العلاقات التركية الصومالية وأثرها في القرن الإفريقي – عبد المنعم منيب

تأتي أهمية تنامي هذه العلاقات من منطلق تصاعد القدرة والنفوذ الإستراتيجيين لجمهورية تركيا، بجانب أهمية الموقع الإستراتيجي لجمهورية الصومال

شهدنا مؤخرًا تنامي العلاقات بين الصومال وتركيا؛ من خلال الاتفاقية الجديدة التي تم توقيعها وإطلاقها في شهر فبراير الماضي، وتأتي أهمية تنامي هذه العلاقات من منطلق تصاعد القدرة والنفوذ الإستراتيجيين لجمهورية تركيا، بجانب أهمية الموقع الإستراتيجي لجمهورية الصومال، والذي يكاد يهيمن بشكل شبه كامل على منطقة القرن الإفريقي برًّا وجوًّا وبحرًا.

وتزداد أهمية التحركات والإجراءات التركية الصومالية بسبب تزايد المخاطر والتهديدات الأمنية والعسكرية في القرن الإفريقي والبحر الأحمر.

ولكي نتمكن من فهم التطور الإستراتيجي البالغ الذي وصلت له العلاقة التركية الصومالية مؤخرًا؛ فلا بد أن نضعها في الإطار التاريخي للمراحل التي مرَّت بها العلاقات بين البلدين؛ حيث مرَّت العلاقات بين البلدين بأربع مراحل:

المرحلة الأولى: الفترة من 2002 وحتى 2011م

في هذه الفترة أُعيد التمثيل الدبلوماسي بين البلدين بعدما كانت تركيا أغلقت سفارتها في مقديشيو في 1991م مع بداية الحرب الأهلية في الصومال، ولكن العلاقات في هذه المرحلة اقتصرت على التركيز في مجال المساعدات الإنسانية التركية للتخفيف من المجاعات والأزمات الاقتصادية التي كانت تضرب الصومال من حينٍ لآخر، وشهدت هذه المرحلة زيارات متبادَلة بين مسؤولي البلدين.

وفي هذه المرحلة ظلت العلاقات بين الصومال وتركيا محدودة نسبيًّا، ولذلك لم يزد حجم الصادرات التركية للصومال عام 2010 عن 5.1 مليون دولار فقط.

المرحلة الثانية: الفترة من 2011 وحتى 2015م

افتتحت تركيا أكبر سفارة لها في الخارج في مقديشو في عام 2011م([1])، وردَّت الصومال بالمثل بافتتاح سفارة في أنقرة.

وخلال هذه الفترة، زادت تركيا بشكل كبير مساعداتها للصومال، بما في ذلك في مجالات الرعاية الصحية والتعليم وبناء المستشفيات والمدارس ومشاريع البنية التحتية. وبدأت الخطوط الجوية التركية رحلات مباشرة إلى مقديشو، مما عزَّز العلاقات الاقتصادية.

المرحلة الثالثة: الفترة من 2016 وحتى 2020م

استمر تطور العلاقات بين تركيا والصومال. وفي عام 2016م، زار الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود تركيا، ووقَّع البلدان عدة اتفاقيات للتعاون في مجالات مختلفة، بما في ذلك الدفاع والأمن.

 وفي عام 2017م افتتحت تركيا في مقديشو أكبر قاعدة تدريب عسكرية تركية خارج تركيا؛ للمساعدة في تدريب القوات الصومالية، وبسبب سعة هذه القاعدة فإنه يُمكنها تدريب ما يصل إلى 1500 جندي في الدورة التدريبية الواحدة([2]).

وفي عام 2017م بلغ إجمالي صادرات تركيا إلى الصومال 150 مليون دولار، في حين بلغت الواردات من الصومال 5.5 مليون دولار.

وفي 2017م أيضًا تم افتتاح مستشفى الصداقة التركية الصومالية في مقديشو.

وفي 2020م أرسلت تركيا مساعدات طبية للصومال لمواجهة جائحة كورونا.

وبشكلٍ عام؛ فقد تم توسيع التعاون الاقتصادي، مع التركيز على مشاريع التنمية، وتزايد الدور التركي في دعم الاستقرار والأمن في الصومال، بما في ذلك مساهمات تركية في مكافحة الإرهاب وبناء مؤسسات الدولة الصومالية التي كانت قد عانت من الحرب الأهلية، ثم الحرب على الإرهاب منذ 1991م وحتى الآن.

