل الحديد أنزل من السماء ؟ …………اثبت العلم الحديث أن الحديد أنزل من السماء إثر انفجارات ضخمة فى الشمس فتناثرت العناصر الثقيلة ثم تمركزت فى باطن الأرض لينتفع بها الإنسان
فقد اكتشف العلماء من التحليل الطيفى للحديد أنه عنصر من عناصر النجوم والتى منها الشمس ونتيجة للتفاعلات هائلة داخل الشمس حدث انفجرات شديدة ادت إلى تناثر العناصر الثقيلة والتى نزلت لتسكن باطن الأرض (الموسوعوة الذهبية لاعجاز القرآن والسنة النبوية )
وقد ذكر الحديد فى العديد من السور منها الكهف حيث استعان ذو القرنين بالحديد لبناء سد بين الناس وبين يأجوج وماجوج
. وفي سورة الحج ذكر الحديد أنه أداة لتعذيب المجرمين في نار جهنم
وفى هذه السورة نرى الحث على الانفاق فى سبيل الله وكيف تباين الناس فى هذا الأمر
والمقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب أن يقوم الناس بالعدل بالقسط فمن عدل عن ذلك قُوم بالحديد
وقد بينت الآيات أن أصل هذه الرسالة ممتد منذ بداية البشرية حملها إلينا نوح وإبراهيم عليهما السلام فالرسالات واحدة فى مصدرها ورجالها
{{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحٗا وَإِبۡرَٰهِيمَ وَجَعَلۡنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلۡكِتَٰبَۖ فَمِنۡهُم مُّهۡتَدٖۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ}}
ثم امتدت شجرة الأنبياء من ذريتهما يرثون النبوة ولكل نبى رسالته إلى قومه يحملون التوراة والانجيل والفرقان لهداية الناس فما ثمرة هذة الرسالة ؟ والى أى مدى تأثر الناس بها ؟
من الناس من آمن بهم والكثير منهم خرج عن طاعة الله وظلت هذة سنة إلى يومنا هذا الكثير هم الفاسقون الكافرون الظالمون والقليل هو المهتد الشاكر المخلص لله إذ يقول تعالى : “وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ” سورة يوسف 103
وجعل فى قلوب الحواريين خشية ورحمة بالخلق يتراحمون بينهم
وتتوالى الرسل حتى يأتى عيسى بن مريم برسالة جديده هى الإنجيل
{“ثُمَّ قَفَّيۡنَا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيۡنَا بِعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡإِنجِيلَۖ وَجَعَلۡنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأۡفَةٗ وَرَحۡمَةٗۚ وَرَهۡبَانِيَّةً ٱبۡتَدَعُوهَا مَا كَتَبۡنَٰهَا عَلَيۡهِمۡ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ رِضۡوَٰنِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوۡهَا حَقَّ رِعَايَتِهَاۖ فَـَٔاتَيۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنۡهُمۡ أَجۡرَهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} 27
والرهبانية هى اعتزال متاع الدنيا واعتزال الناس والمكث فى الصوامع والمبالغة فى العبادة وهذا أمر ابتدعوه من عند أنفسهم لم يفرضه الله عليهم يبتغون بها مرضاة الله فى البداية فما قاموا بها حق القيام ولا التزموا بها
وفى قوله : { ( إلا ابتغاء رضوان الله )} فيه قولان ، أحدهما : أنهم قصدوا بذلك رضوان الله ، قال سعيد بن جبير ، وقتادة . : ما كتبنا عليهم ذلك إنما كتبناها عليهم ابتغاء رضوان الله
عن أنس بن مالك أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” «لكل نبي رهبانية ، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله عز وجل»
والله لا يأخذ الناس بالمظاهر والأشكال ، ولا بالطقوس والمسوح . إنما يأخذهم بالعمل والنية ، ويحاسبهم على حقيقة الشعور والسلوك . وهو الذي يعلم خبايا القلوب وذوات الصدور
وتختم الآية بما ختم به سابقتها أن الأكثرية هم الفاسقون والأقلية هم اتباع الحق المؤمنون به ليثبت أنها سنة حتى يومنا هذا حتى لا يستوحش اهل الحق بقلة السالكين فيه وكثرة أهل الباطل ليطمئن أنها سنة منذ بداية البشرية وإرسال الرسل
إذ يقول تعالى {{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} }
ثم يهتف بالذين آمنوا يخاطب فيهم إيمانهم أن يعملوا بطاعة الله ويجتنبوا نواهيه ويؤمنوا بالرسول أن لهم الاجر المضاعف ويجعل لكم نورا فى الدنيا يبصروا بها الحق ونورا تمشون به على الصراط يوم القيامة وهذا يتناسب مع موقف المؤمنين يوم القيامة كما بينته السورة فى البداية يسعى نورهم بين أيديهم فإن طاعة الله تنير الطريق للمؤمنين فى الدنيا والآخرة ويغفرالله لهم ما سبق من الذنوب والمعاصى وهو الغفور الرحيم
حتى لا يعتقد أهل الكتاب أنهم شعب الله المختار وأن الله اصطفاهم على خلقه
إذ يقول تعالى {لِّئَلَّا يَعۡلَمَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ أَلَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ مِّن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ}
و ليعلموا أن النبوة ليست قاصرة عليهم دون غيرهم فكما بعث فيهم أنبياء بعث محمد اً صلى الله عليه وسلم للعالمين وذلك محض فضل من الله واسع العطاء يمنحه من يشاء من عباده ولكى نعلم مكانة الاسلام بين الامم تامل هذا الحديث
روى البخاري ، عن أبي موسى ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” مثل المسلمين ، واليهود ، والنصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون له عملا يوما إلى الليل على أجر معلوم ، فعملوا إلى نصف النهار فقالوا : لا حاجة لنا في أجرك الذي شرطت لنا ، وما عملنا باطل . فقال لهم : لا تفعلوا ، أكملوا بقية عملكم وخذوا أجركم كاملا فأبوا وتركوا ، واستأجر آخرين بعدهم فقال : أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت لهم من الأجر ، فعملوا حتى إذا كان حين صلوا العصر قالوا : ما عملنا باطل ، ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه . فقال أكملوا بقية عملكم ; فإن ما بقي من النهار شيء يسير . فأبوا ، فاستأجر قوما أن يعملوا له بقية يومهم ، فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس ، فاستكملوا أجر الفريقين كليهما ، فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور “
إن هذه السورة تدعو إلى البذل بالمال والنفس الذى لن يحدث إلا إذا تحقق الإيمان فى القلب وثمرته الخشوع والتقوى والتضحية والبذل كما تبين حقيقة الدنيا وتقيسها بمقاييس الحق وتربط المسلم برباط العقيدة من خلال الايمان بالقدر خيره وشره حتى يسهل عليه البذل والتضحية لتكون كلمة الله هى العليا
Source link