معاناة اللاجئ الفلسطيني – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة

ولَم يكن الذين بَقُوا داخل إسرائيل أقلَّ معاناة ممن تَمَّ تهجيرهم، فقد شاهَدوا بأمِّ أعينهم كيف سعَى الاحتلال لتدمير كافة المعالم العربية وطمْسها، ومُنِع العديد منهم من العودة إلى قراهم التي أصَبَحت مناطق مُغلقة…”

المؤلف: مريم عيتاني ومعين مناع

 

دار النشر: مركز الزيتونة للدراسة والاستشارات – بيروت

 

سنة النشر: 2010

 

عدد الصفحات: 130 صفحة

______________________________________________________________________

أعْطَت الحكومة البريطانية – من خلال رسالة رسميَّة أرْسَلها وزير خارجيتها اللورد آرثر جيمس بلفور إلى الزعيم الصِّهْيَوني اللورد روتشيلد – وعدًا بتاريخ 2/11/1917 بدعم قيام وطنٍ قومي يهودي في فلسطين، وقد أكمَلَت بريطانيا احتلالها لفلسطين في سبتمبر 1918، وقامت بتحديد الحدود الجغرافية المتعارَف عليها حديثًا لفلسطين بالتنسيق مع الاستعمار الفرنسي في الفترة 1920 – 1923.

 

ومنذ ذلك التاريخ نَشِطت عمليات هجرة اليهود المستوطنين إلى فلسطين؛ للاستيلاء على الأراضي وبناء المستوطنات، فبعد أن كان مجموع ما يَملكه اليهود من أرض فلسطين في سنة 1918 لا يزيد عن 240 ألف دونم – ما نسبته 1,56% – من إجمالي أرض فلسطين، صار مجموع مساحة الأراضي التي سيْطَر عليها المستوطنون الصهاينة بمختلف أساليب الخداع والرِّشوة، والدعم البريطاني قرابة 1,8 مليون دونم في سنة 1948، وكلُّ ذلك تحت إشراف الاستعمار البريطاني ورعايته.

 

أكاذيب صِهْيَونيَّة:

وقد لَجَأت الدعاية الصِّهْيونية أولاً إلى إشاعة مقولة: إنَّ فلسطين كانت قبل هجرتهم إليها واستيطانهم فيها أرضًا قاحلة لا حياة فيها – أرضًا بلا شعب، لكن جذور الشعب الفلسطيني مُوغلة منذ القِدم في هذه الأرض.

 

وتُعَدُّ مدينة “أريحا” من أقدم المدن في العالم؛ حيث يرجع بناؤها إلى سنة 8000 ق. م، وفي سنة 2500 ق. م هاجَر الكنعانيون من جزيرة العرب إلى فلسطين، وعُرِفت البلاد باسْمهم، وكانوا قد أنشؤوا مع حلول سنة 2000 ق. م مائتي مدينة وقرية تقريبًا؛ منها مدن “شكيم (نابلس وبلاطة)، وبيسان، وعسقلان، وعكا، وحيفا، والخليل، وأسدود، وعاقر، وبئر السبع، وبيت لحم، وغيرها، ومن الجدير بالذِّكر أنَّ قُدوم النبي إبراهيم – عليه السلام – إلى فلسطين كان سنة 1900 ق. م، وتعترف التوراة بأنها كانت آنذاك أرضًا عامرة، وكانت تسميتها “أرض كنعان”.

 

كما لَجَأت الدعاية الإسرائيلية إلى الادِّعاءات الكاذبة، فأشاعَت مقولة: إنَّ الفلسطينيين غادَروا بلادهم بإرادتهم، وإنَّ اللاجئين باعوا أراضيهم لليهود المستوطنين؛ بهدف تضليل الرأي العام، وتزييف الحقائق المتعلقة بذلك.

 

وقد ظهَر لاحقًا كَذِب الدعاية الإسرائيلية، وزَيْف شائعاتهم بخصوص فلسطين، خاصة بعد أن أصبَحَت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين مسموعة في المحافل الدوليَّة، وتكرَّرت القرارات الدولية التي تدعو سلطات الاحتلال لتنفيذ حقِّ العودة، وبدا واضحًا إصرار اللاجئين على ممارسة حقِّهم في العودة إلى ديارهم، على الرغم من السنين والضغوطات.

 

صور مختلفة من المعاناة:

بعد نكبة سنة 1948، سجَّل تاريخ اللاجئين الفلسطينيين سلسلة هجرات من الضفة الغربية وقطاع غزة؛ بحثًا عن لُقمة العيش، فشَهِدت الخمسينيات والستينيات حركة هجرة إلى الأردن، ومن الأردن نحو الخليج، وبسبب حرب يونيو 1967 اضْطُرَّ نحو 330 ألف فلسطيني للهجرة من الضفة والقطاع إلى الأردن ومصر، وبعد انتهاء الحرب، جرَت حركة هجرة جديدة بدوافع اقتصادية وأمنيَّة من الضفة والقطاع إلى الأردن والخليج وغيرها.

 

وقد عانَى الفلسطينيون في المهاجر أشكالَ معاناة مختلفة، فتأثَّروا في الأردن بانعكاسات الحرب بين المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني 1970 – 1971، وعانوا في لبنان من الصراعات المحليَّة، ومن الحرب الأهلية 1975 – 1990، ومن الهجمات والمذابح الإسرائيلية والطائفيَّة، واضْطُرَّ عشرات الآلاف منهم للهجرة إلى أوروبا، كما عانوا في الكويت من آثار الاحتلال العراقي وحرب الخليج، وما تَبِع ذلك من سياسات تجاهلهم بعد عودة الحكم الكويتي؛ إذ اضطر نحو 200 ألف منهم للهجرة في أثناء الاحتلال العراقي، واضطرَّ نحو 200 ألف آخرين للهجرة بعد الانسحاب العراقي، إضافة إلى معاناة عشرات الآلاف من الفلسطينيين على الحدود الليبيَّة بعد توقيع اتِّفاق أوسلو، إلى جانب عشرات الآلاف الآخرين من المقيمين في العراق بعد الاحتلال الأمريكي سنة 2003.

 

ولَم يكن الذين بَقُوا داخل إسرائيل أقلَّ معاناة ممن تَمَّ تهجيرهم، فقد شاهَدوا بأمِّ أعينهم كيف سعَى الاحتلال لتدمير كافة المعالم العربية وطمْسها، ومُنِع العديد منهم من العودة إلى قراهم التي أصَبَحت مناطق مُغلقة، وظلَّ الفلسطينيون داخل الكِيان الصِّهْيَوني تحت الحكم العسكري حتى سنة 1966، وتَمَّ التعامل معهم وكأنهم وُجِدوا “خطأً” في دولة إسرائيل، التي قامت بمصادرة أراضيهم بذرائع وحُجج مختلفة، كان أبرزها القوانين والتشريعات الجائرة.

 

ففي عام 1950 تَمَّ إصدار قانون “وضع اليد” الذي تَمَّ بموجبه وضْع يد سلطات الاحتلال على الأراضي في حالة الطوارئ، وفي العام ذاته صدر قانون “أملاك الغائبين”، والذي تَمَّ بموجبه نقْلُ أملاك الفلسطينيين الذين لَم تَسْمح لهم سلطات الاحتلال بالعودة إلى الكِيان الإسرائيلي ومنه إلى المستوطنين.

 

وقُدِّرت نسبة الأراضي الفلسطينيَّة المصادَرة مع نهاية القرن العشرين بأكثر من 90 % من أراضي دولة الاحتلال؛ مما أدَّى إلى انخفاض معدَّل ملكيَّة الفرد الفلسطيني من 19 دونمًا سنة 1945 إلى 0,84 دونمًا سنة 1981.

 

وفي حين يصوِّر الكِيان الصِّهْيَوني نفسه على أنه بلدُ الديمقراطية والحضارة في الشرق الأوسط، يُمارس تمييزًا عنصريًّا على كافة المستويات – القانونية، والسياسية، والشعبية، والاجتماعية – ضد الفلسطينيين ممن بقوا في الداخل، وهم مَن يُعْرَفون اليوم بـ”عرب إسرائيل”، أو “فلسطينيي 1948”.

 

كما أخْضَع الاحتلال الفلسطينيين إلى معايير مزدوجة في مجال الجنسيَّة، ففي حين أجازت قوانينه لأيِّ يهودي في العالَم مَهْمَا كانت جنسيته القدوم إلى إسرائيل، واكتساب جنسيَّتها، والإقامة فيها، وذلك بحسب قانون العودة الإسرائيلي الصادر سنة 1950، حُرِم أيُّ فلسطيني لَم يكن موجودًا في إسرائيل من حقِّ العودة، مع أنه قد أُخْرِج من أرضه بالقوَّة، وتحت ظروف الحرب.

 

أسْهَمت هذه التشريعات في الحيلولة دون عودة الفلسطيني إلى وطنه وداره، وبموازنتها كانت التوجُّهات والمشاريع الصِّهْيَونية التي تدعو إلى دفع الفلسطينيين نحو الهجرة من إسرائيل، كما كلَّفَت حكومة الاحتلال شركات خاصة؛ لتشجيع الشباب الفلسطيني للهجرة طلبًا للعمل.

 

وما تَزال السلطات الإسرائيليَّة حتى اليوم تُصدر القرارات والقوانين العُنصرية، وتُمارس سياسة الترانسفير (الطرد) العَلنية تُجاه الفلسطينيين، خاصة في شرقي القدس والنقب والأغوار؛ حيث تُخطط لسَلْب هذه المناطق بكاملها من أهلها، وكذلك في العديد من قرى الضفة الغربية لبناء الجدار؛ حيث بلَغ عدد المهجَّرين منذ بناء الجدار وحتى يونيو 2008 قرابة 28 ألف فرد.

 

ومن أكثر صور المعاناة بين اللاجئين في الداخل أو في الشتات (الأردن، سوريا، لبنان، مصر)، هي الجانب الصحي؛ حيث تَنتشر بينهم الأمراض، ونقْص البِنى التحتية اللازمة، وكذلك عدم توافر مَرافق الرعاية الصحية بالشكل الكافي.

 

ففي لبنان يعاني اللاجئون بشكلٍ عام من تردِّي أوضاعهم الصحيَّة، ومن نقْص الموارد التي تؤمِّنها الأونروا، وعدم شمْل اللاجئين في الخِدمات الصحية العامة التي تُقدِّمها الدولة بخلاف سوريا والأردن مثلاً، وفي حين تعد منظمة الصحة العالمية أنَّ الحد الأدنى هو توفير سرير واحد لكلِّ ألف مريض، نجد أنَّ معدل ما تُقدِّمه الأونروا للاجئين في لبنان هو سرير واحد لكلِّ أربعة آلاف شخص.

 

وفي مخيَّمات سوريا، وعلى الرغم من تقديم الحكومة السوريَّة للخدمات الصحية والتعليميَّة للاجئين، فإنَّ العديد من المخيَّمات تُعاني في المجال الصحي؛ إمَّا من ناحية بُعدها عن مناطق الخِدمات أو المدن، أو من حيث انتشار الأمراض الناتجة عن غياب البنيَّة التحتية وشبكات الصرف الصحي، وعدم توافر شروط السكن المطلوبة من تهوية وشمس في هذه المخيَّمات.

 

إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية القاسية التي يعيشها اللاجئون؛ إذ أشارَت بعض الدراسات الدولية إلى أن نسبة حالات الفقر في مخيَّمات الأردن بلَغت نحو 7 %، وأنَّ 31 % من مجمل العائلات تحت خط الفقر، وفي لبنان أفادَت إحصاءات الأونروا أن 60 % من اللاجئين الفلسطينيين يعيشون تحت عتبة الفقر، وأن 36 % منهم لا يتمكَّنون من الحصول على أي مورد رزقٍ.

 

التمسُّك بالعودة ورفض التوطين:

ويؤكِّد الكتاب أنَّ اللاجئين وبعد مُضِي أكثر من ستين عامًا على النكبة، لَم يفقدوا الأمل في العودة، ولَم يفقدوا كذلك الهِمَّة في العمل لتحقيق حُلمهم هذا، ولقد بدا هذا واضحًا خاصة في التربية، فنجد الأجيال الثانية والثالثة من اللاجئين تُعرِّف نفسها بأن من قرية وقضاء كذا وكذا في فلسطين، وتَحرص على التعبير عن هُويَّتها الفلسطينية، والتمسُّك بما تيسَّر نقْله من التراث الفلسطيني.

 

وتبرز في هذا المجال المبادرات الأهليَّة، وتجمُّعات الفلسطينيين في الخارج، مثل: مؤتمر فلسطينيي أوروبا، الذي يُنظمه مركز العودة الفلسطيني في لندن، بانتظام منذ 2003، ويحضره آلاف الفلسطينيين ممن يحملون الجنسيَّات وبطاقات المواطنة الأوروبيَّة، ولكن يُصِرُّون رغم ذلك على هُويَّتهم وحقِّهم في العودة: “لا وطن إلا فلسطين”.

 

وقد وقَّع اللاجئون على وثائق الشرف العائلية، وعقدوا المؤتمرات المناطقيَّة في مختلف المناطق في فلسطين ودول اللجوء والشتات، يعلنون فيها تمسُّكَهم بحق العودة ورفْض مشاريع التوطين، ورفض النظر إلى قضيَّتهم من زاوية إنسانية وحسب، وإنما هي سياسية بالدرجة الأولى، ويُعلنون رفْضَهم الصفقات السياسيَّة، واعتبار قضية اللاجئين داخل المخيَّمات وخارجها قضية واحدة، ويُطالبون إسرائيل بالاعتذار عن معاناة اللاجئين، والاعتراف بحقِّهم في العودة إلى ديارهم والسماح لهم بذلك، كما يُطالبون المجتمع الدولي بالإبقاء على وكالة الغوث، وتشغيل اللاجئين؛ كونها شاهدًا دوليًّا على قضيَّتهم.

 

ويعبِّر الفلسطينيون في كلِّ مناسبة على تمسُّكهم بالعودة إلى وطنهم، قد أشار استطلاع منهجي علمي في مايو 2006 على مخيَّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، أن 79,2 % منهم يعتقدون بحتميَّة العودة إلى فلسطين، حتى ولو بعد جيل أو أجيال، في حين أنَّ 2,3 يعتقدون بتحقق العودة، لكن إلى الضفة الغربية وقطاع غزة وليس جميع فلسطين، و13,4 لا يعتقدون ذلك، وعندما سُئِلوا عن موقفهم من الحلول المطروحة لقضية اللاجئين، تمسَّك 79,6 % من المستطلعين بحقِّهم في العودة إلى قُراهم وأراضيهم الأصليَّة.

___________________________________________________________
الكاتب: أحمد حسين الشيمي


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح دعاء الهم والحزن – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة «اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والبُخْلِ والجُبْنِ، وضَلَعِ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *