يوم عاشوراء : المشروع والممنوع فيه – الشبكة الإسلامية

الإجابة:

الحمد لله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن عين هذه المسألة فأجاب بجواب مفصل، فشفى ووفى
ونحن ننقل إليكم السؤال الوارد وجوابه.‏
سئل شيخ الإسلام عما يفعله الناس في يوم عاشوراء من الكحل والاغتسال والحناء. والمصافحة ‏وطبخ الحبوب وإظهار السرور وغير ذلك إلى الشارع: فهل ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه ‏وسلم حديث صحيح؟ أم لا؟ وإذا لم يرد حديث صحيح في شيء من ذلك فهل يكون فعل ذلك ‏بدعة أم لا؟ وما تفعله الطائفة الأخرى من المأتم والحزن والعطش وغير ذلك من الندب والنياحة ‏وقراءة المصروع وشق الجيوب. هل لذلك أصل؟ أم لا؟.‏

فأجاب:
الحمد لله رب العالمين لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه ‏وسلم ولا عن أصحابه ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين. لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم. ولا ‏روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئا لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين ‏لا صحيحا ولا ضعيفا لا في كتب الصحيح ولا في السنن ولا المسانيد ولا يعرف شيء من هذه ‏الأحاديث على عهد القرون الفاضلة.

ولكن روى بعض المتأخرين في ذلك أحاديث مثل ما رووا أن ‏من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد من ذلك العام ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام وأمثال ‏ذلك. ورووا فضائل في صلاة يوم عاشوراء ورووا أن في يوم عاشوراء توبة آدم واستواء السفينة على ‏الجودي ورد يوسف على يعقوب وإنجاء إبراهيم من النار وفداء الذبيح بالكبش ونحو ذلك.

ورووا ‏في حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم «أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء ‏وسع الله عليه سائر السنة». ورواية هذا كله عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب ولكنه معروف ‏من رواية سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه. قال: «بلغنا أنه من وسع على ‏أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته» وإبراهيم بن محمد بن المنتشر من أهل الكوفة وأهل ‏الكوفة كان فيهم طائفتان: طائفة رافضة يظهرون موالاة أهل البيت وهم في الباطن إما ملاحدة ‏زنادقة وإما جهال وأصحاب هوى.

وطائفة ناصبة تبغض عليا وأصحابه لما جرى من القتال في الفتنة ‏ما جرى. وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سيكون في ثقيف ‏كذاب ومبير» فكان الكذاب هو المختار بن أبي عبيد الثقفي وكان يظهر موالاة أهل البيت ‏والانتصار لهم وقتل عبيد الله بن زياد أمير العراق الذي جهز السرية التي قتلت الحسين بن علي رضي ‏الله عنهما ثم إنه أظهر الكذب وادعى النبوة، وأن جبريل عليه السلام ينزل عليه حتى قالوا لابن عمر ‏وابن عباس. قالوا لأحدهما: إن المختار بن أبي عبيد يزعم أنه ينزل عليه فقال صدق قال الله تعالى: ‏‏{هل أنبئكم على من تنزل الشياطين} {تنزل على كل أفاك أثيم} وقالوا للآخر: إن المختار ‏يزعم أنه يوحى إليه فقال صدق: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم}.

وأما المبير ‏فهو الحجاج بن يوسف الثقفي وكان: منحرفا عن علي وأصحابه فكان هذا من النواصب والأول ‏من الروافض وهذا الرافضي كان: أعظم كذبا وافتراء وإلحادا في الدين فإنه ادعى النبوة وذاك كان ‏أعظم عقوبة لمن خرج على سلطانه وانتقاما لمن اتهمه بمعصية أميره عبد الملك بن مروان وكان في ‏الكوفة بين هؤلاء وهؤلاء فتن وقتال فلما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما يوم عاشوراء قتلته ‏الطائفة الظالمة الباغية وأكرم الله الحسين بالشهادة كما أكرم بها من أكرم من أهل بيته.

أكرم بها ‏حمزة وجعفرا وأباه عليا وغيرهم وكانت شهادته مما رفع الله بها منزلته وأعلى درجته فإنه هو وأخوه ‏الحسن سيدا شباب أهل الجنة والمنازل العالية لا تنال إلا بالبلاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما ‏سئل: أي الناس أشد بلاء فقال: «الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على ‏حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه وإن كان في دينه رقة خفف عنه ولا يزال البلاء ‏بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة»  (رواه الترمذي وغيره).

فكان الحسن والحسين قد ‏سبق لهما من الله تعالى ما سبق من المنزلة العالية ولم يكن قد حصل لهما من البلاء ما حصل لسلفهما ‏الطيب فإنهما ولدا في عز الإسلام وتربيا في عز وكرامة والمسلمون يعظمونهما ويكرمونهما ومات النبي ‏صلى الله عليه وسلم ولم يستكملا سن التمييز فكانت نعمة الله عليهما أن ابتلاهما بما يلحقهما بأهل ‏بيتهما كما ابتلى من كان أفضل منهما فإن علي بن أبي طالب أفضل منهما وقد قتل شهيدا وكان ‏مقتل الحسين مما ثارت به الفتن بين الناس كما كان مقتل عثمان رضي الله عنه من أعظم الأسباب ‏التي أوجبت الفتن بين الناس وبسببه تفرقت الأمة إلى اليوم ولهذا جاء في الحديث «ثلاث من نجا ‏منهن فقد نجا: موتي وقتل خليفة مضطهد والدجال».

فكان موت النبي صلى الله عليه وسلم من ‏أعظم الأسباب التي افتتن بها خلق كثير من الناس وارتدوا عن الإسلام فأقام الله تعالى الصديق رضي ‏الله عنه حتى ثبت الله به الإيمان وأعاد به الأمر إلى ما كان فأدخل أهل الردة في الباب الذي منه ‏خرجوا وأقر أهل الإيمان على الدين الذي ولجوا فيه وجعل الله فيه من القوة والجهاد والشدة على ‏أعداء الله واللين لأولياء الله ما استحق به وبغيره أن يكون خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم ‏استخلف عمر فقهر الكفار من المجوس وأهل الكتاب وأعز الإسلام ومصر الأمصار وفرض العطاء ‏ووضع الديوان ونشر العدل وأقام السنة وظهر الإسلام في أيامه ظهورا بان به تصديق قوله تعالى: { ‏ {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا} } وقوله تعالى: ‏‏{وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من ‏قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي ‏شيئا} وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا ‏قيصر بعده. والذي. نفسي بيده لتنفقن كنوزهما. في سبيل الله» فكان عمر رضي الله عنه هو ‏الذي أنفق كنوزهما. فعلم أنه أنفقها في سبيل الله وأنه كان خليفة راشدا مهديا ثم جعل الأمر شورى ‏في ستة فاتفق المهاجرون والأنصار على تقديم عثمان بن عفان من غير رغبة بذلها لهم ولا رهبة ‏أخافهم بها وبايعوه بأجمعهم طائعين غير كارهين وجرى في آخر أيامه أسباب ظهر بالشر فيها على ‏أهل العلم أهلُ الجهل والعدوان وما زالوا يسعون في الفتن حتى قتل الخليفة مظلوما شهيدا بغير ‏سبب يبيح قتله وهو صابر محتسب لم يقاتل مسلما.

فلما قتل رضي الله عنه تفرقت القلوب وعظمت ‏الكروب وظهرت الأشرار وذل الأخيار وسعى في الفتنة من كان عاجزا عنها وعجز عن الخير ‏والصلاح من كان يحب إقامته فبايعوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو أحق الناس ‏بالخلافة حينئذ وأفضل من بقي لكن كانت القلوب متفرقة ونار الفتنة متوقدة فلم تتفق الكلمة ولم ‏تنتظم الجماعة ولم يتمكن الخليفة وخيار الأمة من كل ما يريدونه من الخير ودخل في الفرقة والفتنة ‏أقوام وكان ما كان إلى أن ظهرت الحرورية المارقة مع كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم فقاتلوا أمير ‏المؤمنين عليا ومن معه، فقتلهم بأمر الله ورسوله طاعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما وصفهم ‏بقوله: «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرءون القرآن لا ‏يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في ‏قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة». وقوله: «تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين ‏يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق» أخرجاه في الصحيحين.

فكانت هذه الحرورية هي المارقة وكان ‏بين المؤمنين فرقة والقتال بين المؤمنين لا يخرجهم من الإيمان كما قال تعالى: {وإن طائفتان من ‏المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر ‏الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} {إنما المؤمنون إخوة ‏فأصلحوا بين أخويكم} } فبين سبحانه وتعالى أنهم مع الاقتتال وبغي بعضهم على بعض مؤمنون ‏إخوة وأمر بالإصلاح بينهم.

فإن بغت إحداهما بعد ذلك قوتلت الباغية ولم يأمر بالاقتتال ابتداء. ‏وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الطائفة المارقة يقتلها أدنى الطائفتين إلى الحق فكان علي بن أبي ‏طالب ومن معه هم الذين قاتلوهم. فدل كلام النبي صلى الله عليه وسلم على أنهم أدنى إلى الحق من ‏معاوية ومن معه مع إيمان الطائفتين.

ثم إن عبد الرحمن بن ملجم من هؤلاء المارقين قتل أمير المؤمنين ‏عليا فصار إلى كرامة الله ورضوانه شهيدا وبايع الصحابة للحسن ابنه فظهرت فضيلته التي أخبر بها ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حيث قال:{إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به ‏بين فئتين عظيمتين من المسلمين} فنزل عن الولاية وأصلح الله به بين الطائفتين وكان هذا مما مدحه ‏به النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه ودل ذلك على أن الإصلاح بينهما مما يحبه الله ورسوله ‏ويحمده الله ورسوله.

ثم إنه مات وصار إلى كرامة الله ورضوانه وقامت طوائف كاتبوا الحسين ‏ووعدوه بالنصر والمعاونة إذا قام بالأمر ولم يكونوا من أهل ذلك بل لما أرسل إليهم ابن عمه أخلفوا ‏وعده، ونقضوا عهده وأعانوا عليه من وعدوه أن يدفعوه عنه ويقاتلوه معه. وكان أهل الرأي والمحبة ‏للحسين كابن عباس وابن عمر وغيرهما أشاروا عليه بأن لا يذهب إليهم ولا يقبل منهم ورأوا أن ‏خروجه إليهم ليس بمصلحة ولا يترتب عليه ما يسر وكان الأمر كما قالوا وكان أمر الله قدرا مقدورا‏‏.
فلما خرج الحسين – رضي الله عنه – ورأى أن الأمور قد تغيرت طلب منهم أن يدعوه يرجع أو ‏يلحق ببعض الثغور أو يلحق بابن عمه يزيد فمنعوه هذا وهذا. حتى يستأسر وقاتلوه فقاتلهم فقتلوه ‏‏وطائفة ممن معه مظلوما شهيدا شهادة أكرمه الله بها وألحقه بأهل بيته الطيبين الطاهرين، وأهان بها ‏من ظلمه واعتدى عليه وأوجب ذلك شرا بين الناس.

فصارت طائفة جاهلة ظالمة: إما ملحدة ‏منافقة وإما ضالة غاوية تظهر موالاته وموالاة أهل بيته تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة ‏وتظهر فيه شعار الجاهلية من لطم الخدود وشق الجيوب والتعزي بعزاء الجاهلية.
والذي أمر الله به ‏ورسوله في المصيبة – إذا كانت جديدة – إنما هو الصبر والاحتساب والاسترجاع. كما قال تعالى: ‏‏{وبشر الصابرين}{الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} {أولئك عليهم ‏صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ‏قال: «ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية» وقال: «أنا بريء من ‏الصالقة والحالقة والشاقة» وقال: «النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من ‏قطران ودرع من جرب». وفي المسند عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين عن النبي صلى الله ‏عليه وسلم أنه قال: «ما من رجل يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته وإن قدمت فيحدث لها استرجاعا ‏إلا أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب بها».

وهذا من كرامة الله للمؤمنين فإن مصيبة ‏الحسين وغيره إذا ذكرت بعد طول العهد فينبغي للمؤمن أن يسترجع فيها كما أمر الله ورسوله ‏ليعطى من الأجر مثل أجر المصاب يوم أصيب بها. وإذا كان الله تعالى قد أمر بالصبر والاحتساب ‏عند حدثان العهد بالمصيبة فكيف مع طول الزمان فكان ما زينه الشيطان لأهل الضلال والغي من ‏اتخاذ يوم عاشوراء مأتما وما يصنعون فيه من الندب والنياحة وإنشاد قصائد الحزن ورواية الأخبار التي ‏فيها كذب كثير والصدق فيها ليس فيه إلا تجديد الحزن والتعصب وإثارة الشحناء والحرب وإلقاء ‏الفتن بين أهل الإسلام، والتوسل بذلك إلى سب السابقين الأولين وكثرة الكذب والفتن في الدنيا ‏ولم يعرف طوائف الإسلام أكثر كذبا وفتنا ومعاونة للكفار على أهل الإسلام من هذه الطائفة الضالة ‏الغاوية فإنهم شر من الخوارج المارقين. وأولئك قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «يقتلون أهل ‏الإسلام ويدعون أهل الأوثان. وهؤلاء يعاونون اليهود والنصارى والمشركين على أهل بيت النبي ‏صلى الله عليه وسلم وأمته المؤمنين كما أعانوا المشركين من الترك والتتار على ما فعلوه ببغداد ‏وغيرها بأهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ولد العباس وغيرهم من أهل البيت والمؤمنين من القتل ‏والسبي وخراب الديار. وشر هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يحصيه الرجل الفصيح في الكلام‏‏.
فعارض هؤلاء قوم إما من النواصب المتعصبين على الحسين وأهل بيته وإما من الجهال الذين قابلوا ‏الفاسد بالفاسد والكذب بالكذب والشر بالشر والبدعة بالبدعة فوضعوا الآثار في شعائر الفرح ‏والسرور يوم عاشوراء كالاكتحال والاختضاب وتوسيع النفقات على العيال وطبخ الأطعمة الخارجة ‏عن العادة ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسما كمواسم ‏الأعياد والأفراح. وأولئك يتخذونه مأتما يقيمون فيه الأحزان والأتراح.

وكلا الطائفتين مخطئة خارجة ‏عن السنة وإن كان أولئك أسوأ قصدا وأعظم جهلا وأظهر ظلما لكن الله أمر بالعدل والإحسان وقد ‏قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي ‏وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور. فإن ‏كل بدعة ضلالة». ولم يسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون في يوم ‏عاشوراء شيئا من هذه الأمور لا شعائر الحزن والترح ولا شعائر السرور والفرح ولكنه صلى الله عليه ‏وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: { ما هذا؟ فقالوا هذا يوم نجى الله فيه ‏موسى من الغرق فنحن نصومه فقال: نحن أحق بموسى منكم. فصامه وأمر بصيامه } وكانت ‏قريش أيضا تعظمه في الجاهلية. واليوم الذي أمر الناس بصيامه كان يوما واحدا فإنه قدم المدينة في ‏شهر ربيع الأول فلما كان في العام القابل صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه ثم فرض شهر رمضان ذلك ‏العام فنسخ صوم عاشوراء.

وقد تنازع العلماء: هل كان صوم ذلك اليوم واجبا؟ أو مستحبا؟ ‏على قولين مشهورين أصحهما أنه كان واجبا ثم إنه بعد ذلك كان يصومه من يصومه استحبابا ولم ‏يأمر النبي صلى الله عليه وسلم العامة بصيامه بل كان يقول: «هذا يوم عاشوراء وأنا صائم فيه فمن ‏شاء صام». وقال: «صوم يوم عاشوراء يكفر سنة وصوم يوم عرفة يكفر سنتين». ولما كان ‏آخر عمره صلى الله عليه وسلم وبلغه أن اليهود يتخذونه عيدا قال: «لئن عشت إلى قابل لأصومن ‏التاسع» ليخالف اليهود ولا يشابههم في اتخاذه عيدا وكان من الصحابة والعلماء من لا يصومه ولا ‏يستحب صومه، بل يكره إفراده بالصوم كما نقل ذلك عن طائفة من الكوفيين ومن العلماء من ‏يستحب صومه.

والصحيح أنه يستحب لمن صامه أن يصوم معه التاسع ؛ لأن هذا آخر أمر النبي ‏صلى الله عليه وسلم لقوله: «لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع مع العاشر» كما جاء ذلك ‏مفسرا في بعض طرق الحديث فهذا الذي سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما سائر الأمور: ‏مثل اتخاذ طعام خارج عن العادة إما حبوب وإما غير حبوب أو في تجديد لباس أو توسيع نفقة أو ‏اشتراء حوائج العام ذلك اليوم أو فعل عبادة مختصة كصلاة مختصة به أو قصد الذبح أو ادخار لحوم ‏الأضاحي ليطبخ بها الحبوب أو الاكتحال أو الاختضاب أو الاغتسال أو التصافح أو التزاور أو زيارة ‏المساجد والمشاهد ونحو ذلك فهذا من البدع المنكرة التي لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ‏خلفاؤه الراشدون ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين لا مالك ولا الثوري ولا الليث بن سعد ولا ‏أبو حنيفة ولا الأوزاعي ولا الشافعي ولا حمد بن حنبل ولا إسحاق بن راهويه ولا أمثال هؤلاء من ‏أئمة المسلمين وعلماء المسلمين وإن كان بعض المتأخرين من أتباع الأئمة قد كانوا يأمرون ببعض ‏ذلك ويروون في ذلك أحاديث وآثارا ويقولون: إن بعض ذلك صحيح. فهم مخطئون غالطون بلا ‏ريب عند أهل المعرفة بحقائق الأمور. وقد قال حرب الكرماني في مسائله: سئل أحمد بن حنبل عن ‏هذا الحديث: { من وسع على أهله يوم عاشوراء } فلم يره شيئا. وأعلى ما عندهم أثر يروى عن ‏إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه أنه قال: بلغنا { أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله ‏عليه سائر سنته } قال سفيان بن عيينة جربناه منذ ستين عاما فوجدناه صحيحا وإبراهيم بن محمد ‏كان من أهل الكوفة ولم يذكر ممن سمع هذا ولا عمن بلغه فلعل الذي قال هذا من أهل البدع الذين ‏يبغضون عليا وأصحابه ويريدون أن يقابلوا الرافضة بالكذب: مقابلة الفاسد بالفاسد والبدعة بالبدعة.

وأما قول ابن عيينة. فإنه لا حجة فيه فإن الله سبحانه أنعم عليه برزقه وليس في إنعام الله بذلك ما ‏يدل على أن سبب ذلك كان التوسيع يوم عاشوراء وقد وسع الله على من هم أفضل الخلق من ‏المهاجرين والأنصار ولم يكونوا يقصدون أن يوسعوا على أهليهم يوم عاشوراء بخصوصه وهذا كما ‏أن كثيرا من الناس ينذرون نذرا لحاجة يطلبها فيقضي الله حاجته فيظن أن النذر كان السبب وقد ‏ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { نهى عن النذر وقال: «إنه لا يأتي بخير وإنما ‏يستخرج به من البخيل» فمن ظن أن حاجته إنما قضيت بالنذر فقد كذب على الله ورسوله، والناس ‏مأمورون بطاعة الله ورسوله واتباع دينه وسبيله واقتفاء هداه ودليله وعليهم أن يشكروا الله على ما ‏عظمت به النعمة حيث بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب ‏والحكمة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح. «إن خير الكلام كلام الله وخير ‏الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة».
وقد اتفق أهل المعرفة والتحقيق أن ‏الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء لم يتبع إلا أن يكون موافقا لأمر الله ورسوله ومن رأى من ‏رجل مكاشفة أو تأثيرا فاتبعه في خلاف الكتاب والسنة كان من جنس أتباع الدجال فإن الدجال ‏يقول للسماء: أمطري فتمطر ويقول للأرض: أنبتي فتنبت ويقول للخربة أخرجي كنوزك فيخرج ‏معه كنوز الذهب والفضة ويقتل رجلا ثم يأمره أن يقوم فيقوم وهو مع هذا كافر ملعون عدو لله قال ‏النبي صلى الله « أنذركموه إنه أعور وإن الله ‏ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر – ك ف ر – يقرؤه كل مؤمن قارئ وغير قارئ واعلموا أن ‏أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت». وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: { إذا قعد أحدكم في ‏الصلاة فليستعذ بالله من أربع يقول: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة ‏المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال». وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يخرج ‏ثلاثون دجالون كذابون كلهم يزعم أنه رسول الله» وقال صلى الله عليه وسلم: «يكون بين يدي ‏الساعة كذابون دجالون يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم». وهؤلاء تنزل ‏عليهم الشياطين وتوحي إليهم كما قال تعالى: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين. تنزل على ‏كل أفاك أثيم. يلقون السمع وأكثرهم كاذبون} ومن أول من ظهر من هؤلاء المختار بن أبي ‏عبيد المتقدم ذكره.

ومن لم يفرق بين الأحوال الشيطانية والأحوال الرحمانية: كان بمنزلة من سوى ‏بين محمد رسول الله وبين مسيلمة الكذاب فإن مسيلمة كان له شيطان ينزل عليه ويوحي إليه. ومن ‏علامات هؤلاء أن الأحوال إذا تنزلت عليهم وقت سماع المكاء والتصدية أزبدوا وأرعدوا – ‏كالمصروع – وتكلموا بكلام لا يفقه معناه فإن الشياطين تتكلم على ألسنتهم كما تتكلم على لسان ‏المصروع. والأصل في هذا الباب: أن يعلم الرجل أن أولياء الله هم الذين نعتهم الله في كتابه حيث ‏قال: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون} فكل من ‏كان مؤمنا تقيا كان لله وليا. وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول ‏الله تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولم ‏يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر ‏به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها. فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني ‏لأعطينه و لإن استعاذني لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن ‏يكره الموت وأكره مساءته. ولا بد له منه». ودين الإسلام مبني على أصلين على ألا نعبد إلا الله ‏وأن نعبده بما شرع لا نعبده بالبدع. قال تعالى: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ‏ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} فالعمل الصالح ما أحبه الله ورسوله وهو المشروع المسنون ولهذا كان ‏عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يقول في دعائه: اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك ‏خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا. ولهذا كانت أصول الإسلام تدور على ثلاثة أحاديث: قول النبي ‏صلى الله عليه وسلم  «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» وقوله: «من عمل عملا ‏ليس عليه أمرنا فهو رد» . وقوله: «الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات لا يعلمهن ‏كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي ‏يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في ‏الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» والحمد ‏لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.‏) انتهى نقلا عن مجموع فتاوى شيخ الإسلام ج 25 ص 299 عليه وسلم: «ما من نبي إلا قد أنذر أمته الدجال: وأنا أنذركموه إنه أعور وإن الله ‏ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر – ك ف ر – يقرؤه كل مؤمن قارئ وغير قارئ واعلموا أن ‏أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت». وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: «إذا قعد أحدكم في ‏الصلاة فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة ‏المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال». وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يخرج ‏ثلاثون دجالون كذابون كلهم يزعم أنه رسول الله» وقال صلى الله عليه وسلم: «يكون بين يدي ‏الساعة كذابون دجالون يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم». وهؤلاء تنزل ‏عليهم الشياطين وتوحي إليهم كما قال تعالى: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين. تنزل على ‏كل أفاك أثيم. يلقون السمع وأكثرهم كاذبون} ومن أول من ظهر من هؤلاء المختار بن أبي ‏عبيد المتقدم ذكره. ومن لم يفرق بين الأحوال الشيطانية والأحوال الرحمانية: كان بمنزلة من سوى ‏بين محمد رسول الله وبين مسيلمة الكذاب فإن مسيلمة كان له شيطان ينزل عليه ويوحي إليه.

ومن ‏علامات هؤلاء أن الأحوال إذا تنزلت عليهم وقت سماع المكاء والتصدية أزبدوا وأرعدوا – ‏كالمصروع – وتكلموا بكلام لا يفقه معناه فإن الشياطين تتكلم على ألسنتهم كما تتكلم على لسان ‏المصروع.
والأصل في هذا الباب: أن يعلم الرجل أن أولياء الله هم الذين نعتهم الله في كتابه حيث ‏قال: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون} فكل من ‏كان مؤمنا تقيا كان لله وليا.
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول ‏الله تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولم ‏يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر ‏به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها. فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني ‏لأعطينه و لإن استعاذني لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن ‏يكره الموت وأكره مساءته. ولا بد له منه».
ودين الإسلام مبني على أصلين على ألا نعبد إلا الله ‏وأن نعبده بما شرع لا نعبده بالبدع. قال تعالى: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ‏ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } فالعمل الصالح ما أحبه الله ورسوله وهو المشروع المسنون ولهذا كان ‏عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يقول في دعائه: اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك ‏خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا.
ولهذا كانت أصول الإسلام تدور على ثلاثة أحاديث: قول النبي ‏صلى الله عليه وسلم { «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» } وقوله: { «من عمل عملا ‏ليس عليه أمرنا فهو رد» }. وقوله: «الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات لا يعلمهن ‏كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي ‏يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في ‏الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» والحمد ‏لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.‏) انتهى نقلا عن مجموع فتاوى شيخ الإسلام ج 25 ص 299


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

حكم المسح على الخفين الخفيفتين إذا لبس على غير وضوء – خالد عبد المنعم الرفاعي

منذ حوالي ساعة السؤال: ما حكم لبس الخفين الخفيفتين دون الوضوء والمسح عليهم الإجابة: الحمد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *