نتحدث عن الحج حديث (ترغيب وتحبيب) في هذه العبادة الجليلة نتعرف بعض (فضائلها وبعض فوائدها) ونرغب في بذل المال وتحمل وعثاء السفر رجاء الوصول إلي البيت الحرام في عامنا هذا أو فيما نستقبل من الأعوام.
أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه {( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )}
أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلي الله عليه وسلم في مستهل هذا اللقاء الطيب نقول:
لما كان لكل وقت أذان، ولما كان لكل حادث حديث، ولما كان لكل مقام مقال، كان حديثنا اليوم عن فريضة فرضها الله تعالي وعن ركن من أركان الإسلام وهو الحج إلي بيت الله الحرام..
نسأل الله العظيم ربَّ العرش الكريم أن يزيده تعظيماً وتشريفاً ونسأله سبحانه بأسماءه الحسني وصفاته العلا أن يكتب حج البيت الحرام لكل مسلم ومسلمة..
نتحدث عن الحج حديث (ترغيب وتحبيب) في هذه العبادة الجليلة نتعرف بعض (فضائلها وبعض فوائدها) ونرغب في بذل المال وتحمل وعثاء السفر رجاء الوصول إلي البيت الحرام في عامنا هذا أو فيما نستقبل من الأعوام….
{(وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )}
أحد أجل ما فرض الله علي كل مسلم ومسلمة ( حج البيت الحرام )
نعمة كبري أن يأذن الله لك بزيارته في بيته .. كرامة عظمي أن تقف أمام الكعبة وأن تكتحل عيناك بالنظر إليها وأن تشم ريحها .. فضل كبير من الله تعالي أن تتواجد بهذا المكان المبارك الذي طالما طاف فيه وصلي فيه صفوة الله من خلقه وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ومعه خير القرون أصحابه رضوان الله تعالي عليهم ..
ما من تعب وما من نصب وما من وصب يصيب المؤمن وما من سعي وما من حركة وما من خطوة وما من قطرة عرق تخرج من المؤمن وما من نفقة في الحج إلا وهي نفقة في سبيل الله وما من ذرة في سبيل الله إلا ويكتب بها للمرء عمل صالح:
{( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) }
تأتي فريضة الحج أيها المؤمنون لتسبق غيرها:
من فرائض الله تعالي لتكون شاهد عيان علي سعة رحمة الله تعالي قبل الصلاة وقبل الصيام وقبل الصدقة يأتي الحج ليكون شاهد عيان علي سماحة الإسلام ويسره ورحمته وكرمه..
فرض الحج بعد أن فرضت الصلاة وبعد أن فرض الجهاد وبعد أن فرض الصيام وبعد أن فرضت الزكاة فكان مسك الختام فرض الحج إلي البيت الحرام {( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ )}
من أولي دلائل سماحة الإسلام في فريضة الحج:
أن الله تعالي( أخّر) فرضية الحج إلي أواخر حياة النبي صلي الله عليه وسلم فبعد أن فُتحت مكة وصارت دار إسلام وأمن الناس في حلهم وترحالهم فُرض الحج ليسافر الناس وليشدوا الرحال إلي البيت الحرام آمنين علي أنفسهم آمنين علي أموالهم آمنين علي أعراضهم وأهليهم.
فرض الحج في أواخر حياة النبي صلي الله عليه وسلم ولم يفرض قبل ذلك تيسيراً علي الناس وحقناً للدماء التي كان من المتوقع أن تسفك وتراق لو فرض الحج أيام الحرب والعداء والتربص بين المشركين وبين المسلمين..
فرض الله الحج علي القادرين فقال {( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) }
هو فرض علي المستطيع ومن شروط الاستطاعة أن تملك زادا يبلغك البيت الحرام وأن تملك راحلة تبلغك البيت الحرام وأن تكون بدنياً وصحياً قادراً علي تحمل السفر والترحال من بلدك حتي تأتي البيت الحرام وفوق كل ذلك أن يكون الطريق من بلدك إلي البيت الحرام آمنا حيث لا حرب ولا تربص ولا خوف وأمن الطريق تحقق بداية من فتح مكة ومن هنا كانت فريضة الحج بعد الفتح لأن الاستطاعة قد تيسرت وذلك في قول أكثر أهل العلم..
{(وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) }
ذكر المفسرون عند هذه الآية قول ابن عباس وغير واحد من السلف أن الخليل عليه السلام لما قال له ربه(وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ )
قال الخليل يا رب وكيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم ؟ فقيل يا إبراهيم ناد وعلينا البلاغ فقام ابراهيم عليه السلام على مَقامه وقيل على الحجر، وقيل على الصفا وقيل على جبل أبي قُبَيس وقال يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه فيقال إن الجبال تواضعت حتى بلغ صوت الخليل أرجاء الأرض وأسمَعَ مَن في الأرحام والأصلاب وأجابه كل شيء سمعه من حَجَر ومَدَر وشجر ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة فقال لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
ذكر أكثر المفسرين أن المخاطب بقوله تعالي {( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ) } هو الخليل ابراهيم عليه السلام وقيل إن المخاطب بقوله تعالي ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ) هو خاتم النبيين محمد صلي الله عليه وسلم..
