الإيمان وأثره في إصلاح النفوس

منذ حوالي ساعة

واللهِ لا يُسعِد النفس ولا يُزكِّيها، ولا يُذهِب همَّها وغمَّها وألمها، إلا الإيمان بالله رب العالمين، الإيمان بالله عز وجل هو الذي يُغيِّر النفوس، هو الذي يصنع المعجزات.

إن بناء المدارس والسدود، والمستشفيات والمشاريع الكبيرة أسهل بكثير من بناء الإنسان، أسهل بكثير من بناء الإنسان السَّوِيِّ المستقيم المتحكِّم في شهوته، فبناء الإنسان صعب جدًّا – إخوةَ الإيمان – فالإيمان بالله عز وجل هو الذي يصنع المعجزات، الإيمان بالله عز وجل له أثر عظيم في تغيير النفوس.

 

عباد الله، دعونا نعيش وإياكم دقائقَ معدودة مع نماذجَ، الإيمانُ غيَّر من أخلاقهم، الإيمان غيَّر من سلوكهم، غيَّر من عقائدهم، واللهِ لا يُسعِد النفس ولا يُزكِّيها، ولا يُذهِب همَّها وغمَّها وألمها، إلا الإيمان بالله رب العالمين، الإيمان بالله عز وجل هو الذي يُغيِّر النفوس، هو الذي يصنع المعجزات، نحن نعيش أزماتٍ وراءَ أزمات، وأزمات سببها الأكبر ضعف الإيمان، تفرُّقٌ وتشرذُمٌ وتشتُّتٌ، السبب الأكبر هو ضعف الإيمان، هو البعد عن الله عز وجل.

 

معاشر المسلمين الموحِّدين، دعونا نعيش مع نماذجَ كيف غيَّرهم هذا الإيمان، مع سَحَرةِ فرعون، هل أتاكم حديث سحرة فرعون الذين قال لهم فرعون؛ كما قال الله عز وجل وهو يتحدث عن سحرة فرعون وهم يتحاورون مع فرعون: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الشعراء: 41، 42].

 

عندما عرَفوا أن ما جاء به موسى هو الحق، سجدوا لله عز وجل، وقالوا: آمنَّا بربِّ هارون وموسى، قبل الإيمان: {أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} [الشعراء: 41]، بعد الإيمان هدَّدهم فرعون؛ قال تعالى: {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} [طه: 71]، ماذا كان الجواب؟ {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: 72]، أنت يا فرعونُ مهما تكبَّرت، ومهما تعاليتَ، ومهما بلغت من القوة مبلغًا عظيمًا، فأنت ستنتهي وستزول، وهكذا كل متكبر على وجه الأرض سيزول، وسيقف بين يدي الله وحيدًا فريدًا، لا مال ينفعه، لا حرس، لا حشم، لا قبيلة، ولا شيء ينفعه: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 94].

 

الخنساء تَنْعَى أخاها صخرًا قبل الإسلام، انظروا إلى حالها قبل الإسلام، تقول:

يذكِّرني طلوع الشمس صخرًا   **  وأذكُرُه لكل غروب شمــسِ 

ولولا كثرة الباكين حولـــــــي   **  على إخوانهم لَقتلتُ نفسي 

 

هذا قبل الإسلام، فتصيح وتولول وتشق جيبها، وتضرب وجهها باكيةً على أخيها صخرٍ، انظروا إلى حالها بعد الإسلام، بعد أن هداها الله عز وجل، وبعد أن دخلت في دين الله عز وجل، تُقدِّم أربعًا من فِلْذاتِ أكبادها في معركة القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه، هناك في المعركة، وتقول لهم: “إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة، ما خُنْتُ أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا غيَّرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعدَّ الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية؛ ثم تَلَت قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]، وقالت: فإن رأيتم الحرب قد شمَّرت عن ساقها، وجلَّلت نارًا على أوراقها، فتيمَّموا وَطِيسَها، وجالِدوا رَسِيسَها، تَظْفَروا بالغُنم والكرامة في دار الخُلْدِ والْمُقامة”، وقال لها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: ألم يَطُلْ بكاؤكِ على أخويكِ؟ فردَّت عليه: “بكيتُهما في الجاهلية حبًّا لهما، وحسرة على فراقهما، وبعدما أسلمتُ أشفقتُ عليهما من النار؛ لأنهما ماتا في جاهلية”، ولما بلغها استشهاد أبنائها الأربعة في معركة القادسية قالت: “الحمد لله الذي شرَّفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته”.

 

انظروا إلى الإيمان كيف يُغيِّر النفوس؛ ولذلك اهتمَّ النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان، بالعقيدة، ربَّى النبي أصحابه في العهد المكي على توحيد الله، على الثقة بالله، على الإيمان بالله عز وجل.

 

بلال رضي الله عنه عندما دخل الإيمان إلى قلبه، أصبح مؤذِّنَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ فيقول له النبي: «يا بلالُ، حدِّثني بأرجى عملٍ عمِلتَه في الإسلام؛ فإني سمعت دَفَّ نعليك بين يديَّ في الجنة»، قال: ما عمِلتُ عملًا أرجى عندي من أني لم أتطهر طَهورًا في ساعة من ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كُتِبَ لي أن أُصليَ))؛ (متفق عليه).

 

بلال عندما وُضِعَ في الأرض بعد أن آمن بالله عز وجل، فيأتيه أُمَيَّةُ فيضربه، ويضع صخرة في وقت الحر في أيام الصيف، هناك في صحراء مكة، صخرةً على صدره ويقول له: اكفُر بمحمد، فيَتْفُل على وجهه ويقول: أَحَدٌ، والله لو كان هناك كلمة غيرها أُغيظك بها، لَقُلْتُها، أَحَدٌ أَحَدٌ، بعد أن عُذِّب، سأله بعض الصحابة: يا بلالُ، ما هذا الصبر؟ ما هذا التحمل؟ قال: “مزجت حلاوة الإيمان بمرارة العذاب، فطَغَت حلاوة الإيمان على مرارة العذاب”؛ لأنه يعلم أن ما عند الله خير وأبقى.

أيها الأحِبَّة في الله، عمر بن الخطاب رضي الله عنه عاش في الجاهلية جَلْدًا صلبًا صلدًا، وكان غليظًا فظًّا، وكان أبوه الخطَّاب على نفس خُلُقِهِ فظًّا غليظًا، وكان خاله أغلظ من أبيه، وهو أبو جهل عمرو بن هشام، فِرعونُ هذه الأمة، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه جلدًا في الجاهلية، وكان سفيرًا لقريش في الأحداث أو الاختلاف بين القبائل أو الحروب، ولكنه كان مغمورًا أيضًا في قريش، انظروا عندما دخل الإيمان إلى قلبه، وآمن بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا، يصعد على المنبر فتُقَرْقِرُ بطنه، تقرقر بطنه وهو أمير المؤمنين، فيقول: “قَرْقِري أو لا تقرقري، والله لن تَشبعي حتى يشبع أبناء المسلمين”، الله أكبر، حتى يشبع أبناء المسلمين، بل يقول ذات يوم: “والله لو أن بغلةً سقطت في العراق، لَسألني الله لِمَ لَمْ تصلح لها الطريق يا عمر؟” سقطت، أما اليوم أُمَّةٌ تُباد هناك على أرض فلسطين، وهناك أُمَّةٌ تُباد على أرض السودان، وفي كل مكان، ولا أحد يُحرِّك ساكنًا، إنه ضعف الإيمان، إنه الخَورُ، إنه الجبن، إنه الخوف من الأعداء أكثر من خوفهم من الله سبحانه وتعالى، لكن الرعيل الأول علِموا علمًا يقينيًّا أنهم سيقفون بين يدي الله، وأن الله سيسألهم عن كل صغيرة وكبيرة، عمر يبكي ويقول: “والله لو أن بغلةً سقطت في العراق، لَسَألني الله لِمَ لَمْ تصلح لها الطريق يا عمر؟”.

 

عباد الله، انظروا إلى الإيمان، كيف يصنع النفوس؟ كيف يُغيِّر النفوس؟ ولذلك إخواني الكرام، إذا أردنا أن نُغيِّرَ ما بأنفسنا، ينبغي أولًا قبل كل شيء، أن نستعين بالله عز وجل، أن ندعو الله عز وجل، ونقول: اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، اجعلنا من الراشدين، ندعو الله دائمًا بأن يُحبب إلينا الأخلاق، بأن يحبب إلينا الإيمان، الدنيا فانية، كلنا سنموت، كلنا سنرحل، كل يوم نجد أربع جنازات، خمس جنازات، في بلد صغير، فكيف حال الدول الأخرى؟ ماذا قدمنا لآخرتنا يا إخواني؟ ماذا قدمنا إذا وقفنا بين يدي الله عز وجل؟

 

فلابد أن نصلح أنفسنا، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].

 

عباد الله، نبدأ بأُسَرِنا إخوةَ الإيمان، نبذل المستطاع، أُمَّةٌ تُباد ونحن في ذُلٍّ، ونحن في انحطاط، إلا من رَحِمَ الله، في ضعف شديد، ونحن في بُعْدٍ عن الله، وإلا يا إخواني، الله وعد المؤمنين بوعود كثيرة؛ منها: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج: 38]، الله لا يخلف وعده، ومن أصدق من الله قيلًا، ومن أصدق من الله حديثًا، فإذا حققنا الإيمان، دافع الله عنا، إذا حققنا الإيمان، نصرنا الله، أيَّدَنا جل جلاله، وإذا أردنا أن نُغيِّرَ ما بأنفسنا، ينبغي أن نجلس مع أهل الإيمان، مع أهل الطاعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يُخالِل»؛ (أبو داود، والترمذي، وأحمد).

 

نحن في زمن الفتن، ما أحوجنا أن نجلس مع الصالحين الذين يذكِّروننا بالله عز وجل؛ الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع أحدهم دينه بعَرَضٍ من الدنيا»؛ (رواه مسلم وغيره)، فنسأل الله بمنِّه وكرمه أن يُحبِّب إلينا الإيمان، وأن يُزيِّنه في قلوبنا، وأن يُكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان.

_________________________________________________
الكاتب: ياسر عبدالله محمد الحوري


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

التسبيح المعتبر شرعا.. – طريق الإسلام

فيكون التسبيح المعتبر شرعا هو إبعاد القلوب والأفكار والاعتقادات والأعمال والأقوال عن أن تنسب إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *