وإن للدعاء صلةً عظيمة بشهر رمضان؛ أخبر عنها سبحانه حين قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، فقد جاءت هذه الآية وسْطَ آيات الصيام؛ لنعلم أن الصيام والدعاء قرِينان…
لماذا هذه الموعظة؟
• لاستغلال فرصة إجابة الدعاء بالافتقار إلى الله تعالى.
• لاستحضار الطمع والرجاء في وعد الله تعالى.
• لنَيلِ الفرص الغالية والدرجات العالية.
• للحصول على الأجر والثواب.
• لحسن التأسِّي والاقتداء بالسلف الصالح.
مقدمة:
الحمد لله مجيبِ مَن دعاه، سميع قريب لمن ناجاه، له الحمد في الأولى والأخرة وهو الحكيم الخبير، والصلاة والسلام على الهادي البشير، والسراج المنير، صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فقد أخرج ابن حبان، وابن خزيمة، والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، صُفِّدت الشياطين ومَرَدَةُ الجنِّ، وغُلِّقت أبواب النار، وفُتِّحت أبواب الجنة، فلم يُغلَق منها باب، وينادى منادٍ: يا باغيَ الخير أقْبِل، ويا باغي الشر أقْصِرْ، ولله عتقاءُ من النار وذلك في كل ليلة»، وشهر رمضان شهرُ عبودية، وذُلٍّ، وخضوع، ومَسْكَنَةٍ، ودموع، وتقرُّبٍ إلى الله تعالى، يتقرب فيه المسلم إلى الله عز وجل بأنواع الطاعات، وأجَلِّ العبادات؛ مثل: الصيام، والصلاة، والصدقة، والقيام، وكذلك عبادة الدعاء؛ تلكم العبادة العظيمة التي غفل عنها بعض المسلمين، وتهاونوا في أمرها، ولا شك أنها عبادة جليلة حَوَتْ وجَمَعَتْ أطرافَ الخير كله، من سؤال وافتقار إلى الله تعالى؛ فكم دفع الدعاء من بلاء! وكم جلب من نَعْماء! وكم شُفْيَ به سقيم! وكم تعلَّم به ما لم يكن عليمًا! وهو حبلٌ ممدود إلى السماء، وعُرْوَةٌ وُثْقَى لمن تمسَّك بها، وهو أيضًا يجدد الإيمان بالله تعالى، بل ويعمِّق إحساس المسلم بأسماء الله تعالى وصفاته، وهو الباب الأعظم الذي إذا انفتح للعبد أدرك الخيرات، ونال شرف الدنيا ورِفعة الآخرة.
وإن للدعاء صلةً عظيمة بشهر رمضان؛ أخبر عنها سبحانه حين قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، فقد جاءت هذه الآية وسْطَ آيات الصيام؛ لنعلم أن الصيام والدعاء قرِينان، وأن للصائمين في رمضان شأنًا عجيبًا؛ فهم يجمعون مع الدعاء حضورَ القلب، بل ويجمعونه بكُلِّيَّتِهِ على الوجه المطلوب، ويتخيَّرون الأحوال والأوقات المتعلقة بشهر رمضان.
فإن دعاء الصائم مستجاب حال صيامه؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث دعوات لا تُرَدُّ: دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر»؛ (رواه البيهقي، وصححه الألباني في صحيح الجامع)، وفى رواية: «والصائم حتى يُفطِرَ».
ويتأكد ذلك عند الفِطْرِ؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن للصائم عند فِطْرِهِ دعوةً لا تُرَدُّ».
كما يتأكد في ليلة القدر؛ فقد وَرَدَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة لما سألته: «أرأيتَ إن علمتُ أيُّ ليلةٍ ليلةُ القَدْرِ، ما أقول فيها؟ قال: قُولي: اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعفُ عني».
تعريف الدعاء: قال الطيبي رحمه الله: “هو إظهار رغابة الافتقار إلى الله والتذلل له”، وقال المناوي رحمه الله: “هو لسان الافتقار بشرح الاضطرار”، وقيل: “هو شفيع الحاجة، ونجحها أو نجاحها باللجاجة”، وقد ذمَّ الله تعالى من ترَكَهُ بأبلغ أنواع الذم، وهدَّده بأشد أنواع التهديد؛ فقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].