فرضت الصلاة علينا في اليوم والليلة خمس صلوات
وفرض الصيام مرة في كل عام وفرض إخراج الزكاة مرة في كل عام أما الحج فقد فرضه الله في العمر كله مرة واحدة وليست علي كل الناس وإنما خص الله بها المستطيع فقط علي الأغنياء الأصحاء فلو فرض علي كل المسلمين لوقع الفقراء والمرضي في حرج ولشق ذلك علي الناس ولو فرضها في كل عام لم تكن مكة لتسع اليوم مليار ونصف المليار مسلم فكيف يكون الطواف ؟ وكيف السعي ؟وكيف المناسك ؟ ولذلك كان من رحمة الله أن قال ( ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )
ومن دلائل سماحة الإسلام في أداء فريضة الحج
أن الحج لما كانت فيه كلفة ولما كانت فيه مشقة اكتفي الشرع الحنيف أن يكون أداءها في العمر مرة ومن زاد عن المرة فهو قربة وتطوع فيما بينه وبين ربه قال بعض الصحابة خطب النبي عليه الصلاة والسلام الناس يوماً فقال:
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَقَامَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ أَفِى كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فسكت النبي عليه الصلاة والسلام حتي كررها مراراً ثم قَالَ لَوْ قُلْتُهَا لَوَجَبَتْ وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهَا وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا الْحَجُّ مَرَّةٌ فَمَنْ زَادَ فَتَطَوُّعٌ ثم قال دعوني ما تركتكم إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم »
ومن دلائل سعة رحمة الله تعالي في فريضة الحج
أن الله تعالي جعل من الحج سبباً لغفران الذنوب وستر العيوب ورضا علام الغيوب فكما أن الإسلام يجب ما قبله وكما أن الهجرة تجب ما قبلها وكما أن التوبة تجب ما قبلها كذلك الحج أيها المؤمنون يجب ما قبله وقال النبي عليه الصلاة والسلام « العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة » وقال عليه الصلاة والسلام « تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ , فوالذي نفسي بيده فَإِنَّهُمَا لينْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» .
ومن دلائل سعة رحمة الله تعالي
التي دلت عليها عبادة الحج أن الرجل بوسعه أن يحج عن نفسه وبوسع المرأة أن تحج عن نفسها وأجاز الشرع الحنيف لكل منهما بعد أن حج عن نفسه أن يحج عن أخته وأخيه وعن أمه وأبيه وعن صاحبته وبنيه وخذوا علي ذلك مثالاً:-
في حجة الوداع وبينما الناس يحرمون بالحج ويلبون إذ سمع رسول الله رَجُلًا يَقُولُ لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ قَالَ النبي له ومَنْ شُبْرُمَةُ? قَالَ يا رسول الله شُبْرُمَةُ هذا أَخٌ لِي أَوْ قال قَرِيبٌ لِي فقَالَ صلي الله عليه وسلم حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ? قَالَ لَا يا رسول الله ما حججت عن نفسي بعد فَقالَ صلي الله عليه وسلم حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ “
وفي حديث الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَم عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ » .
نسأل الله العظيم أن يرزقنا الحج والعمرة وكل مسلم ومسلمة إنه ولي ذلك والقادر عليه..
الخطبة الثانية
أما بعد يقول رب العالمين سبحانه «(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)»
يوم فرض الله تعالى الحج على النبى صَلى الله عَلَيه وسَلَّم وعلى الذين امنوا فرضه على القادر المستطيع منهم…
من وجد من نفسه سعة من المال والصحة ثم يبخل ويؤجل ويسوف حتى يفوته أداء هذه الفريضة بمرض او بفقر يبتلى به أو يموت فقد حرم نفسه خيرا لا يدرك:
قال النبى صَلى الله عَلَيه وسَلَّم فيما يروى عن ربه ( إن عبدا أصححت له جسمه و وسعت عليه في معيشته تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم )
وقال صَلى الله عَلَيه وسَلَّم «(من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة وتعرض الحاجة )»
أما الفقير فقد عذره ربه ورفع عنه الحرج فقال {(وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) }
إذا كان يوم القيامة لن يعاتبه ربه على فريضة الحج التى لم يقدر عليها صحيح أن النفس تشتاق وتأمل فى زيارة البيت الحرام وفى الصلاة فى مسجد رسول الله صَلى الله عَلَيه وسَلَّم لكن لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها..
فلا تحمل نفسك ما لا تطيق وانظر الى ضيوف الرحمن وقل رب تقبل منهم وارزقنى مثل ما رزقتهم يا غنى يا كريم..
قال الحبيب صَلى الله عَلَيه وسَلَّم « إنما الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه و يصل فيه رحمه ويعلم ان لله فيه حق فهذا باشرف المنازل وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان قال النبي صلي الله عليه وسلم فهو بنيته فأجرهما سواء»
نسال الله تعالى ان يكتب لنا حج البيت الحرام والصلاة فى مسجد خير الانام صَلى الله عَلَيه وسَلَّم.
Source link