منذ حوالي ساعة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعـد
فقد أجمع أهل السنة على أن الله عز وجلّ يسمى بما سمى به نفسه من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير إلحاد؛ قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [الإسراء: 110]، وقال: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
والله سبحانه وتعالى وتقدست أساؤه قد ذم الذين يلحدون في أسمائه، فقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأعراف:180].
فالإله هو الذي تألهه القلوب عبادة واستعانة ومحبة، وتعظيمًا وخوفًا ورجاء، وإجلالا وإكراما.
والله عز وجل له حق لا يشركه فيه غيره، فلا يعبد إلا الله، ولا يدعى إلا الله، ولا يخاف إلا الله، ولا يطاع إلا الله. وأما في إجابة الدعاء وكشف البلاء والهداية والإغناء فالله تعالى هو الذي يسمع كلامهم، ويرى مكانهم، ويعلم سرهم ونجواهم، وهو سبحانه قادر على إنزال النعم، وإزالة الضر والقسم من غير احتياج منه إلى أن يعرِّفه أحد أحوال عباده، أو يعينه على قضاء حوائجهم. والأسباب التي بها يحصل ذلك هو خلقها ويسرها، فهو مسبب الأسباب وهو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد؛ { يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]، فأهل السموات يسألونه، وأهل الأرض يسألونه وهو سبحانه، لا يشغله سمع كلام هذا عن سمع كلام هذا، ولا يغلطه اختلاف أصواتهم ولغاتهم، بل يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، ولا يبرمه إلحاح الملحين بل يحب الإلحاح في الدعاء”. قاله شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (ج1: 365-367 )
أما تدليع أسماء الله – عياذا بالله من الحذلان – فمحض إلحاد في أسماء الله، بل هو غاية الإلحاد في أسماء الله، وزندقة، وينافي تعظيم القلب لله؛ كما قال الله جل وعلا: فقال: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67]، وقال: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:13]، يعني: تعظيماً وتقديراً، قال كثير من المفسرين: المعنى ما لكم لا تخافون لله عظمة؟ وهذه معاتبة شديدة من الله لعباده؛ ولتقصيرهم في تعظيمه العظمة التي يستحقها؛ فإن الله جل وعلا تعرف إلى عباده بذكر أفعاله وأوصافه، وهذا كثير في القرآن جداً؛ قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا} [نوح:15 – 20]، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ* إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ* أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ* وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ}[الشورى 32-35].
ونحوها من الآيات التي تدبُرها هذا من الدواعي والأسباب التي تحث المرء على تعظيم الله جل في علاه، وتوقيره سبحانه.
جاء في “بيان تلبيس الجهمية”(8|59):
“إن ظهور قدرة الله وقهره وبأسه كثيراً ما يظهر في الدنيا بحيث يتيقن العبد أن لا ملجأ إلا إليه، ولا يكشف شدته إلا هو، ولا يغني عنه دون الله شيء؛ كما في حال ركوب البحر وهيجانه، وغير ذلك من الشدائد العظيمة”.
“مدارج السالكين” أن تعظيم الله تعالى تابع للمعرفة فقال: وقد بين الإمام ابن القيم في
“وهذه المنزلة تابعة للمعرفة؛ فعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الرب تعالى في القلب، وأعرف الناس به: أشدهم له تعظيما وإجلالا، وقد ذم الله تعالى من لم يعظمه حق عظمته، ولا عرفه حق معرفته، ولا وصفه حق صفته، وأقوالهم تدور على هذا؛ فقال تعالى: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:13]، قال ابن عباس ومجاهد: لا ترجون لله عظمة. وقال سعيد بن جبير: ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته؟ وقال الكلبي: لا تخافون لله عظمة.
قال البغوي: والرجاء بمعنى المخوف، والوقار العظمة، اسم من التوقير وهو التعظيم، وقال الحسن: لا تعرفون لله حقا، ولا تشكرون له نعمة.
وقال ابن كيسان: لا ترجون في عبادة الله أن يثيبكم على توقيركم إياه خيرا.
وروح العبادة: هو الإجلال والمحبة. فإذا تخلى أحدهما عن الآخر فسدت، فإذا اقترن بهذين الثناء على المحبوب المعظم فذلك حقيقة الحمد”.
أما إن كان مراد السائل تدليع الشخص سواء كان طفلاً أو كبيرًا في الأسماء التي يسمى بها الله سبحانه ويسمى بها البشر، مثل أن يقال في كريم كُريم بالتصغير، أو حُكَيْم على حكيم، وعُزيز وزيز وزيزو وعزوز على عزيز؛ لأنه يجوز أن يسمى الرجل بتلك الأسماء ابتداء، ولكن بشرط إن يكون بدون تعبيد، فلا يقصد اسم الله عياذًا بالله، فإن كان التصغير أو التدليع مصحوبًا بالتعبيد، مثل أن يقال: عبد العُزيز أو عبد الكُريم، أو عبد العُزيز فهذا محرم بالإجماع.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله كما في مجموع فتاوى ابن با: كثيراً ما نسمع من عامي ومتعلم تصغير الأسماء المعبدة أو قلبها إلى أسماء تنافي الاسم الأول فهل فيه من بأس؟ وذلك نحو عبد الله تجعل (عبيد) و (عبود) و (العبدي) بكسر العين وسكون الباء، وفي عبد الرحمن (دُحيْم) بالتخفيف والتشديد، وفي عبد العزيز (عزيز) و (عزوز) و (العزي) وما أشبه ذلك؟
فأجاب: لا بأس بالتصغير في الأسماء المعبدة وغيرها، ولا أعلم أن أحداً من أهل العلم منعه، وهو كثير في الأحاديث.
هذا؛ والله أعلم.
Source link