حافظْ على قراءة الآيات والأذكار الواردة بعدَ الصلاة المكتوبة، ولا تتعجَّل إلى القيام بعدَ الصلاة للخروج أو لصلاةِ النافِلة، فإنَّك بذلك تُخالِف هدْي نبيِّك وتفوت عليكَ الفضل العظيم.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتَّقوا الله – تعالى – وتأدبُّوا بآداب الإسلام، وتخلَّقوا بأخلاقه، وامتثِلوا لأوامرِ الله، واجتنبوا نواهيَه، فلا خيرَ إلاَّ دلَّنا عليه نبيُّنا -صلواتُ الله وسلامه عليه -ولا شرَّ إلا حذَّرَنا منه.
ومما دلَّنا عليه وأرشدَنا إليه الذِّكرُ بعد الصلوات المكتوبة الذي يُفوِّتُهُ الكثيرُ مِن الناس على نفْسه، وذلك إمَّا لعادات اعتادَها أخذها مِن آبائه وأجداده ومُجتمعه الذي يعيش فيه، والدِّين ليسَ عاداتٍ، وإنَّما عبادات تُؤدَّى على ما جاء عن الله على لسانِ رسولِ الله، وقد يُفَوِّت الكثيرُ مِن الناس الذِّكرَ عليه بعدَ الصلوات لانشغاله بأمور دُنياه، أو لأنَّ الشيطان قد سيْطر عليه، وأصبَح يستعجله ويحثُّه على الإِسراع بالخروجِ مِن المسجد ليفوِّت عليه الخيرَ الكثيرَ وسعادة الدُّنيا والآخِرة.
فتجد الكثير مِن المصلِّين حالَ ما يَنتهي من الصلاة المكتوبة يقوم على الفورِ؛ ليصليَ نافلة دون أن يفصل بينها وبيْن الصلاة المكتوبة بالذِّكْر المشروع، وهذا خلافُ المشروع، ومِن الحرمان وتفويت الفضائل.
ففي الحديثِ عن أبي أُمامة – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مَن قرأ آية الكرسي دُبُرَ كلِّ صلاة لم يمنعْه من دخولِ الجنَّة إلاَّ أن يموت»[1]، (رواه النسائيُّ والطبراني) ، وزاد في رواية: و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، وإسناد الروايتين على شرْط الصحيح.
وعنِ الحسن بن علي – رضي الله عنهما – قال: قال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مَن قرأ آيةَ الكرسي في دُبُرِ الصلاة المكتوبة كان في ذِمَّة الله إلى الصلاة الأخرى»[2].
وعن كعْب بن عُجْرةَ – رضي الله عنه – عن رسولِ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: «مُعقِّبات لا يخيب قائلُهنَّ أو فاعلهنَّ دُبرَ كلِّ صلاة مكتوبة: ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة» ))[3].
فيا عباد الله:
ويا مَن فوَّت على نفْسه الفضائلَ وأطاع هواه وشيطانَه، وقلَّد الجاهلَ في دِينه، اتَّقِ الله في نفسك وخذْ بهَدي نبيِّك، ودعْ عنك العاداتِ السيئةَ والتقليد الأعمى، حافظْ على قراءة الآيات والأذكار الواردة بعدَ الصلاة المكتوبة، ولا تتعجَّل إلى القيام بعدَ الصلاة للخروج أو لصلاةِ النافِلة، فإنَّك بذلك تُخالِف هدْي نبيِّك وتفوت عليكَ الفضل العظيم.
ويا مَن شُغل بماله عن أعمالِ آخرتِه، اسمعْ إلى الحديث في أصحابِ الأموال الذين ذَهبوا بالدَّرجات العُلى والنعيم المقيم.
عن أبي هُرَيرةَ – رضي الله عنه – أنَّ فقراء المهاجرين أَتَوا رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقالوا: ذهَب أهل الدُّثُورِ بالدَّرجات العُلى والنعيم المقيم، قال: «وما ذاك» ؟ قالوا: يُصلُّون كما نُصلِّي ويصومون كما نصوم، ويتصدَّقون ولا نتصدَّق، ويعتقون ولا نعتق، فقال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «أفلاَ أُعلِّمكم شيئًا تُدركون به مَن سبَقَكم وتسبقون به مَن بعدَكُم، ولا يكون أحدٌ أفضلَ منكم إلا مَن صنَع مثل ما صنعتم» ؟ قالوا: بلى يا رسولَ الله، قال: «تُسبِّحُونَ وتَحْمدُون وتُكبِّرُونَ دُبُرَ كلِّ صلاة ثلاثًا وثلاثين مرَّة»، قال أبو صالح: فرجَع فقراءُ المهاجرين إلى رسولِ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقالوا: سَمِع إخواننا أهل الأموال بما فعَلْنا ففعلوا مثلَه! فقال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «ذلك فضلُ الله يُؤتيه مَن يشاء»[4]، وفي رواية لمسلِم قال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مَن سبَّح في دُبَر كلِّ صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا ثلاثين، وكبَّر الله ثلاثًا وثلاثين، فتِلك تِسعة وتسعون، ثم قال تمامَ المائة: لا إله إلَّا الله وحْدَه لا شريكَ له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير – غُفِرت له خطاياه وإنْ كانتْ مثلَ زبد البحر»[5].
إنَّه الفضلُ الكثير الذي يتسابق إليه الفقراء والأغنياء، الأغنياء الذين لا تُلهيهم تجارتُهم ولا تشغلهم عن ذِكْر الله، قد جمعوا بين خيري الدنيا والآخِرة، يعملون كما يعمل الفقراء، ويَزيدون عليهم بالإِنفاق في طُرق الخير، وذلك فضلُ الله يؤتيه مَن يشاء.
فيا أيها المسلمون:
احمدوا الله على نِعمة الإسلام وتعاليمه السامية، وأعماله السَّمْحة وفضائله الجَمَّة، التزَموا بها تسعدوا في الدارين: الدنيا والآخِرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
قال الله العظيم: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} [النساء: 69-70].
بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفَعَني وإيَّاكم بما فيه مِن الآيات والذِّكْر الحكيم، وتاب عليَّ وعليكم، إنَّه هو التوَّاب الرحيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين مِن كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
واعلموا أنَّ الشيطان حريصٌ وساعٍ في تثبيطِ المسلِم عن الأعمال الصالحة، والقليل مَن يقاومه ويجاهده؛ ولهذا نجد الكثيرَ لا يلتزمون بأداءِ الأذكار المشروعة بعدَ الصلوات المكتوبة لِما للشيطان عليهم مِن سيطرةِ وتأثير.
يقول نبيُّنا – صلوات الله وسلامه عليه – في حديثِ عبدالله بن عمرَ – رضي الله عنهما -: «خَصْلتان لا يُحصيهما عبدٌ إلا دخَل الجنَّةَ هما يسيرٌ ومَن يعمل بهما قليل، يسبح اللهَ أحدُكم دُبرَ كلِّ صلاة عشرًا، ويَحْمده عشرًا، ويكبِّره عشرًا، فتلك مائةٌ وخمسون باللِّسان، وألف وخمسمائة في الميزان، وإذا أوى إلى فراشِه يُسبِّح ثلاثًا وثلاثين، ويحمد ثلاثًا وثلاثين، ويُكبِّر أربعًا وثلاثين، فتلك مائة باللِّسان وألْف في الميزان»، قال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «أيُّكم يعمل في يومٍ وليلة ألفين وخمسمائة سيِّئة» ؟ قال: قيل يا رسولَ الله، كيف لا يُحصيها؟ قال: «يأتي أحدَكم الشيطانُ وهو في صلاتِه فيقول له: اذكرْ كذا واذكرْ كذا، ويأتيه عندَ منامه فيُنوِّمه»[6].
فاتَّقوا الله – يا عباد الله – وحافظوا على الأذكار المشروعة بعدَ الصلاة المكتوبة؛ واحذروا تقليدَ الجهَّال في أمور دِينكم، واحذروا الشيطانَ فإنَّه عدوُّكم وساعٍ في هلاككم وتفويتِ الخير عليكم.
[1] انظر الترغيب والترهيب (2/453)، قال الألباني صحيح انظر تخريج المشكاة (974)، الأحاديث الصحيحة (968). [2] أخرجه الطبراني في معجمه الكبير (3/85)، والمنذري في الترغيب (2/453). [3] أخرجه مسلم (596). [4] أخرجه البخاري رقم (843) ـ الفتح (2/378)، ومسلم (595). [5] أخرجه مسلم (597). [6] أخرجه الترمذي (3410)، وأبو داود (5065)، والنسائي (3/74). قال الأرناؤوط: وهو حديث صحيح.
__________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل
Source link