رمضان مدرسة للأجيال – ناصر بن سليمان العمر

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة،
وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين»…

الحمد لله على نعمة الإيمان والإسلام والقرآن، والحمد لله الذي بلغنا رمضان، والصلاة والسلام على إمام الصائمين وقدوة المنفقين وأسوة العابدين وبعد فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183].
وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين» (1). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً » (2).
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال: « اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا اللهم رمضان» (3).

وكان صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي إذا رأى الهلال قال: « اللهم أهلّه علينا باليُمن والإيمان، والسلامة الإسلام، ربي وربك الله، هلال خير ورشد» (4). وقال أبو عيسى: حديث حسن.

وقد تأملت في مشروعية رمضان، وما ورد فيه من آيات وأحاديث، وكيف كان السلف يفهمون رمضان ويستقبلونه ويقضون أيامه ولياليه، ثم نظرت في واقعنا، وما عليه كثير من الناس من البعد عن فهم حقيقة رمضان ومكانته، ثم كيف يدخل ويخرج دون أن تجد الأثر الذي يجب أن يتركه هذا الشهر العظيم في أخلاق الناس وعباداتهم. وإنما هي أيام معدودة سرعان ما تنقضي وكأن شيئاً لم يكن.

ومع أنها أيام معدودات غير أنك تلحظ في استثماره خللاً وتقصيراً يقع فيه كثير من الناس ويمارسونه إلا القلة القليلة.
ومن أجل ذلك جاءت هذه الكلمات تذكرة وتنبيهاً وإيقاظاً للغافلين، وشحذاً لهمم العاملين والمجتهدين، وآمل أن نخرج منها بدروس وعبر، وفوائد وعظات، وأن يستمر أثرها بعد تصرم الشهر بل العام.

فإن رمضان مدرسة مغبون من تخرج منها كأن لم يكن دخلها، رمضان مدرسة ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فيها فكانوا خير الناس من بعده وتربى التابعون ومن بعدهم فيها، وما زال المسلمون حتى الآن يتربون ويتعلمون من تلك المدرسة العظيمة وستظل إلى أن يشاء الله عز وجل.

فشهر رمضان المبارك شهر له مكانة عظمى في ديننا الحنيف فهو الركن الرابع من أركان هذا الدين، وفيه نزل القرآن كلام ربنا عز وجل، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [القدر:1] وقال: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185] وقال: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 3].

كما أن فيه ليلة هي خير من ألف شهر، وفيه تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين.
فهو شهر الرحمة، وشهر المغفرة، وشهر العتق من النار. ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهل القبول في رمضان، وأن يعيننا على صيامه وقيامه، وأن يتقبله منا، وأن يرحمنا ويغفر لنا، ويعتق رقابنا من النار بفضله وكرمه ومنّه إنه جواد كريم.

إن أي مدرسة أو جامعة تخرج الأفواج تلو الأفواج، تجد أثر ما أخذه هؤلاء الطلاب في حياتهم وسلوكهم وأخلاقهم ومعاملاتهم، وإن لم يكن الأمر كذلك فهناك خلل ما.
ورمضان مدرسة عظيمة تربت فيها الأجيال منذ أمر الله الناس بصيامه وإلى يومنا الحاضر، بل وإلى أن تقوم الساعة بإذن الله.

ولكن هناك مدّ وجذر في إفادة الناس من هذه المدرسة العظيمة، وهذا الأمر راجع للناس، لا إلى هذا الشهر المبارك، وذلك أن أسسه ثابتة وأركانه ودعائمه قائمة، ولكنّ الناس يتغيرون ويتبدلون، ويجيئون ويروحون، ويتقوون ويضعفون، وهذا من أسباب اختلاف التأثر والإفادة بين الأجيال السابقة وبين الخلوف اللاحقة.

إنه مدرسة علمية وتربوية وجهادية وإيمانية.
إنه شهر الصبر واليقين، الذين بهما تنال الإمامة في الدين، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ } [السجدة:24].
مع هذه المدرسة المباركة والجامعة النافعة، نقضي هذه الرحلة في ثنايا هذا الشهر نبحث عن أسراره وكنوزه، ونتلمس مواطن الضعف في حياتنا تجاهه.
وآمل أن يكون لنا في ذلك عبرة وعظة، و«من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» (5).

هذا وأسأل الله في هذا الشهر أن يسهم لنا من فضله، فيوفقنا لفرضه ونفله، وأن يلقينا الله فيه ما نرجوه، ويرقينا إلى ما نحب فيما يتلوه، ولا أخلانا الله فيه من بر مرفوع ودعاء مسموع، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الهوامش:
1- أخرجه البخاري رقم (1899) ومسلم رقم (1079).
2 – أخرجه البخاري رقم (2840) ومسلم رقم (1153) واللفظ له.
3 – هذا الحديث أخرجه البيهقي في الشعب وضعفه قائلاً: تفرد به زياد النميري، وعنه زائدة بن أبي الرقاد، وقال البخاري: زائدة عن زياد منكر الحديث وجهله جماعة. ومن طريقه رواه ابن عساكر في تاريخه (11/232/1). وضعفه الألباني كما في المشكاة (1/432)، وضعيف الجامع رقم (4395).
4 – سنن الترمذي رقم (3451) قال الترمذي حديث حسن غريب وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم (4726).
5 – أخرجه البخاري رقم (71) ومسلم رقم (1037).

27/8/1428 هـ
 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

آداب اللباس – عبد الله بن جار الله الجار الله

منذ حوالي ساعة بيَّن النبي ﷺ ما يجوز منه، وما لا يجوز، وما يُستحبُّ لُبسه، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *