فتح الباري : باب ما جاء في الوتر – ابن حجر العسقلاني

فقال رسول الله عليه السلام صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى

قال الإمام البخاري رحمه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الوتر باب ما جاء في الوتر

حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر « أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال رسول الله عليه السلام صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى»  وعن نافع أن عبد الله بن عمر كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته.

شرح الإمام ابن حجر العسقلاني:

( أبواب الوتر ) كذا عند المستملي ، وعن الباقين ” باب ما جاء في الوتر ” وسقطت البسملة عند ابن شبويه والأصيلي وكريمة . والوتر بالكسر الفرد ، وبالفتح الثأر ، وفي لغة مترادفان . ولم يتعرض البخاري لحكمه لكن إفراده بترجمة عن أبواب التهجد والتطوع يقتضي أنه غير ملحق بها عنده ، ولولا أنه أورد الحديث الذي فيه إيقاعه على الدابة إلا المكتوبة لكان في ذلك إشارة إلى أنه يقول بوجوبه . أورد البخاري فيه ثلاثة أحاديث مرفوعة : حديث ابن عمر من وجهين ، وحديث ابن عباس ، وحديث عائشة . فأما حديث ابن عمر فأخرجه من الموطأ ولم يختلف على مالك في إسناده إلا أن في رواية مكي بن إبراهيم عن مالك أن نافعا وعبد الله بن دينار أخبراه كذا في الموطآت للدارقطني ، وأورده الباقون بالعنعنة .

( فائدة ) : قال ابن التين : اختلف في الوتر في سبعة أشياء : في وجوبه ، وعدده ، واشتراط النية فيه ، واختصاص بقراءة ، واشتراط شفع قبله ، وفي آخر وقته ، وصلاته في السفر على الدابة . قلت : وفي قضائه ، والقنوت فيه ، وفي محل القنوت منه ، وفيما يقال فيه ، وفي فصله ووصله ، وهل تسن ركعتان بعده ، وفي صلاته من قعود . لكن هذا الأخير ينبني على كونه مندوبا أو لا . وقد اختلفوا في أول وقته أيضا ، وفي كونه أفضل صلاة التطوع ، أو الرواتب أفضل منه ، أو خصوص ركعتي الفجر . وقد ترجم البخاري لبعض ما ذكرناه ، ويأتي الكلام على ما لم يترجم له أثناء الكلام على أحاديث الباب وما بعدها .

قوله : ( أن رجلا ) لم أقف على اسمه ، ووقع في المعجم الصغير للطبراني أن السائل هو ابن عمر ، لكن يعكر عليه رواية عبد الله بن شقيق عن ابن عمر ” أن رجلا سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – وأنا بينه وبين السائل ” فذكر الحديث ، وفيه ” ثم سأله رجل على رأس الحول وأنا بذلك المكان منه ” قال ” فما أدري أهو ذلك الرجل أو غيره ” وعند النسائي من هذا الوجه أن السائل المذكور من أهل البادية ، وعند محمد بن نصر في ” كتاب أحكام الوتر ” وهو كتاب نفيس في مجلده من رواية عطية عن ابن عمر أن أعرابيا سأل ، فيحتمل أن يجمع بتعدد من سأل ، وقد سبق في ” باب الحلق في المسجد ” أن السؤال المذكور وقع في المسجد والنبي – صلى الله عليه وسلم – على المنبر .

قوله : ( عن صلاة الليل ) في رواية أيوب عن نافع ” في باب الحلق في المسجد ” : ” أن رجلا جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو يخطب فقال : كيف صلاة الليل ” ونحوه في رواية سالم عن أبيه في أبواب التطوع ، وقد تبين من الجواب أن السؤال وقع عن عددها أو عن الفصل والوصل ، وفي رواية محمد بن نصر من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : قال رجل : يا رسول الله كيف تأمرنا أن نصلي من الليل ” [ ص: 556 ] وأما قول ابن بزيزة جوابه بقوله مثنى يدل على أنه فهم من السائل طلب كيفية العدد لا مطلق الكيفية ففيه نظر ، وأولى ما فسر به الحديث من الحديث ، واستدل بمفهومه على أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون أربعا وهو عن الحنفية وإسحاق ، وتعقب بأنه مفهوم لقب وليس بحجة على الراجح ، وعلى تقدير الأخذ به فليس بمنحصر في أربع ، وبأنه خرج جوابا للسؤال عن صلاة الليل فقيد الجواب بذلك مطابقة للسؤال ، وبأنه قد تبين عن رواية أخرى أن حكم المسكوت عنه حكم المنطوق به ، ففي السنن وصححه ابن خزيمة وغيره من طريق على الأزدي عن ابن عمر مرفوعا صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وقد تعقب هذا الأخير بأن أكثر أئمة الحديث أعلوا هذه الزيادة وهي قوله : والنهار . بأن الحفاظ من أصحاب ابن عمر لم يذكروها عنه وحكم النسائي على راويها بأنه أخطأ فيها ، وقال يحيى بن معين : عن علي الأزدي حتى أقبل منه ؟ وادعى يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع أن ابن عمر كان يتطوع بالنهار أربعا لا يفصل بينهن ، ولو كان حديث الأزدي صحيحا لما خالفه ابن عمر ، يعني مع شدة اتباعه رواه عنه محمد بن نصر في سؤالاته ، لكن روى ابن وهب بإسناد قوي عن ابن عمر قال : صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ” موقوف أخرجه ابن عبد البر من طريقه ، فلعل الأزدي اختلط عليه الموقوف بالمرفوع فلا تكون هذه الزيادة صحيحة على طريقة من يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذا ، وقد روى ابن أبي شيبة عن وجه آخر عن ابن عمر أنه كان يصلي بالنهار أربعا أربعا وهذا موافق لما نقله ابن معين [1] .

قوله : ( مثنى مثنى ) أي اثنين اثنين ، وهو غير منصرف لتكرار العدل فيه قاله صاحب الكشاف . وقال آخرون : للعدل والوصف ، وأما إعادة مثنى فللمبالغة في التأكيد ، وقد فسره ابن عمر راوي الحديث فعند مسلم عن طريق عقبة بن حريث قال قلت لابن عمر : ما معنى مثنى مثنى ؟ قال : تسلم من كل ركعتين . وفيه رد على من زعم من الحنفية أن معنى مثنى أن يتشهد بين كل ركعتين لأن راوي الحديث أعلم بالمراد به ، وما فسره به هو المتبادر إلى الفهم لأنه لا يقال في الرباعية مثلا إنها مثنى ، واستدل بهذا على تعين الفصل بين كل ركعتين من صلاة الليل ، قال ابن دقيق العيد : وهو ظاهر السياق لحصر المبتدأ في الخبر ، وحمله الجمهور على أنه لبيان الأفضل لما صح من فعله – صلى الله عليه وسلم – بخلافه ، ولم يتعين أيضا كونه لذلك ، بل يحتمل أن يكون للإرشاد إلى الأخف ، إذ السلام بين كل ركعتين أخف على المصلي من الأربع فما فوقها لما فيه من الراحة غالبا وقضاء ما يعرض من أمر مهم ، ولو كان الوصل لبيان الجواز فقط لم يواظب عليه – صلى الله عليه وسلم – ، ومن ادعى اختصاصه به فعليه البيان ، وقد صح عنه – صلى الله عليه وسلم – الفصل كما صح عنه الوصل ، فعند أبي داود ومحمد بن نصر من طريقي الأوزاعي وابن أبي ذئب كلاهما عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يصلي ما بين أن يفرغ من العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين وإسنادهما على شرط الشيخين ، واستدل به أيضا على عدم النقصان عن ركعتين في النافلة ما عدا الوتر ، قالابن دقيق العيد : والاستدلال به أقوى من الاستدلال بامتناع قصر الصبح في السفر إلى ركعة ، يشير بذلك إلى الطحاوي فإنه استدل على منع التنفل بركعة بذلك ، واستدل بعض الشافعية [ ص: 557 ] للجواز بعموم قوله – صلى الله عليه وسلم – الصلاة خير موضوع ، فمن شاء استكثر ومن شاء استقل صححه ابن حبان .

وقد اختلف السلف في الفصل والوصل في صلاة الليل أيهما أفضل ، وقال الأثرم عن أحمد : الذي اختاره في صلاة الليل مثنى مثنى ، فإن صلى بالنهار أربعا فلا بأس . وقال محمد بن نصر نحوه في صلاة الليل قال : وقد صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرها إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على الوصل ، إلا أنا نختار أن يسلم من كل ركعتين لكونه أجاب به السائل ولكون أحاديث الفصل أثبت وأكثر طرقا ، وقد تضمن كلامه الرد على الداودي الشارح ومن تبعه في دعواهم أنه لم يثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه صلى النافلة أكثر من ركعتين ركعتين .

قوله : ( فإذا خشي أحدكم الصبح ) استدل به على خروج وقت الوتر بطلوع الفجر ، وأصرح منه ما رواه أبو داود والنسائي وصححه أبو عوانة وغيره من طريق سليمان بن موسى عن نافع أنه حدثه أن ابن عمر كان يقول ” من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وترا فإن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يأمر بذلك ، فإذا كان الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر ” وفي صحيح ابن خزيمة من طريق قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا من أدركه الصبح ولم يوتر فلا وتر له وهذا محمول على التعمد أو على أنه لا يقع أداء ، لما رواه من حديث أبي سعيد أيضا مرفوعا من نسي الوتر أو نام عنه فليصله إذا ذكره وقيل معنى قوله ” إذا خشي أحدكم الصبح – أي وهو في شفع – فلينصرف على وتر ” وهذا ينبني على أن الوتر لا يفتقر إلى نية . وحكى ابن المنذر عن جماعة من السلف أن الذي يخرج بالفجر وقته الاختياري ويبقى وقت الضرورة إلى قيام صلاة الصبح ، وحكاه القرطبي عن مالك والشافعي وأحمد ، وإنما قاله الشافعي في القديم . وقال ابن قدامة : لا ينبغي لأحد أن يتعمد ترك الوتر حتى يصبح ، واختلف السلف في مشروعية قضائه فنفاه الأكثر ، وفي مسلم وغيره عن عائشة أنه – صلى الله عليه وسلم – كان إذا نام من الليل من وجع أو غيره فلم يقم من الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة وقال محمد بن نصر : لم نجد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في شيء من الأخبار أنه قضى الوتر ولا أمر بقضائه ، ومن زعم أنه – صلى الله عليه وسلم – في ليلة نومهم عن الصبح في الوادي قضى الوتر فلم يصب . وعن عطاء والأوزاعي : يقضي ولو طلعت الشمس ، وهو وجه عند الشافعية حكاه النووي في شرح مسلم ، وعن سعيد بن جبير : يقضي من القابلة ، وعن الشافعية : يقضي مطلقا ، ويستدل لهم بحديث أبي سعيد المتقدم والله أعلم .

( فائدة ) : يؤخذ من سياق هذا الحديث أن ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس من النهار شرعا ، وقد روى ابن دريد في أماليه بسند جيد أن الخليل بن أحمد سئل عن حد النهار فقال : من الفجر المستطير إلى بداءة الشفق . وحكي عن الشعبي أنه وقت منفرد لا من الليل ولا من النهار [2] .

