يجب أن نحافظ على الأخوة الإيمانية والصداقة الحميمية، ونرفع شعار المسامحة، وقبول الناس على مالهم وبهم من زلات، ونعلم أن الكمال الإنساني مستحيل في حق غير الأنبياء والمرسلين
في تعاملاتنا اليومية مع إخواننا لا بد أن تقع أخطاء منا ومنهم، فمن ذا الذي ما ساء قط، فالخطأ وارد من الإنسان بل هو من طبعه، ويُلاحظ في جيلنا الحالي تضخيم الأخطاء والعناية بالزلات، والتركيز على العثرات وهذا مفسد للأخوة، وداع للتدابر والخصام.
ولقد حض الشرع الكريم على التغافل عن الأخطاء، ودعا للصفح عن الزلات.
وهناك خصال وقواعد لا بد منها حتى تحافظ على صداقتك مع الآخرين، وهي خصال مطلوبة منا أجمعين حتى نحافظ على تماسك المجتمع، وصيانة الروابط والأواصر الأخوية ومن ذلك:
– الإقلال من اللوم والعتاب، فاللوم والعتاب مدعاة لإفساد المودة، وهو مع ذلك قليل النفع حتى قال الشاعر الجاهلي:
ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بِيّاومالكما في اللوم نفع ولا لِيّا
أَلَم تَعلَما أَنَّ المَلامَةَ نَفعُها قَليلوما لومي صاحبي من شماليّا
فلاستمرار الأخوة لا بد من التغافل عن الأخطاء، وعدم تتبع السقطات وكما قيل :
ليس الغبي بسيد في قومهلكن سيد قومه المتغابي.
وما أحسن قول بشار بن برد:
إذا كنتَ في كُلِّ الأمور معاتبًاصديقَكَ لم تَلْقَ الَّذي لا تُعاتِبُهْ
فعِش واحدًا أو صِلْ أخاك فإنَّهُمقارفُ ذَنْبٍ مَرَّةً ومُجانِبُهْ
إذا أنتَ لم تشربْ مرارًا علىٰ القذىٰظمِئتَ وأيُّ الناسِ تصفو مشارِبُهْ
– الاهتمام بمعالي الأمور وعدم التركيز على سفاسف الموضوعات، فأنت بينك وبين إخوانك عقد وميثاق غير مكتوب ينص على التعاون على الخير، والصداقة فلا تنجر لتفاصيل يومية وحوادث آنية تشغلك عن الأهداف الكبرى التي من أجلها شرعت الأخوة، وقامت المجتمعات المترابطة، فاصرف همتك للقضايا الكبرى، ودع التفاصيل الصغيرة التي يكمن فيها الشيطان ويضخم من خلالها حظوظ النفس.
– استعمال اللين والرفق عند معالجة خطأ الأخ والصاحب، ولقد كان هذا منهج النبي صلى الله عليه وسلم في معالجة الأخطاء ولقد قرأتم وسمعتم قصة الصحابي الذي تكلم في الصلاة فكان العلاج النبوي معه غاية في الرفق واللين، فهذا الصحابي معاوية بن الحكم لما شَمَّت العاطس في الصلاة بصوت عال، فما نهره النبي صلى الله عليه وسلم ولا وبخه بل قال له: (إنَّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنَّما هو التسبيح والتكبير)رواه مسلم.
– اختيار العبارات اللطيفة في إصلاح الأخطاء.
كلنا يدرك أنَّ من البيان سحراً، فلماذا لا نستخدم هذا السحر الحلال في معالجة الأخطاء؟! فمثلاً: حينما يخطئ أخوك فقل له: لو فعلت كذا، أو ما رأيك أن تفعل كذا؟ أو أقترح عليك فعل كذا، وغير ذلك من العبارات اللطيفة التي لا تعرف الخشونة ولا صيغ التعنيف.
– عندما تحاول أن تصحح الأخطاء اذكر مميزات الشخص، وجميل صنعه حتى يتقبل الآخرون نقدك المهذب، وتصحيحك الخطأ، أشعرهم بالإنصاف بأن تذكر خلال نقدك جوانب الصواب عندهم، ففي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)، قالت: حفصة -وهي أخته- فكان بعدُ لا ينام إلا قليلاً؛ فعندما يعمل إنسان عملاً فيحقق نسبة نجاح ما، فعلينا أن نثني عليه بهذا الصواب، ثم نطلب منه تصحيح الخطأ، وزيادة نسبة النجاح التي حققها في المرة الأولى.
– تجنب الكلمة الجارحة، حتى تسوق صاحبك للصواب بدون أن تجرح مشاعره، أو تؤذي نفسه.
– عليك أن تضع الخطأ في إطاره، وتجنب تضخيمه، واجعل إمكانية لإصلاح كل خطأ، و افتح نافذة التصحيح لأخيك، ولتكن المسامحة شعارك في تعاملاتك مع إخوانك، والتماس الأعذار لهم منهجك دوماً ولقد أحسن الإمام الحريري صاحب المقامات المشهورة حين قال:
ﺳﺎﻣﺢ ﺃﺧﺎﻙ ﺇﺫﺍ ﺧﻠﻂﻣﻨﻪ ﺍﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﻐﻠﻂ
ﻭﺗﺠﺎﻑ ﻋﻦ ﺗﻌﻨﻴﻔـﻪﺇﻥ ﺯﺍﻍ ﻳﻮﻣﺎً ﺃﻭ ﻗﺴﻂ
ﻭﺍﺣﻔﻆ ﺻﻨﻴﻌﻚ ﻋﻨﺪﻩﺷﻜﺮ ﺍﻟﺼﻨﻴﻌﺔ أﻭ ﻏﻠﻂ
ﻭﺍﻗﺾ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ﻭﻟﻮ ﺃﺧﻞﺑﻤﺎ ﺍﺷﺘﺮﻃﺖ ﻭﻣﺎ ﺍﺷﺘﺮﻁ
ﻭﺍﻋﻠﻢ ﺑﺄﻧﻚ ﺇﻥ ﻃﻠﺒﺖﻣﻬﺬﺑﺎً ﺭﻣﺖ ﺍﻟﺸﻄـﻂ
ﻣﻦ ﺫﺍ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﺎ ﺳﺎﺀ ﻗﻂﻭﻣﻦ ﻟﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻓﻘﻂ
وخلاصة القول أننا يجب أن نحافظ على الأخوة الإيمانية والصداقة الحميمية، ونرفع شعار المسامحة، وقبول الناس على مالهم وبهم من زلات، ونعلم أن الكمال الإنساني مستحيل في حق غير الأنبياء والمرسلين؛ وأننا جميعاً تحصل منا الزلات والهنات، فيجب أن نداري ذلك بالتغافل، والمسامحة:
وَمَن ذا الَّذي تُرضى سَجاياهُ كُلُّهاكَفى المَرءَ نُبلاً أَن تُعَدَّ مَعايِبُهْ
Source link