وفي حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما: «الدعاء هو العبادة»؛ (رواه أبو داود)، وكيف لا يدعو المسلم ربَّه؛ وهو القائل جل في علاه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
وقد علِمنا من الله تعالى أن العبد فقير من جميع الوجوه والله عز وجل هو الغني من جميع الوجوه؛ بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15]، ثم تأتي الآيات لتخبرنا أن خزائنه تعالى مَلْأَى؛ فيقول: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} [الحجر: 21]، ثم يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يد الله ملأى لا تَغِيضها نفقةٌ، أرأيتم ما أنفق الله منذ خلق السماوات والأرض، فإنها لم تُنقِص ما في يمينه»، والله تعالى يحب أن يتفضَّل على عباده، ويحب أن يُسأَلَ، ويحب من عباده أن يعترفوا إليه بفقرهم وذُلِّهم، وحاجتهم واضطرارهم؛ فقد روى الإمام البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من لم يسألِ الله يَغْضَب عليه»، ورأى أحد العلماء رجلًا يتردد على بعض الملوك فقال له: “يا هذا، تذهب لمن يسُد بابه دونك، ويُظهر لك فقره، ويُخفي عنك غِناه، وتترك من يفتح لك بابه، ويظهر لك غناه، ويقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]؛ ولذلك قال القائل:
لا تسألنَّ بُنيَّ آدم حاجـــــــةً ** وسَلِ الذي أبوابه لا تُحجَــبُ
الله يغضب إن تركت سؤاله ** وبُنيُّ آدمَ حين يُسأل يغضبُ
والله تعالى يقول: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62]، فالدعاء سبب مقتضي الإجابة مع استكمال شروطه وانتفاء موانعه، فقطع بقَبوله مع توفُّر الشروط وانتفاء الموانع، والأدلة على ذلك كثيرة؛ منها حديث سلمان رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله حَيِيٌّ كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردَّهما صِفرًا خائبتين»؛ (رواه أحمد).
شروط الدعاء المستجاب:
أولًا: اليقين بالإجابة؛ وهي أن يجزم بالدعاء ويُوقن بالإجابة، ويصدُقَ في طلبه وسُؤْلِهِ؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَقُلْ أحدكم إذا دعا: اللهم اغفر لي إن شئت، لِيَعْزِمِ المسألة؛ فإنه لا مُكْرِهَ له»؛ (رواه البخاري)، وقال صلى الله عليه وسلم: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافلٍ لاهٍ»؛ (الترمذي).
ثانيًا: الإلحاح على الله تعالى؛ وهو تكرار الدعاء ثلاثًا كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا دعا دعا ثلاثًا، وإذا سأل سأل ثلاثًا)).
ثالثًا: التأنِّي وعدم الاستعجال؛ وهو ألَّا يعجَل ولا يقول: دعوتُ ولم يُستجَب لي؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله قال: «يُستجاب لأحدكم ما لم يَعجَل، يقول: دعوت فلم يُسْتَجَبْ لي»؛ قال ابن بطال رحمه الله: “المعنى أن يسأم في ترك الدعاء، فيكون كالمانِّ بدعائه، أو أنه أتى بالدعاء ما يستحق به الإجابة، فيصير كالمبخل بدعائه على ربِّه الكريم، الذي لا تُعجِزه الإجابة، ولا ينقصه العطاء”، وفي الحديث أدب من آداب الدعاء؛ وهو أن يلازم الطلب، وألَّا ييأس من الإجابة، وفي ذلك من الاستسلام والانقياد وإظهار الافتقار.
رابعًا: ترصُّد الأوقات الشريفة؛ وهي الأوقات التي جاءت السُّنَّة ببيان شرفها ومنزلتها عند الله تعالى؛ فإن الدعاء لا يكاد يُرَدُّ فيها؛ ومنها: يوم عرفة في السنة، ومن الليالي ليلة القدر، ورمضان من الأشهر، والجمعة من الأسبوع، ووقت السَّحَر من الليل، وبين الأذان والإقامة؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ينزل الله كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا حيث يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيبَ له، من يسألني فأُعطِيَه، من يستغفرني فأغفرَ له»؛ (رواه البخاري).
خامسًا: الأحوال الشريفة؛ فكما أن هناك أوقاتًا شريفة، فكذلك هناك أحوال شريفة، شرَّفها الله تعالى في كتابه، وحثَّ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سُنَّته؛ ومنها: أوقات نزول الغيث، ومنها أيضًا: حال السجود في الصلاة، ومنها أيضًا: حال زحف الصفوف والتحامها في سبيل الله، وحال السجود؛ فقد قال فيه صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربِّه وهو ساجد فأكْثِروا من الدعاء»، ولا أدل على كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام ربه تبارك وتعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19].
سادسًا: خفِّفِ الصوت بين المجاهرة والمخافتة؛ فينبغي أن يكون صوت الداعي بين المجاهرة والمخافتة، قد امتلأ انكسارًا وذلًّا وافتقارًا؛ قالت عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110]؛ أي: بدعائك، وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: ((قدِمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دنَونا من المدينة كبَّر وكبَّر الناس ورفعوا أصواتهم، فقال صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس ارْبَعوا على أنفسكم – أي ارفُقوا بها– واخفِضوا أصواتكم، إن الذي تدعون ليس أصمَّ ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا بصيرًا»؛ (رواه البخاري)، وقد أثنى الله تعالى على نبيه زكريا عليه السلام؛ فقال تعالى: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} [مريم: 3]، وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55].
سابعًا: أن يفتتح الدعاء بحمد الله تعالى، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك يختم الدعاء بحمد الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فقد سمِع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يدعو في صلاته لم يمجِّد الله تعالى، ولم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجِل هذا، ثم دعاه فقال له، أو لغيره: إذا صلى أحدكم، فليبدأ بتمجيد ربِّه جل وعز، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء»؛ (رواه الترمذي).
ثامنًا: طُعْمة الحلال؛ وذلك بأن يطيب مطعمه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون: 51] ثم قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] قال: ثم ذكر – رجلًا يطيل السفر، أشعثَ أغْبَرَ يمُدُّ يده إلى السماء، يقول: يا رب، يا رب، ومطعمُه حرام، ومَلْبَسُه حرام، وغُذِّيَ بالحرام فأنَّى يُستجاب له»؛ (رواه مسلم)، فقد جمع هذا الرجل أربعَ خِصالٍ كلها من أسباب قبول الدعاء: السفر، والشعث والغبر، واليدين الممدودتين إلى السماء، ثم نداءه: يا رب يا رب، ومع هذه الأسباب إلا أن هناك مانعًا حَجَبَ الدعاء، ومنعه من القبول؛ ألَا وهو: طعمة الحرام، أعاذنا الله وإياكم من الحرام؛ مطعمًا وملبسًا، ومشربًا وعملًا.
تاسعًا: استقبال القبلة وقت دعائه، وتعظيم الرغبة؛ وهو أن يدعو مستقبلًا القبلة، ويرفع يديه، ولا يتكلف السجع في الدعاء، وأن يدعو دعاءً بالمأثور غير متكلِّف فيه، فهو حسن، وألَّا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم، وكذلك يُعْظِم الرغبة في المسألة رجاءً وطمعًا في كرم الله تعالى؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا أحدكم فَلْيُعْظِمِ الرغبة؛ فإنه لا يتعاظم على الله شيء»؛ (رواه مسلم)، ولنا في نبي الله سليمان عليه السلام، أسوة وقدوة؛ حيث دعا فقال: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35]، فجاء الجواب على الفور: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ} [ص: 36، 37].
عاشرًا: أدب الباطن، وهو الأصل في الإجابة، وهو التوبة إلى الله تعالى، ورد المظالم، والاستجابة له والإقبال عليه؛ كما قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، فالاستجابة والإيمان به تعالى سببٌ عظيم من أسباب القبول؛ فكل من كان لله تقيًّا، وله وليًّا، لا يُرَدُّ دعاؤه؛ كما في الحديث القدسي: «يقول تعالى: وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه»، فإذا أحبَّه الله أخبر سبحانه وتعالى وقال: «ولئن سألني لأُعْطِيَنَّه، ولئن استعاذني لأُعِيذَنَّه».
ثمار وفوائد الدعاء:
• سرعة الفَرَجِ وتفريج الكرب.
• إلقاء الهمِّ على الربِّ لحسن الظن بالقُرب.
• سلاح يُتَّقى به من العدوِّ وسوء القضاء.
• يجلب المصالح ويدفع المفاسد.
• يشغل العبد بذنبه وعيبه عن عيب غيره.
• مداومة الشعور بالضعف والحاجة، فلا يزال يدعو حتى ينال حاجته.
• يعد من أجَلِّ أنواع العبادة، فيُقصَد لذاته، كما يُقصَد لقضاء الحاجة ولدفع الْمَضَرَّة.
• يدعو المسلم إلى التعرف على الآداب الشرعية.
• يشعر المسلم بأنه في معية الحق دومًا.
من الآثار وأقوال السلف:
• عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: “إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك صلى الله عليه وسلم”.
• عن سالم بن عبدالله بن عمر رحمه الله: أنه رأى سائلًا يسأل الناس يوم عرفة، فقال: “يا عاجز، في هذا اليوم يُسأَل غير الله عز وجل؟”.
• قال مجاهد رحمه الله: “إن الصلاة جُعِلت في خير الساعات فعليكم بالدعاء خلف الصلوات”.
• قال الحسن البصري رحمه الله: “إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: سيعلم الجمع من أولى بالكرم، أين الذين كانت: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16]؟ قال: “فيقومون فيتخطَّون رِقابَ الناس، قال: ثم ينادي منادٍ: سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم، أين الذين كانت: {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37] قال: “فيقومون فيتخطَّون رقاب الناس، قال: ثم ينادي منادٍ: سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم، أين الحمَّادون لله على كل حال؟ قال: فيقومون وهم كثير، ثم يكون التنعيم والحساب فيمن بقِيَ”.
• قال بعض أهل العلم: “ادْعُ بلسان الذِّلَّة والافتقار لا بلسان الفصاحة والانطلاق”.
فهيَّا نُحقق الفوز العظيم أخي الحبيب، ها هو قد فُتح باب الدعاء، وبعد أن علمنا أن للصائم دعوةً مستجابة، وأنه وسط آيات الصيام؛ يقول سبحانه وتعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، ثم تسمع: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة»، ها هو قد فُتِحَ الباب؛ فأقْبِلْ واجتهد وزِدْ، ولتكن لك دعوة كل يوم، دعوة جديدة، قد جمعت وحَوَتْ أطراف القبول من جميع جهاتها، دعوة فيها بكاء وخشية، وإنابة صادقة، دعوة فيها يكمن الذل والافتقار، دعوة فيها صدق وإنابة وتوبة، دعوة مستجابة ومقبولة من عبدٍ صائم وقائم ومنيبٍ يرجو رحمة ربِّه ويخاف عذابه، قد ألح في المسألة بعد طول قيام وجدٍّ واجتهاد، دعوة عظُمت فيها الرغبة، وامتلأت فيها الرهبة، قد انكسر القلب وتذلَّل، فجادت العينان بالدموع، والبدن بالخشوع، فأحسَّ بلذة المناجاة، وأيقن بإجابة السؤال، فازداد رِقَّة، ثم عاد في دعائه، فسبَّح الله ومجَّده بأسمائه وصفاته، وأفعاله الجليلة، وآلائه العظيمة، ثم ثنَّى بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يظل يمد يديه ويرجو، ويتبتل، ويبكي، ثم يتعلق هذا القلب بالله تعالى ليستجيب له، وهو مُوقِن، ثم ينخلع هذا الداعي من قوته ونفسه، وحَولِهِ وطَولِه، ويبرأ من جميع الأسباب التي في الدنيا إلا سبب السماء، ثم يجتمع القلب بكليته، فهذا لا يُرَدُّ دعاؤه، ولا يخيب رجاؤه، فكيف تُرَدُّ أعين باكية؟ كيف تُرَدُّ رقة القلب مع لذيذ وطِيب المناجاة والدعاء؟ كيف وهو يدعو الغفور الرحيم، البَرَّ الكريم الوهَّاب، الحي العليم، المحسن؟ ثم يتملق هذا العبد ربه أيضًا، وأين يذهب هذا العبد فلا ملجأ ولا مفر من الله إلا إليه؟ مثل هذا الدعاء لا يُرَدُّ أبدًا؛ حيث حوى جميع أسباب القبول، ودفع جميع أسباب الرد المانعة، فلا تنسَ أخي الكريم، ولا تحرم نفسك من هذا الفيض العظيم، والنَّوال الجسيم.
وصلى اللهم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
Source link