قوله : ( صلى ركعة واحدة ) في رواية الشافعي وعبد الله بن وهب ومكي بن إبراهيم ثلاثتهم عن مالك ” فليصل ركعة ” أخرجه الدارقطني في الموطآت هكذا بصيغة الأمر ، وسيأتي بصيغة الأمر أيضا من طريق ابن عمر الثانية في هذا الباب ، ولمسلم من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعا نحوه ، واستدل [ ص: 558 ] بهذا على أنه لا صلاة بعد الوتر ، وقد اختلف السلف في ذلك في موضعين : أحدهما في مشروعية ركعتين بعد الوتر عن جلوس ، والثاني فيمن أوتر ثم أراد أن يتنفل في الليل هل يكتفي بوتره الأول وليتنفل ما شاء أو يشفع وتره بركعة ثم يتنفل ثم إذا فعل ذلك هل يحتاج إلى وتر آخر أو لا ؟ فأما الأول فوقع عند مسلم من طريق أبي سلمة عن عائشة أنه – صلى الله عليه وسلم – كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس وقد ذهب إليه بعض أهل العلم وجعلوا الأمر في قوله اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وترا مختصا بمن أوتر آخر الليل . وأجاب من لم يقل بذلك بأن الركعتين المذكورتين هما ركعتا الفجر ، وحمله النووي على أنه – صلى الله عليه وسلم – فعله لبيان جواز التنفل بعد الوتر وجواز التنفل جالسا . وأما الثاني فذهب الأكثر إلى أنه يصلي شفعا ما أراد ولا ينقض وتره عملا بقوله – صلى الله عليه وسلم – لا وتران في ليلة ، وهو حديث حسن أخرجه النسائي وابن خزيمة وغيرهما من حديث طلق بن علي . وإنما يصح نقض الوتر عند من يقول بمشروعية التنفل بركعة واحدة غير الوتر ، وقد تقدم ما فيه . وروى محمد بن نصر من طريق سعيد بن الحارث أنه سأل ابن عمر عن ذلك فقال : إذا كنت لا تخاف الصبح ولا النوم فاشفع ثم صل ما بدا لك ثم أوتر ، وإلا فصل وترك على الذي كنت أوترت . ومن طريق أخرى عن ابن عمر أنه سئل عن ذلك فقال : أما أنا فأصلي مثنى ، فإذا انصرفت ركعت ركعة واحدة . فقيل : أرأيت إن أوترت قبل أن أنام ثم قمت من الليل فشفعت حتى أصبح ؟ قال : ليس بذلك بأس . واستدل بقوله – صلى الله عليه وسلم – صل ركعة واحدة على أن فصل الوتر أفضل من وصله ، وتعقب بأنه ليس صريحا في الفصل ، فيحتمل أن يريد بقوله صل ركعة واحدة أي مضافة إلى ركعتين مما مضى .

واحتج بعض الحنفية لما ذهب إليه من تعيين الوصل والاقتصار على ثلاث بأن الصحابة أجمعوا على أن الوتر بثلاث موصولة حسن جائز ، واختلفوا فيما عداه ، قال : فأخذنا بما أجمعوا عليه وتركنا ما اختلفوا فيه . وتعقبه محمد بن نصر المروزي بما رواه من طريق عراك بن مالك عن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا ” لا توتروا بثلاث تشبهوا بصلاة المغرب ” وقد صححه الحاكم من طريق عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة والأعرج عن أبي هريرة مرفوعا نحوه ، وإسناده على شرط الشيخين ، وقد صححه ابن حبان والحاكم ، ومن طريق مقسم عن ابن عباس وعائشة كراهية الوتر بثلاث ، وأخرجه النسائي أيضا . وعن سليمان بن يسار أنه كره الثلاث في الوتر وقال : لا يشبه التطوع الفريضة فهذه الآثار تقدح في الإجماع الذي نقله . وأما قول محمد بن نصر : لم نجد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – خبرا ثابتا صريحا أنه أوتر بثلاث موصولة ، نعم ثبت عنه أنه أوتر بثلاث ، لكن لم يبين الراوي هل هي موصولة أو مفصولة . انتهى .

فيرد عليه ما رواه الحاكم من حديث عائشة أنه كان – صلى الله عليه وسلم – يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن . وروى النسائي من حديث أبي بن كعب نحوه ، ولفظه يوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ولا يسلم إلا في آخرهن وبين في عدة طرق أن السور الثلاث بثلاث ركعات ، ويجاب عنه باحتمال أنهما لم يثبتا عنده ، والجمع بين هذا وبين ما تقدم من النهي عن التشبه بصلاة المغرب أن يحمل النهي على صلاة الثلاث بتشهدين ، وقد فعله السلف أيضا ، فروى محمد بن نصر من طريق الحسن أن عمر كان ينهض في الثالثة من الوتر بالتكبير ، ومن طريق المسور بن مخرمة أن عمر أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن ، ومن طريق ابن طاوس عن أبيه أنه كان يوتر بثلاث لا يقعد بينهن ، [ ص: 559 ] ومن طريق قيس بن سعد عن عطاء وحماد بن زيد عن أيوب مثله ، وروى محمد بن نصر عن ابن مسعود وأنس وأبي العالية أنهم أوتروا بثلاث كالمغرب ، وكأنهم لم يبلغهم النهي المذكور . وسيأتي في هذا الباب قول القاسم بن محمد في تجويز الثلاث ، ولكن النزاع في تعين ذلك فإن الأخبار الصحيحة تأباه .

قوله : ( توتر له ما قد صلى ) استدل به على أن الركعة الأخيرة هي الوتر وأن كل ما تقدمها شفع ، وادعى بعض الحنفية أن هذا إنما يشرع لمن طرقه الفجر قبل أن يوتر فيكتفي بواحدة لقوله : فإذا خشي الصبح ” فيحتاج إلى دليل تعين الثلاث ، وسنذكر ما فيه من رواية القاسم الآتية . واستدل به على تعين الشفع قبل الوتر وهو عن المالكية بناء على أن قوله ” ما قد صلى ” أي من النفل . وحمله من لا يشترط سبق الشفع على ما هو أعم من النفل والفرض وقالوا : إن سبق الشفع شرط في الكمال لا في الصحة ، ويؤيده حديث أبي أيوب مرفوعا ” الوتر حق ، فمن شاء أوتر بخمس ومن شاء بثلاث ومن شاء بواحدة ” أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم ، وصح عن جماعة من الصحابة أنهم أوتروا بواحدة من غير تقدم نفل قبلها ، ففي كتاب محمد بن نصر وغيره بإسناد صحيح عن السائب بن يزيد أن عثمان قرأ القرآن ليلة في ركعة لم يصل غيرها ، وسيأتي في المغازي حديث عبد الله بن ثعلبة أن سعدا أوتر بركعة ، وسيأتي في المناقب عن معاوية أنه أوتر بركعة وأن ابن عباس استصوبه ، وفي كل ذلك رد على ابن التين في قوله : إن الفقهاء لم يأخذوا بعمل معاوية في ذلك ، وكأنه أراد فقهاءهم .

قوله : ( وعن نافع ) هو معطوف على الإسناد الأول ، وهو في الموطأ كذلك إلا أنه ليس مقرونا في سياق واحد بل بين المرفوع والموقوف عدة أحاديث ، ولهذا فصله البخاري عنه .

قوله : ( أن عبد الله بن عمر كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته ) ظاهره أنه كان يصلي الوتر موصولا فإن عرضت له حاجة فصل ثم بنى على ما مضى ، وفي هذا دفع لقول من قال : لا يصح الوتر إلا مفصولا . وأصرح من ذلك ما رواه سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن بكر بن عبد الله المزني قال : صلى ابن عمر ركعتين ثم قال يا غلام أرحل لنا ، ثم قام فأوتر بركعة . وروى الطحاوي من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة ، وأخبر أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يفعله ، وإسناده قوي . ولم يعتذر الطحاوي عنه إلا باحتمال أن يكون المراد بقوله بتسليمة أي التسليمة التي في التشهد ولا يخفى بعد هذا التأويل والله أعلم . وأما حديث ابن عباس فقد تقدم في عدة مواضع في العلم والطهارة والمساجد والإمامة وأحلت بشرحه على ما هنا . وقد رواه عن ابن عباس جماعة منهم كريب وسعيد بن جبير وعلي بن عبد الله بن عباس وعطاء وطاوس والشعبي وطلحة بن نافع ويحيى بن الجزار وأبو جمرة وغيرهم مطولا ومختصرا ، وسأذكر ما في طرقه من الفوائد ناسبا كل رواية إلى مخرجها إن شاء الله تعالى .
 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

في الزوايا خبايا – طريق الإسلام

فلا تتطاول على من حولك، وخفِّف الوطء، فلا يعلم أقدار الناس إلا ربُّ العالمين، ولله …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *