منذ حوالي ساعة
قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أفطر أحدكم فلْيفطرْ على تمر، إنه بركة، فإن لم يجد فعلى الماء، فإنَّه طهور»
عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: “كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يفطر على رُطَبَاتٍ قبل أن يصلي، فإن لم يكن رطبات فتمرات، فإن لم يكن تمرات حسا حسواتٍ من ماء”[1]؛ (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وهو حديث حسن) .
الحديث دليل على بعض آداب الإفطار التي ينبغي للصائم أن يتأسَّى بنبيِّه – صلى الله عليه وسلم – فيها، ومن ذلك الإفطارُ قبل صلاة المغرب، وهذا – والله أعلم – إشارة إلى كمال المبالغة في استحباب تعجيل الإفطار والمبادرة به.
ومن ذلك الإفطار على رُطب، فإن لم يتيسر أفطرَ على تمرٍ (وهو يابس ثمر النخل)، فإن لم يتيسر فعلى ماء.
وعن سلمان بن عامر الضَبِّي يَبْلُغُ به النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال: «إذا أفطر أحدكم فلْيفطرْ على تمر، إنه بركة، فإن لم يجد فعلى الماء، فإنَّه طهور»[2].
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: “إن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان إذا أفطر بدأ بالتمر”[3].
وعنه أيضًا – رضي الله عنه – قال: “ما رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – قطُّ يصلي حتى يفطر، ولو على شربة من ماء”[4].
والاقتصار على الرطب والماء عند الإفطار له فائدةٌ طبِّية، وهي ورود الغذاء إلى المعدة بالتدرج؛ حتى تتهيأ للطعام بعد ذلك، قال ابن القيم – رحمه الله تعالى -: “وفي فطر النبي – صلى الله عليه وسلم – من الصوم على الرطب، أو على التمر أو الماء – تدبيرٌ لطيف جدًّا؛ فإن الصوم يخلي المعدة من الغذاء، فلا تجد الكبد فيها ما تجذبه وترسله إلى القوى والأعضاء. والحلو أسرع شيءٍ وصولاً إلى الكبد وأحبُّه إليها، ولا سيما إن كان رطبًا، فيشتد قبولها له، فتنتفع به هي والقوى، فإن لم يكن فالتمر؛ لحلاوته وتغذيته، فإن لم يكن فحسوات من الماء تطفئ لهيب المعدة وحرارة الصوم، فتنتبه بعده للطعام، وتأخذه بشهوة”[5].
ولا تنبغي المبالغة في تقديم صنوف الأطعمة وأنواع الأشربة عند الإفطار، فإن هذا خلاف سُنة المصطفى – صلى الله عليه وسلم، وهو يشغل عن المبادرة لحضور صلاة المغرب مع الجماعة؛ بل قد يفوِّتها معهم بالكلية؛ لقلَّة وقت الانتظار فيها، قال ابن العربي: “كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يُفطِر قبل أن يصليَ على شيء يسير لا يشغله عن الصلاة، وفيه ثلاث فوائد: تعجيل الإفطار، وتفريغ البال للصلاة، وفصل ما بين زمان العبادة والعبادة وبينهما في أنفسهما”[6].
ولا ينبغي للصائم الإسرافُ في طعام العشاء في رمضان، والإكثار من الأكل، فإن رمضان فرصة موسم طاعة وعبادة، لا موسم للموائد وتنويع المأكولات. إنَّ رمضان فرصة يتعلَّم فيها الصائم الاقتصادَ وتدبير المعيشة، وفي تنويع الأطعمة والإكثار منها إشغالٌ لربَّات البيوت عن تلاوة القرآن وذكر الله تعالى، حتى صار رمضان عند كثير من الأسر موسِمًا لتنويع المأكولات والمشروبات، وكأنهم يريدون أن يعوِّضوا ما فاتهم في نهار رمضان، ولا أدل على ذلك من استعداد الأسواق قبيل ذلك بكل ما لذَّ وطاب مما يشبع الرغبات والشهوات، حتى صار رمضان شهرَ التخمة والبِطْنَة والتنعّم، بعد أن كان شهر الصبر والعبادة والجهاد، والله المستعان.
إنَّ الاقتِصاد في وجبةِ العشاء يَجعَلُ الصائم في حالة صحية يستطيع معها أن يقوم لصلاة التَّراويح والتَّهجّد في الليل بكل نشاط ورغبة، وهذا أمر ملحوظ؛ فإنه إذا ملأ بطنه بالطعام احتاج إلى الشراب، ولا سيَّما في الصيف، فيرتخي جسدُه، وتتخدر أعضاؤه، فيكسل عن العبادة، ولا ينتفع بنفسه في باقي ليلته. فعلى الصائم أن يأخذ بقول المصطفى – صلى الله عليه وسلم -: «ما ملأ ابن آدم وعاء شرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يُقِمْنَ صُلبَه، فإن كان لا محالة فثُلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفَسَه»[7].
وإذا كان الصائم قد ترك في نهار الصيام جميعَ مألوفاته التي اعتادها؛ احتسابًا لله تعالى، ووفاء بأمانة الصوم الذي أضافه الله إليه، مما يدل على قوة إرادته وصدق عزيمته – فحريٌّ به أن لا يفعل عند الإفطار ما يُخلُّ بهذه القوة أو يوهنها، فيفطر على ما حرَّم الله، فيهدم في ليله ما بناه في نهاره، فيضيع الحزم، ويبرهن على ضعف إرادته، وقلة صبره.
ومَن ابتُلي بشرب الدّخان أو غيره من العادات الضارة، فعليه أن يستغلَّ مدرسة شهر الصوم، فيصوم عنه في ليله كما صام عنه في نهاره؛ ليهجره إلى غير رجعة. عليه أن يواصل عزيمته وقوَّة إرادته بالليل كما كانت بالنهار، ويهجر المجالس السيئة، ويعتاض عنها بمجالس أهل الخير والصلاح، فهي عون له على ذلك بعد إعانة الله وتوفيقه.
اللهم وفِّقنا لصالح الأعمال، وجنِّبنا سيئات الأقوال والأفعال، واحفظ لنا صيامنا، وألهمنا ذكرك وشكرك، وارزقنا حبَّ أوليائك وبغض أعدائك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] رواه أحمد (3/ 163)، وأبو داود (6/ 481)، والترمذي (3/ 381)، وقال: هذا حديث حسن، ورواه ابن خزيمة (3/ 227)، انظر: “الإرواء” (4/ 45).
[2] رواه الترمذي (3/ 381)، وقال: حديث حسن صحيح، انظر: كتاب “الصيام” للفريابي، وتعليق المحقق على هذا الحديث ص 64، 65.
[3] رواه الفريابي في “الصيام” ص 66، ورجاله ثقات.
[4] رواه “الفريابي” في “الصيام” 67، وإسناده صحيح، وانظر: كلام المحقق عليه.
[5] “زاد المعاد” (4/ 313)، و(2/ 50) منه.
[6] “عارضة الأحوذي” (3/ 215، 216).
[7] رواه الترمذي رقم (2380)، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه أحمد (4/ 132)، ورواه ابن حبان (2/ 449)، وابن ماجه (3349)، والحاكم (4/ 121) وغيرهم، وله طرق، انظر: “الإرواء” (7/ 41).
Source link