المرحلة الرابعة: الفترة من 2021 وحتى 2024م

وهي المرحلة التي وصلت لدرجة الشراكة الإستراتيجية؛ حيث شهدت توقيع اتفاقية تعاون دفاعي وأمني شامل عام 2024م.

ووصفَ بعض المراقبين هذه الاتفاقية بأنها استثنائية وغير مسبوقة لتركيا مع أيّ دولة، وجاءت مُوسَّعة بشكلٍ يُعطي تركيا نفوذًا عسكريًّا شبه كامل على الصومال، برًّا وبحرًا وجوًّا.

وأكدت وزارة الدفاع التركية أن هذه الاتفاقية جاءت بطلب من حكومة مقديشو، وتهدف لدعم الصومال، ومساعدته في الحماية من التهديدات الخارجية، والإرهاب، والقرصنة والصيد البحري غير القانوني، وقال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود:

“إن الاتفاقية تهدف إلى إنشاء قوة عسكرية مشتركة بين البلدين، وإن هذه القوة ستحمي سواحل الصومال ومياهه الإقليمية، وستستثمر في موارد الصومال البحرية لمدة عشر سنوات، هذه القوات المشتركة ستعمل فقط لمدة عشر سنوات، وبعد ذلك سيكون لدى الصومال قواته البحرية الخاصة التي ستتولى هذه المهمة”.

ووفق ما تسرّب للإعلام من معلومات إضافية عن إطار هذه الاتفاقية المبدئية، فإنها تشمل:

-إجراء مناورات وتدريبات عسكرية بحرية وجوية وبرية بين البلدين.

-ستبني تركيا وتبيع للصومال سفنًا عسكرية، وسيكون للقوات البحرية التركية الحق الكامل في استخدام الموانئ البحرية الصومالية الحالية، وإنشاء موانئ وقواعد عسكرية بحرية جديدة.

-التعاون والتنسيق بين البلدين في مجال الملاحة البحرية والتجارة.

-ستنشئ تركيا للصومال قوات خفر سواحل.

-ستساعد تركيا الصومال على استخراج الموارد البترولية والغازية من مياهه الإقليمية.

-إنشاء قواعد عسكرية تركية وأخرى مشتركة في الصومال (جوية وبحرية وبرية).

-ستساعد تركيا الصومال على حماية البيئة البحرية، ومنع التلوث.

-جميع هذه المنشآت والصناعات ستتولاها الشركات التركية، أو سيحصل الصومال على إذن أنقرة للتعاون مع شركات أخرى.

-فتح الأجواء الصومالية بالكامل للاستخدام المدني والعسكري التركي.

-سيتبع اتفاقية الإطار هذه اتفاقيات فرعية تنظّم تفاصيل بنود الاتفاقية لاحقًا.

بالإضافة إلى كل ما سبق، أوردت بعض وسائل الإعلام، عقب الإعلان عن الاتفاقية، أن تركيا ستستخرج البترول والغاز من المياه الإقليمية الصومالية لمدة عشر سنوات، وأن 30% من مدخول هذا الإنتاج سيذهب إلى تركيا، لتمويل المشاريع والصناعات التي ستقوم بها في الصومال، لكنَّ الحكومة الصومالية، التي وقَّعت بالفعل مع الجانب التركي مذكرة تفاهم لتطوير التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي، في 7 مارس 2024م، نفت على لسان وزير النفط والثروة المعدنية، عبد الرزاق عمر محمد، تخصيصها نسبة 30% من إنتاجها النفطي المستقبلي لتركيا([3]).

وهذا كله يُوضِّح أن عام 2011م هو تاريخ بداية التحوُّل في علاقات الجمهورية التركية بجمهورية الصومال؛ حيث بدأت سياسة تركيا الخارجية في التحوُّل تجاه إفريقيا بشكل عام، والصومال على وجه الخصوص، وشكَّلت هذه الزيارة بداية حقبة جديدة في العلاقات التركية الصومالية. وفي الناحية الاقتصادية، أصبحت تركيا واحدة من أهم الشركاء التجاريين للصومال.

وتأتي محطة التحول الأخرى في علاقات تركيا بالصومال في فبراير من العام الجاري 2024م؛ حيث وقَّعت تركيا والصومال اتفاقًا إطاريًّا للتعاون الدفاعي والاقتصادي ومكافحة الإرهاب، ويأتي الاتفاق في سياق محاولات تركيا تعزيز وجودها العسكري والأمني والاقتصادي مع الصومال، كما تزامن توقيع هذا الاتفاق مع تصاعد التوترات بين الصومال وإثيوبيا بعد اتفاق جمهورية صومال لاند على تأجير ميناء بربرة لإثيوبيا لمدة 50 عامًا مقابل اعتراف إثيوبيا بجمهورية صومال لاند التي لا تعترف بشرعيتها أي دولة في العالم، وقد أبرمت إثيوبيا هذا الاتفاق مع صومال لاند رغم معارضة جمهورية الصومال له([4]).

ولا شك أن علاقات تركيا بالصومال تُعزّز الدور التركي في القرن الإفريقي، وتُقوّي الدعم التركي للصومال في مواجهة التهديدات الإثيوبية.

ومن هنا نجد أن أبرز سمات العلاقات التركية الصومالية يمكن إيجازها في التالي:

  • التعاون الأمني:
    • تدريب الجيش الصومالي.
    • مكافحة الإرهاب.
    • تأمين السواحل الصومالية.
  • المساعدات الإنسانية والتنموية:
    • توفير المساعدات الغذائية والطبية.
    • بناء البنية التحتية.
    • دعم التعليم والصحة.
  • الاستثمارات الاقتصادية
    • مشاريع في قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة.
    • تنمية الموانئ والطرق.
    • دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

كما أنه من المُلاحَظ أن العلاقات الصومالية ما زالت تكتنفها العديد من التحديات؛ من أبرزها:

  • استمرار الصراع القَبَلي في بعض مناطق الصومال.
  • وجود جماعات إرهابية، مثل حركة الشباب([5]).
  • صعوبة جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية؛ بسبب الوضع الهشّ للصومال، مع تصاعد تحديات التنمية الاقتصادية والإرهاب والقرصنة البحرية، والصراع التاريخي مع إثيوبيا([6]).
  • تصاعد التنافس الإقليمي والدولي في القرن الإفريقي، وتضارب مصالح الدول الأخرى في المنطقة، وواقع التوازن في العلاقات مع الدول العربية.

وبشكل عام؛ فمن الواضح أن جهود المساعدات الضخمة التي بذلتها تركيا للصومال في ذروة المجاعة عام 2011م جعلتها محبوبة لدى العديد من الصوماليين، وقد استمرت تركيا في ضخّ المساعدات، وأتى معظمها من شركات خاصة؛ إذ قامت ببناء المدارس والمستشفيات والبنية التحتية، وقدمت المِنَح الدراسية للصوماليين للدراسة في تركيا.

وقال وزير الإعلام عبد الرحمن عمر عثمان لرويترز عام 2017م: “لقد فازت تركيا حقًّا بقلوب وعقول الشعب الصومالي”.

وصارت الحكومة الصومالية أيضًا مؤيدًا قويًّا لحكومة أردوغان في محاولتها لقمع نفوذ المعارض السياسي فتح الله غولن في الخارج، وأمرت الحكومة الصومالية على الفور بإغلاق المدارس والمستشفى المرتبط بغولن في مقديشو في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016م، والتي ألقى أردوغان باللوم فيها مرارًا وتكرارًا على فتح الله غولن، بينما ينفي غولن تورُّطه في محاولة الانقلاب هذه.

ولا شك أن كل هذه السمات التي تتصف بها العلاقات بين تركيا والصومال والمراحل التي مرت بها هذه العلاقة، ثم ما وصلت إليه الآن في عام 2024م؛ كل هذا يُوضّح أن هذه العلاقات حقَّقت المصالح الوطنية العليا لكلا البلدين؛ إذ أعطت نفوذًا إقليميًّا كبيرًا لتركيا -عسكريًّا وأمنيًّا ومِن ثَم سياسيًّا- في القرن الإفريقي والبحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن وبحر العرب، وكل هذا يزيد من الأوراق التي تُمسك بها تركيا في الصراع والتنافس على النفوذ، سواء في إقليم الشرق الأوسط وشرق إفريقيا، أو حتى على المستوى الدولي([7])؛ إذ صارت تركيا كبيضة القبان في الصراع الدائر في كل هذه الدوائر بين كلٍّ مِن جمهورية الصين الشعبية والولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن التنافس أو الصراع الدائر بين قوى أخرى إقليمية مثل إيران وإثيوبيا وغيرها في شرق إفريقيا والبحر الأحمر والقرن الإفريقي ومضيق باب المندب وخليج عدن وبحر العرب([8]).

ومن ناحية أخرى استفادت دولة الصومال حليفًا قويًّا سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا -هو تركيا- في مواجهة التحديات العديدة التي تواجهها في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية من تدهور في مواردها الاقتصادية وتصاعد حدة الإرهاب والصراعات السياسية والقبلية، وكذلك مطامع القوى الإقليمية مثل إثيوبيا وكينيا وغيرها([9])، أو مطامع قوى دولية كالولايات المتحدة وفرنسا والصين وبريطانيا؛ حيث تدعم بعض هذه القوى الإقليمية والدولية تقسيم الصومال، بينما يطمع بعضها الآخر في الهيمنة على الإرادة الوطنية لجمهورية الصومال. 

ومن هنا نلاحظ أن العلاقات بين كلٍّ من الصومال وتركيا في هذه الفترة من 2002م وحتى الآن توضّح سَعْي كلتا الدولتين لزيادة قوتها ونفوذها وتحقيق العديد من مصالحها الوطنية عبر إدارة العلاقات فيما بينهما.

………………………………………….

([1]) انظر: وكالة الأنباء الكويتية كونا: تركيا تفتتح سفارة لها في الصومال، بتاريخ 2 نوفمبر 2011م، على الرابط التالي: https://2u.pw/EpZFhjQ8

([2]) تقرير لوكالة رويترز بعنوان: ” Turkey opens military base in Mogadishu to train Somali soldiers” على الرابط التالي: https://2u.pw/nH2kW3Cc  

([3]) انظر: وحدة الدراسات التركية بمركز الإمارات للسياسات، الاتفاقية العسكرية بين تركيا والصومال: مجازفة محسوبة أم خطوة نحو المجهول؟، 4 أبريل 2024م، على الرابط التالي: https://2u.pw/T3XSPTq8

([4]) وقَّعت إثيوبيا وأرض الصومال (صومال لاند) “مذكرة تفاهم” في الأول من يناير 2024م تنص على استئجار إثيوبيا لساحل أرض الصومال الممتد على 20 كيلو مترًا على خليج عدن لمدة خمسين عامًا، وندَّدت مقديشو بالاتفاق “غير القانوني”، وأكدت سلطات أرض الصومال أنه مقابل هذا المنفذ إلى البحر، ستصبح إثيوبيا أول دولة تعترف بها رسميًّا، وهو ما لم يفعله أي جانب منذ أعلنت هذه المنطقة الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها 4,5 مليون نسمة استقلالها من جانب واحد عن الصومال في العام 1991م. انظر تقرير إخباري على الرابط التالي:  https://2u.pw/INl99e7z

([5]) انظر على سبيل المثال لا الحصر: مرفت عوف، الأتراك في الصومال.. هل ستنجح تجربة أنقرة في وجه المؤامرات؟ بتاريخ 13 يناير2021م، على موقع الجزيرة نت، على الرابط التالي: https://2u.pw/YxBIkj7T

([6]) انظر: آلاء أبو رميلة، خطة إثيوبيا لتقسيم الصومال والسيطرة على سواحلها، على موقع الجزيرة نت، بتاريخ 12 مايو 2018م، على الرابط التالي: https://2u.pw/MawMFPCz

([7]) انظر: Zach Vertin، تركيا والوضع الجديد في إفريقيا: مخطّطات عثمانية أم مخاوف غير مبرّرة، على موقع مركز بروكنجز، بتاريخ 19 مايو 2019م، على الرابط التالي: https://2u.pw/6sYFRzd5

([8]) لمزيد من التأمل حول الأوراق التي باتت تملكها تركيا بعد اتفاقيتها الأخيرة مع الصومال، انظر: حسام عمر، تركيا والصومال.. أبعد من مجرد اتفاقية أمنية، موقع الجزيرة نت، بتاريخ 27 فبراير 2024م، على الرابط التالي: https://2u.pw/WJ4xq0R0  

([9]) انظر: Zach Vertin، منافسات على سواحل البحر الأحمر: دول الخليج تلعب لعبةً خطرة في القرن الإفريقي، على موقع مركز بروكنجز، بتاريخ 15 يناير 2019م، على الرابط التالي: https://2u.pw/fXrqdveP

 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم

منذ حوالي ساعة الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *