منذ حوالي ساعة
إن العبادة في هذه الليلة المباركة أجــرها عظيـم مضاعــــــف، لا يعلم قدره إلا الله تعالى، فلا يُعدل بعددٍ معين من السنوات.
درج على ألسنة كثير من الناس قولهم: إن العبادة في ليلة القدر تعادل العبادة في ثلاثةٍ وثمانين سنة، ليس فيها ليلة القدر، وهذا غير صحيح.
فالله تبارك وتعالى لم يقل ليلة القدر كألف شهر؛ بل قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3].
والخيرية لا سقف لها، فالخيريـــة تزيد عن الألف إلى أضعاف مضاعفة لا يعلمهـــا إلا الله.
ثانيًا: إن قوله تعالى: {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، الألف هنا ليس مقصودة لذاتـها؛ بل هي لقب من ألقاب الأعداد؛ وإنما نصت عليها الآية؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يعرفون أعلى من هذا العدد.
يدل على ذلك ما كانوا يقولونه في عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه يملك ألف ألف من الإبل، وألفي ألف من الغنم، فكانت الألف هي اللغة التي يستخدمونها.
وكذلك ورد في الحديث أن الصحابي الجليل خريم بن أوس لما بشـــره النبي صلى الله عليه وسلم لما بشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بفتح الحيرة وهي العراق، وأن ابنة ملك الحيرة وهي الشيماء سوف تُسبى بمروطها السوداء على بغلتها البيضاء، قال ابن أوس: اجعلها لي يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم لابن أوس: (( «هي لك» ))، وتمت بشارة النبي صلى الله عليه وسلم وفتحت الحيرة، ووقعت الشيماء في السبي، فكانت من نصيب ابن أوس، كما بشره بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء أخو الشيماء يطلب فكاك أسرها، وعرض على ابن أوس مالًا، فقال له ابن أوس: أريد ألف درهم، فتعجب الصحابة، وقالوا: الرجل يعرض عليك مالًا كما شئت وتطلب ألفًا؟! فقال ابن أوس: وهل هناك أكثر من الألف؟
الشــــاهــــــد من ذلك:
أن الصحابة كانوا لا يعرفون أكثر من الألف، فخاطبهم القرآن بلغتهم، وعليه فالألف ليست مقصودة لذاتهــا.
ونظيـــر ذلك قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80]، فذكـرت السبعين على سبيل التكثير، وليس التحديد.
وعليه فيقال: إن العبادة في هذه الليلة المباركة أجـــــرها عظيـم مضاعــــــف، لا يعلم قدره إلا الله تعالى، فلا يُعدل بعددٍ معين من السنوات.
وقد قال تبارك وتعالى في بيان فضل هذه الليلة: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر: 4]؛ قوله: {تَنَزَّلُ} هذا من التنجيم، فالملائكة تتنزل من غروب شمس ليلة القدر إلى طلوع الفجر، وقوله: {تَنَزَّلُ} هذا كما ورد في قوله تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ} [الإسراء: 106]؛ {فرَّقناه} قد قرأت بالتشديد؛ أي: نزلناه منجمًا.
وكذلك هنا في قوله: {تَنَزَّلُ}؛ أي: تتنزل تترًا، جماعات جماعات.
{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا}؛ والروح هو جبريل عليه السلام، فجبريل الذي لم ينزل الأرض من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ينزل في ليلة القدر بإذن ربه {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 4-5].
وصلى الله على النبي وسلم.
_________________________________________________
الكاتب: أبو عبدالرحمن أيمن إسماعيل
Source link