«كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ – أَوْ قَالَ: يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ -»
عن يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ، حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ – أَوْ قَالَ: يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ –» .
قَالَ يَزِيدُ: ” وَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إِلَّا تَصَدَّقَ فِيهِ بِشَيْءٍ ، وَلَوْ كَعْكَةً، أَوْ بَصَلَةً ، أَوْ كَذَا “.
رواه الإمام أحمد في “المسند” (28 / 568) وغيره، وصححه محققو المسند، والشيخ الألباني في “تخريج أحاديث مشكلة الفقر” (ص 75).
فقوله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ» .
هذا متعلق بأرض الموقف، حين يُبعث الناس من قبورهم وقبل أن يبدأ حسابهم ، حيث تدنو الشمس من العباد في هذا الموقف ، ويكونون بسببها في كرب عظيم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ يَوْمَ القِيَامَةِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيُنْفِذُهُمُ البَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ مِنْهُمْ، – فَذَكَرَ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ –» [رواه البخاري (3361) ، ومسلم (194)] .
وعَنْ سُلَيْم بْنِ عَامِرٍ، حَدَّثَنِي الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ – قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللهِ! مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ؟ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ، أَمِ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ –» .
قَالَ: « فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا. قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ» ” رواه مسلم (2864).
وهذا الكرب العظيم ينجو منه المؤمنون أصحاب الأعمال الصالحة ، ومنهم أصحاب الصدقات، حيث يظهر من ثوابها أنها تقي صاحبها حرّ ذلك اليوم.
قال المباركفوري رحمه الله تعالى:
” ( «كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ » ). قال الأمير اليماني: كون الرجل في ظل صدقته: يحتمل الحقيقة ، وأنها تأتي أعيان الصدقة ، فتدفع عنه حر الشمس.
أو المراد : في كنفها ، وحمايتها. انتهى.
قلت: الحمل على الحقيقة هو المعتمد ” انتهى من “مرعاة المفاتيح” (6 / 361).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
” النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة، فالناس تكون الشمس فوق رؤوسهم قدر ميل، وهؤلاء المتصدقون، وعلى رأس صدقاتهم الزكاة: يكونون في ظل صدقاتهم يوم القيامة ” انتهى من ” شرح رياض الصالحين” (5 / 238).
وقال أيضا رحمه الله تعالى:
” ( « فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ » ) …
والصدقة قد تكون ظلًا، فإن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل المعاني أعيانًا، والأعيان معاني، فهذه الصدقة، وإن كانت عملا مضى ، وانقضى وهو فعل من أفعاله؛ لكن المتصدَّق به شيء محسوس، قد يؤتى به يوم القيامة بصفة شيء محسوس….
ففي هذا الحديث دليل على فضيلة الصدقة، وعلى أنها تكون يوم القيامة ظلا لصاحبها، وأنها تكون ظلا في جميع يوم القيامة، حتى يفصل بين الناس” انتهى من “شرح بلوغ المرام” (3 / 102).
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( «حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ – أَوْ قَالَ: يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ » ).
أي حتى يحاسَب الناس على أعمالهم، ويفصل بين أهل الجنة وأهل النار.
فالفصل أعم من أن يكون بين الظالم والمظلوم، فالمقصود أن الناس يحاسبون على أعمالهم، فيفصل بين المؤمنين والكفار، وبين أهل الجنة وأهل النار.
ولهذا سمي يوم القيامة يوم الفصل: كقوله تعالى: ( { إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} ) الدخان /40 .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
” ثم قال: ( {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ } ) وهو يوم القيامة، يفصل الله فيه بين الخلائق، فيعذب الكافرين ويثيب المؤمنين ” انتهى من”تفسير ابن كثير” (7 / 259).
فالحاصل: أن الحديث حول الثواب المعجل للمتصدق، في أرض الموقف، قبل أن يحاسب الناس ويساق كل إنسان إلى مثواه.
Source link